سوريا الستينيات وحلم اليقظة بالنصر السريع

باب شرقى فيلم موجه مصرى سورى مشترك

صفاء الليثى
 
لم يسعدنى الحظ بزيارة سوريا ولا دمشق ، يقول لى الأصدقاء الذين زاروها بأنك ستشعرين أنك فى مصر زمن الستينيات ، هذا ما أحسست به مع ردود أفعال المعارضة السورية التى ملأت قاعة نقابة الصحفيين لمتابعة العرض الأول لفيلم ” باب شرقى” الروائى للمخرج المصرى أحمد عاطف وللأخوين أحمد ومحمد ملص.

احمد ملص

بادرتنى فتاة سورية بجوارى تسألنى سورية أم مصرية، اللهجة واضحة منى ومنها ولكنها كانت مبتسمة وسعيدة وكأن بشار قد رحل والثورة انتصرت. وفى نهاية الفيلم يعلن شخص يرتدى زى الجيش عن انتصار الجيش السورى الحر ومقتل بشار الأسد ليصفق الحضور ويهتفون ” الله حى ، الجيش الحر” بشكل غنائى.. الانفعال بالفيلم والضحك على القفشات من الجانب السورى والمصرى داخل الفيلم أشعرتنى بأننا فى أجواء احتفالية، وكأن حلم اليقظة هذا بانتصار الجيش الحر وسيطرته على دمشق ومقتل الأسد قد تحقق بالفعل. وجدت الفيلم  يشبه بروباجندا عبد الناصر والدعاية الناصرية زمن الستينيات، يخاطب الأشبال والمراهقين مثل جارتى السورية الفرحة بنجوم المعارضة الذين يملئون القاعة، والفرحة بانتصار الأخ الطيب على أخيه الشرير. أتحدث عن فيلم باب شرقى الذى كتبه وأنتجه وأخرجه المخرج أحمد عاطف الذى تثار شكوك فى مصر حول ارتباطه بالنظام الجديد فى مصر وجماعة الإخوان. وهى شكوك أكدها لى هذا الفيلم الذى يتخذ موقفا مباشرا من مساندة الجيش السورى الحر وتصوير نظام بشار وتابعيه بشكل سيء إما بلهاء أو دمويين. فيلم ينتمى للسينما المباشرة ويحمل بعدا واحدا لاغير عبر قصة تتكرر فى كثير من أفلامنا العربية حول الأخوين المقتتلين، كما فى الفيلم الأول للمخرج خالد يوسف ” العاصفة”  عن حرب الخليج الأولى ، حرب العراق والكويت، هنا الأخوين أحمد ومحمد ملص، يقومان بدور الأخوين بلال وهلال أحدهما ضد النظام والآخر معه. الأخوين شاركا فى الكتابة وفى رؤية الفيلم مع المخرج أحمد عاطف الذى لم يزر سوريا ولا يعرف أرضها وإن كانت فى قلبه ووجدانه كما صرح فى كلمته قبل عرض الفيلم. الأخوين ملص فى باريس فلم يحضرا العرض وحضره الممثل القدير فرحان مطر الذى قدم دورا نمطيا عن لاعقى أحذية رجال النظام، عاشق الأسد بشكل يثير السخرية . نجح المخرج أحمد عاطف ومعه الأخوين ملص فى صياغة فيلم عبر مشاهد محدودة وبشكل أقرب إلى الاختزال لرسم صورة أوضاع السوريين فى انقسامهم بين الانحياز للنظام أو الانحياز للثورة. أغلب المشاهد صورت فى مصر حيث لجأت العائلات السورية . هناك استعانة ببعض المشاهد الوثائقية مثل خيمة الثورة السورية بميدان التحرير بالقاهرة، ومثل بعض مشاهد القتل البشعة للنظام السورى. طابع ممسرح صبغ عددا من المشاهد وخاصة التى جمعت الأخوين حيث منصة وخطابة مباشرة لجمهور محسوس.

ومشاهد أخرى كانت أقرب لسينما تعتمد الارتجال كمشهد هام دار بين بلال وصديقه المصرى فى منزل الأخير يطلب منه الهدوء فكل شيء فى مصر يتم بالتصوير البطيء . أداء رائع من الممثل المصرى يطلق ضحكات الحضور وتصفيقهم، وكذا مشهد ذكرنى بالواقعية المصرية الجديدة لخان وعاطف الطيب فى الميكروباس وسيدة تبادر الشقيقين بالسؤال حول التشابه الشديد بينهما ينتهى بسبها لبشار فتضج القاعة بالتصفيق بعد الضحكات.  مشاهد لتوازى بين مظاهرة مؤيدة يقوده هلال وأخرى رافضة يقودها بلال , وهكذا يتراوح الفيلم بين المشاهد الحية الأقرب لفن السينما الواقعية الجديدة، وبين السينما المباشرة الموجهة مع أداء مسرحى يشبه واقعية اشتراكية أو عملا مباشرا. يمزج الفيلم بين الكوميديا فى السخرية من بعض مظاهر منتشرة الآن مثل السخرية من اهتمام الفتيات المصريات بالمسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية ، وهى تكسر حدة الميلودراما  التى تفرضها الفكرة الرئيسة عن اقتتال الأخوة، وتبعد الفيلم عن التأسى لهذا الحال ، لتفسح الأمل لحتمية انتصار الثورة.
 لا أتصور أن الفيلم تكلف كثيرا، بل يمكن وصفه بالعمل قليل التكاليف، فى مجموعه لا يقدم عمقا للقضية ولا يثير أفكارا قابلة للنقاش، فتوجهه الوحيد تم التعبير عنه فى جملة جاءت على لسان  (بلال) ” الحرب لا تصبح حربا إلا عندما يتقاتل الأخ مع أخيه”. توجهه الوحيد لمساندة الثورة السورية والثقة فى رحيل بشار الأسد حتى لو بقتله بيد الجيش السورى الحر.


إعلان