مهرجان السينما الآسيوية في فزول
خلاصة الفن السينمائي الآسيوي
ندى الأزهري- فزول(فرنسا)
تعطي متابعة مهرجان فزول الدولي للسينما الآسيوية الذي ينظم في فبراير سنويا منذ تسعة عشر عاما، انطباعا بأن هذا النوع من المهرجانات” الصغيرة” هو ما يتيح التعرف على خلاصة الفن السينمائي، وهنا الآسيوي تحديدا القديم منه والمعاصر. إنه انصراف حقيقي نحو السينما فلا سجادة حمراء ولا مدعوون “نجوم” ينشغل الجمهور بوجودهم عن مشاهدة الأفلام، ولا انتظار لفيلم هذا أو ذاك من المكرسين، بل السينما الخالصة والاكتشاف المؤكد واللقاء العفوي بعيدا عن المظاهر مع فنانين كبار وجمهور محب للسينما.
مهرجانات تقدم برنامجا “إنسانيا” تمكن متابعته دون هذا الإحساس المستمر بالإحباط الذي لا بد يصاحب محب السينما من عدم القدرة على الإحاطة بكل ما يعرض, هنا تفوته بالطبع أشياء وكثيرة ولكنها تبقى في حدها المعقول. الأفلام هي غالبا من المنتمية لسينما المؤلف، بعض مخرجيها شباب يلتقي للمرة الأولى بجمهور” غربي” ما يعطي اللقاء حيوية وغنى.

” معك، بدونك” للسريلانكي براسانا فيتاناج ، كان أحد أفلام المسابقة الرسمية مشاركا ثمانية منها الصيني” كل الاعتذار” لأيميلي تانغ، والإيراني” استقبال متواضع” لماني حقيقي، والطاجيكستاني” التلغرام” لاسكندر أسمونوف، والتركي “ليلة صامتة” لرئيس شليك…أفلام تعكس التيارات الجديدة في آسيا تم اختيارها من بين 400 تمت مشاهدتها من قبل مسؤولي المهرجان. كما كان هناك مسابقة للأفلام الوثائقية وتظاهرات أخرى كنظرة على السينما الاندونيسية ومائة عام من السينما الهندية.. السينما العربية حضرت فقط في تظاهرة” على طريق آسيا” حيث اختيرت أفلام تجري معظم أحدائها على الطرق، وبعض تلك اسطوري. حضر فيلما اللبناني فيليب عرقتيني” بوسطة” و”تحت القصف” وفيلم الفلسطيني رشيد مشهراوي” عيد ميلاد ليلى”.
معك، بدونك…
” معكِ، بدونكِ” المستوحى من رواية دوستويفسكي” إمرأة رقيقة” نال الجائزة الأولى مشاركة مع ” جيزيل” للكوري أو مويل، كما نال جائزة نيتاباك للسينما الآسيوية. ليست الجوائز ما استدعى الكتابة عنه، بل قيمة الفيلم الجمالية والمشاعر التي يثيرها لدى مشاهده بعمقه الإنساني. سعى فيتاناج لملاءمة رواية دستويفسكي على الواقع المعاصر و تداعيات الحرب الأهلية في سريلانكا، فغدت قصة حب بين شخصين ينتميان لمجموعتين مختلفتين عرقيا ودينيا، ضابط سابق من السنغالي (شيام فرناندو) و فتاة من التامول هاربة من المذابح التي تعرضت لها عائلتها( قامت بدورها الممثلة الهندية ” أنجل باتيل”).. رغم الحب الذي جمعهما، كان شائقا عليهما وعلى الفتاة خاصة مواجهة ظلال الماضي وتجاوزها…حين تكتشف الفتاة ان زوجها وحبيبها كان ضابطا سابقا تكون الصدمة قاضية. كانت تنطفئ أمام عينيه يوما بعد يوم ولايستطيع لها شيئا رغم رغبته الصادقه لفعل المستحيل لها. لجأ المخرج إلى تعابير الوجه بدلا من الكلام فجاء هذا موجزا. كما اتكأ على المكان والألوان والصوت للايحاء بنفسيات شخصياته، فاعتمد اللون الأزرق لخلق جو العزلة الداخلية التي تعيشها الشخصيات وليوحي بالبرودة العاطفية التي كانت تفرضها أحيانا معاناة الماضي، وأجاد استخدام هذا اللون الذي طغى على ديكور كثير من المشاهد واستخدمه بدراية وذكاء. كما عمد إلى توظيف الصوت بقوته أم بضعفه كوسيلة لإظهار مشاعر شخصياته. وقال لنا أنه قضى شهرين في مزج الأصوات، وعاد لمكان التصوير وسجل ليل نهار للحصول على كل التنوعات الصوتية للمكان، لأنه يعتبرها جد مهمة في أفلامه لقدرتها على عكس وحدة الكائن وعواطف الشخصية في تدرجاتها المتنوعة، إنه يتخذ من قول المخرج الفرنسي الكبير روبير بريسون ” الصوت هو البعد الثالث للسينما” أمثولة..
