خلفية سقوط شوارتزنيغر وستالون: البشر يخسرون

محمد رُضا

You?’?re as good as your last movie
تقول الحكمة الهوليوودية المعمول بها فكيف يتصرّف الفيلم في “شبّـاك التذاكر” هو ما يخطط لمستقبلك سواء أكنت منتجاً، مخرجاً، ممثلاً أو كاتباً. هناك إستثناءات، لكن القاعدة هي أن النجاح يولد المزيد من الأعمال. الإخفاق، خصوصاً إذا ما تكرر، يوجّـه صاحبه إلى المكوث في البيت وأنظاره معلّـقة بالهاتف الذي توقّـف فجأة عن الرنين.
حال الممثل أرنولد شوارتزنيغر اليوم قريبة من هذا الوضع. لديه هالة كبيرة قد تساعده في البقاء في الساحة لمزيد من الأفلام، لكن غياب الإقبال على فيلمه الجديد «الوقفة الأخيرة» كان بمثابة ثقب كبير في تلك الهالة الكبيرة.
ليس أن الفيلم، الذي تكلّـف نحو 45 مليون دولار، سقط إثر نجاحات متوالية، بل سقط بعد طول غياب لشوارتزنيغر وفي فيلم أعتبر “فيلم العودة” إلى البطولة بالنسبة لهذا الممثل البالغ 65 سنة من العمر. فقد حط الفيلم في المركز العاشر مباشرة منجزاً أكثر بقليل من ستة ملايين دولار في أيامه الثلاث الأولى. مع نهاية الأسبوع الأول كان سلم المركز المتأخر لسواه وارتحل إلى المرتبة السادسة عشر.
وحتى لا يقف شوارتزنيغر وحده في هذا الوضع، يلحق به هذا الأسبوع سلفستر ستالون «رصاصة إلى الرأس» الذي طفا إلى المركز السادس ثم إنحدر عنه سريعاً حتى قبل مرور الأيام السبعة الأولى على بدء عروضه.

شوارتزنيغر يحارب في جولة أخيرة

كل من ستالون وشوارتزنيغر متشابهان في ملامح كثيرة وكلاهما سقط في تجربة توسّم منها خير ما أبدته.
• ستالون يكبر شوارتزنيغر بعام واحد (66 سنة).
•  كلاهما من الجيل ذاته مهنياً [شوارتزنيغر ظهر أول مرّة في السينما سنة 1969 وستالون بعده بسنة].
•  كلاهما خرج من أتون الأدوار الصغيرة ليمثّـل أدوار الرجل المعتمد على قوّته البدنية في أفلام أكشن أكبر من الواقع.
•  كلاهما حاول الخروج من أدوار القوّة هذه والتنويع قليلاً في الثمانينات حتى لا يقع ضحية اللون الواحد.
• كلاهما شهد إنحساراً جزئياً في أواخر التسعينات ومطلع العقد الأول من هذه السنة، ولو لأسباب مختلفة كون أرنولد شوارتزنيغر إبتعد عن العمل السينمائي لمعظم سنواته السبع التي قضاها حاكماً لولاية كاليفورنيا (هذا بإستثناء أدوار شرف صغيرة مثّلها في تلك السنوات).