الفيلم لوحة شاعرية مؤثرة لحياة زوجين آذتهما الخلافات العرقية والحرب الأهلية.
الهند- سينما المؤلف
في احتفاله بمئوية السينما الهندية عرض المهرجان عشرة أفلام لمخرجين طواهم النسيان أو لمكرسين مثل ساتيا جيت راي وغوتام غوس.
لقد ظهر أول فيلم في الهند عام 1913 سبعة عشر سنة بعد ظهور الأخوين لوميير، كان هذا في بومباي وكانت الهند تحت الانتداب البريطاني. تحول الإنتاج السينمائي إلى صناعة منذ العشرينات بعد أن بنيت استديوهات في بومباي وكلكوتا ومدراس، وكانت حكايا الأفلام اسطورية بشخصيات تاريخية ثم اجتماعية. و في الأربعينات ازدهرت السينما الشعبية، وكان العصر الذهبي لها بعد الاستقلال في الخمسينات والستينات حيث عرفت ب”سينما هندي” بنجومها ومغنيها البلاي باك مع أفلام راج كابور ومحبوب خان…عقد بعدها، بات الإنتاج السينمائي في الهند أكبر إنتاج عالمي، اطلق عليه اسم بوليوود في بداية التسعينات.

أما سينما المؤلف فكانت ولادتها منتصف الخمسينات مع أول فيلم لساتيا جيت راي” بازر بانشالي”الذي لقي اعترافا دوليا و تبعته أجيال موهوبة من السينمائيين في كل مكان من الهند مثل ميرينال سن و ريتويك غاتاك.
سينما المؤلف هي سينما مقاطعات في الهند، فالفيلم في ديكوره الحقيقي في المناطق وينطق بلغتها. هذه السينما الملتزمة تعكس الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي وهي ذات خصوصية واقعية وشاعرية، وأحيانا ملحمية. وهي سينما تحلل برهافة ودقة حياة الناس وصعوبات عيشهم والظلم الاجتماعي والسياسي الواقع عليهم، وهذا على عكس السينما الشعبية التي تستخدم هذه العناصر كخلفية لتغذية دراماتيكية الحدث والسيناريو القائم أساسا على إثارة العواطف والابهار بالرقص والغناء.
وتبدو سينما المؤلف أقل بروزا، لكن ليس حضورا في المهرجانات خاصة، ويعاني توزيعها صعوبات فائقة في الهند.
وقد عرض المهرجان ثمانية أفلام منها تعكس الوجه الهام لهذه السينما في الثلاثين سنة الأخيرة.
وكان أحد أكبر المدافعين عن سينما المؤلف “غوتام غوز” موجودا في لجنة التحكيم، كما عرض ” العبور” في التظاهرة. يجسد” العبور” القدرة الإنسانية على التحمل ويعكس الصراعات والخلافات بين الطبقات. تدور أحداثه في قرية في منطقة بيهار حيث الطبقة المعدومة من المزراعين(المنبوذون) ، أدنى الطبقات في الهند و التي لا تدخل في التصنيف التراتبي للطبقات في الهند. يحاول معلم مساعدتهم ولكنه يقتل من قبل شقيق الإقطاعي الكبير، فتقوم مجموعة من هذه الطبقة بقتله ما يكون سببا لانتقام أخيه وحرق أراضيهم وقتلهم بوحشية. يهرب المزراع مع زوجته الحامل إلى كلكوتا، وهناك يبحث عن عمل وينتهي بهما الأمر إلى قبول عبور نهر الغانغ مع قطيع من الخنازير، عبور محفوف بالمخاطر وخاصة للمرأة الحامل.
فيلم صالح لكل العصور وسينما مؤلف ذات واقعية شديدة التاثير لأحد أكبر اسماء السينما البنغالية، مع ممثلين أيقونات لهذه السينما: شابانا عزمي وناصر الدين شاه.
تبقى السينما الهندية بوجوهها المتعددة شديدة الغنى، سواء أكانت شعبية أم تنتمي لسينما المؤلف، مع غناء أو رقص أم بدونهما، سينما تميزها ضخامة التنوع في التعبير الفني واللغوي والثقافي.