هذه العناصر أو الملامح المشتركة تقود إلى ما هو أكثر من مجرّد ملاحظة مصير متشابه. لا أريد أن أدّعي هنا أنني أعرف تماماً المصير المهني لكل منهما، وهما بدورهما لا يعرفان أيضاً. العمل في السينما هو دورات متواصلة من المحاولات والسعي وإذا ما قذفت بك إخفاق معيّـن عليك أن تقف سريعاً على قدميك وتفكـّر بحل سريع وهذا ما أعتقد أن كليهما يقوم به الآن. ما هو إطار أكبر لهذه الظاهرة يكمن في حقيقة أن الجيل الحالي والسابق مباشرة له لا يعرف الإخلاص كما عرفته الأجيال السابقة. جون واين، غاري كوبر، همفري بوغارت، جيمس كاغني، بيت ديفيز، جوان كروفورد، مارلين مونرو، كلينت ايستوود وعشرات سواهم تمتّـعوا بإخلاص زبائنهم لأمد طويل جدّاً شهد نجاح غالب أعماله وسقوط بعضها من دون أن يؤدي هذا السقوط إلى دوي هائل كالذي يحدث مع هذين الممثلين.
وما هو في المحك هنا ليس مسألة أن الممثلين نجحا أو لم ينجحا بل في أن هذا السقوط له صورة أكبر وهي أن ستالون وشوارتزنيغر وبروس ويليس وستيفن سيغال وجان-كلود فان دام وتشك نوريس (لا أحد منهم يستحق ترشيحاً لأوسكار) يعبّرون عن بطولات بشرية تجد نفسها في موقع صعب، فهي لا تهاجم أعداءها في الأفلام فقط، بل تهاجم واقعاً مفاده أن عليها أن تستسلم لمصير صحراوي البيئة وهذا ما يحاولون تجنّبه [كل هؤلاء بإستثناء سيغال اشتركوا في «المستهلكون» الأول والثاني مؤخراً]. لكن وضع عسير إذ يحكمه جمهور شاب يريد أبطالاً مصنوعين من المؤثرات الخاصة والكومبيوتر غرافيكس. رجال لا يهم سمك عضلاتهم ولا ما شهدوه من مصاعب في حياتهم، بل يرغبون بشبّان يتعاملون جيّداً مع المؤثرات الخاصّـة. ينخرطون فيها ويلتحمون بها. يريدون أشباه رجال تحارب وحوشاً تلمع وتبرق وتدمّـر ويصدر عنها أصوات هادرة. صحيح أن أفلام البطولات الرجالية ليست أعمالاً عميقة الشأن، لكنها طالما تعاملت مع “وقائعيات” مألوفة من خلال علاقات بشرية- بشرية هي بقايا لما كان أكثر سماكة في بعض أفلام الأمس.
بالتالي ليس لدينا أبطالاً يخسرون في حلبة المواجهة بين أفلام تدعم اللجوء إلى ما هو حكايات قوامها بشر وبين أفلام مصنوعة للإبهار البصري بمؤثرات يتم تصنيعها تقنياً فقط، بل لدينا جمهور يخسر وآخر يربح. لدينا عصر تندفع فيه السينما الأميركية مثل صاروخ فضائي عليه أن يتخلّـى عن أجزاء منه حتى يستطيع مواصلة الرحلة إلى الكوكب الآخر. تتساقط تلك الأجزاء متحولة إلى أشلاء كحال أنواع السينما البائدة وأبطالها.
لجانب أن مستقبل السينما يعد بمزيد من الإعتماد على تكنولوجيا الدجيتال والمؤثرات في كل شأن وزاوية، فإن هذا الوعد ذاته هو ما يجعل الإنتاجات الترفيهية تواصل إبتعادها عما صنع للسينما عالمها الفريد. طبعاً هناك وسيبقى ذلك الجانب من الأفلام الدرامية البعيدة عن تناولنا هنا، أفلام السير الذاتية مثل «لينكولن» أو أفلام الإقتباسات الأدبية مثل «آنا كارانينا» و«البائسون»، لكن في ثقافة السينما السائدة، وهي ثقافة لم يعترف بها النقاد طويلاً من قبل، هناك مفترق طرق واحد يسير فيه الركب الكبير وآخر يسير فيه ركب أقل عدداً وربما سيتناقص أكثر فأكثر.

سلفستر ستالون كما في فيلمه الجديد “رصاصة إلى الرأس”

لقد كانت ضربة معلّم أن قام سلفستر ستالون بجمع أركان سينما البطولات الرجالية في فيلم «المستهلكون» لأن الجمهور كان إما من الذين أرادوا إستعادة بعض ملامح سينما الثمانينات وإما من الذين لم يعوا تماماً تلك الملامح ولكنهم يعرفون هؤلاء الممثلين الذين يعودون من غياهب الأمس ويريدون التعرّف عليهم فوق شاشات اليوم. الفيلم حقق نجاحاً جيّـداً أدّى إلى جزء ثان أدى لنجاح جيّد آخر. قوام هذا النجاح فكرة جمع أكبر عدد من هؤلاء الأبطال ما يحوّل العملين (والجزء الثالث الذي هو قيد التحضير) إلى كرتونيات خاوية لكنها تبرز القوّة الرجالية على ما عداها وتواجه سينما المؤثرات والدجيتال وتنتصر عليها في موقعة أو موقعتين. لكن ما توسّـمه أرنولد شوارتزنيغر من أنه يستطيع العودة إلى السينما بطلاً منفرداً ومغواراً لكي يواصل من حيث توقّـف كان مخاطرة كبيرة سقطت في حفرة بحجم طموحاتها.
هل هذا الإخفاق نهائي؟ هل سيستطيع شوارتزنيغر أن يتغلّـب عليه بعد سنة حين يبدأ عرض فيلمه المقبل «عشرة» (دوره فيه لا يختلف كثيراً عن دوره في «الوقفة الأخيرة») أو عليه أن ينتظر إلى حين يخرج «ترميناتور 5» لعله- بفضل مؤثراته- يستطيع تعويض هذه الخسارة؟
إلى أن تتبدّى باقي ملامح هذه الأزمة فإن «الوقفة الأخيرة» هي … ولحين آخر “وقفة أخيرة” فعلاً.


إعلان