أيام الفيلم الأردني لعامها الثاني بالجزائر

ضـاوية خـليفة – الجـزائر

عكس العديد من التظاهرات التي لا تجد عادة طريقا للاستمرار و مكانا للاستقرار جاءت التوأمة الجزائرية الأردنية من خلال أيام الفيلم الأردني مثمرة في عامها الثاني على التوالي، مؤكدة رغبة الطرفان بلوغ خطوات أكبر بالمرور إلى الإنتاج السينمائي المشترك مستقبلا، فبعروض الدورة الثانية من هذه التظاهرة التي من شأنها تعزيز التعاون بين البلدين يكون قد تجدد الموعد مع الجمهور الجزائري الذي بدأت تتكون لديه ملامح و صورة عن السينما الأردنية من خلال إبداع مخرجين شباب أسسوا لهذه الصناعة السينمائية الناشئة و الواعدة في نفس الوقت، ولتصل هذه الانتاجات لأكبر قدر ممكن من الجماهير صرحت ”نبيلة رزايق” رئيسة دائرة السينما و السمعي البصري بالوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي قائلة أن هذه العروض بعد العاصمة ستقدم بمتاحف السينما على المستوى الوطني، وفي سياق ذي صلة أكدت المتحدثة نفسها أن المملكة الهاشمية ستحتضن أيام الفيلم الجزائري شهر حزيران / جوان المقبل حيث يتم حاليا اختيار الانتاجات السينمائية الحديثة التي ستعرض أمام الجمهور الأردني في إطار التبادل السينماتوغرافي بين البلدين ممثلين بالهيئة الملكية الأردنية للأفلام و الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، و في سؤال للجزيرة الوثائقية عن مستقبل و آفاق هذا التعاون و عما إذا كان سيمهد مستقبلا لانتاجات مشتركة من الجانبين أكدت ”ندى دوماني” مديرة قسم الإعلام و الثقافة بالهيئة الملكية للأفلام أن كل المساعي تتجه لتحقيق هذا الحلم و المسعى الذي يخدم بالدرجة الأولى سينما و سينمائيو البلدين، ما دامت هناك رغبة متبادلة لاسيما و أن هناك تجانس في الأفكار و تطابق في الأهداف.

و تجدر الإشارة هنا أن الطبعة الأولى من أيام الفيلم الأردني بالجزائر العام الماضي عرفت عرض ستة أفلام ”بهية و محمود” لزيد أبو حمدان، ”كابتن أبو رائد” لأمين مطالقة، ”الكعب العالي” لفادي حداد، ”مدن الترانزيت” لمحمد الحشكي،”موت الملاكم” ناجي أبو نوار، ”الشراكسة” محي الدين قندور، و نظرا لنجاح أول دورة قرر الطرفان إعادة التجربة من جديد.

”الجمعة الأخيرة” عندما يعبر صمت الشخص عن صوت الواقع و الصورة
بعد مشاركته في أكبر المهرجانات الدولية و اختتامه العام الماضي العروض المتنافسة بمهرجان وهران للفيلم العربي جاء افتتاح أيام الفيلم الأردني بالعاصمة بفيلم المخرج يحي العبد الله ”الجمعة الأخيرة”، الذي نقل بكثير من الصمت الدال على الحالة النفسية للشخصية الرئيسية و رغبة منه في إعطاء الجمهور مساحة لتأمل الوسط الذي يعيش فيه، نقل تفاصيل المجتمع الأردني مسلطا الضوء على قصة ”يوسف” الذي يتحول بين عشية و ضحاها و بقدرة قادر من مدير مبيعات سيارات إلى سائق أجرة تأثرا بالأزمة الاقتصادية، فيصبح ذاك الرجل البسيط الفاقد لعائلته التي تركته بعد أن خسر ماله و مكانته الاجتماعية فريسة للمرض و يجد نفسه مضطر لإجراء عملية جراحية وهنا تسقط عليه مقولة العرب ”العين بصيرة و اليد قصيرة”، وهنا تمكن المخرج من وضع المشاهد في تلك الصورة و جعله يعيش تلك الحالة النفسية بمساعدة اللقطات الطويلة و الصمت المتعمد، كما أبرز المخرج أيضا مدى تأثر و انعكاس هذه الحالة على علاقته بابنه، و بحكم أن المال اليوم يسير الكثير من الأمور فإما يسهلها أو يؤزمها فان يوسف يجد نفسه عاجزا عن دفع أقساط مدرسة ابنه و الالتزام بمسؤولياته كأب ولا حتى تحصيل مستحقات العملية الجراحية التي سيجريها و التي تمثل جانبا كبيرا من قيمته كرجل شرقي و عربي يرفض التسليم أحيانا لما ينقص من رجولته حتى أنه يخفي طبيعة مرضه، فبمجرد وصول وقت إجراء العملية تبدأ التساؤلات و الشكوك عن مدى نجاحها من فشلها.
للإشارة فان المخرج ”يحي العبد الله” يبدو تأثره الكبير بالسينما الصامتة و لهذا أراد أن يحكي قصص ووقائع من خلال مجموعة من الصور مع إعطاء حيز كبير للمكان أي الأردن.

”أصيل منصور” قصة المخرج الباحث عن الحقيقة و الجانب الخفي من التاريخ
يضع المخرج ”أصيل منصور” من خلال وثائقي ”عم نشأت” المشاهد العربي أمام صدمة من صدمات الحياة، في رحلة بحث و استكشاف و تساؤل واضح المعالم عما إذا كان العم المفقود قد استشهد على أيدي القوات الإسرائيلية – ليس بالأمر الجديد – أم أنه اغتيل من طرف أبناء جلدته فكيف ستكون ردة الفعل عندما تتأكد هذه المزاعم أي أنه اغتيل على أيادي فلسطينية مأجورة فهنا يكون الوجع الحقيقي و الانطباع الغريب الذي يتركه فينا هذا الوثائقي.
 
من هنا يبدأ التساؤل هل هي رحلة للبحث يركبها أصيل لاكتشاف حقيقة موت عمه أم هي رحلة للبحث عن ذات والده المسافرة منذ مدة مع روح أخيه نشأت الذي غيم رحيله على حياة والد أصيل “خيري” الشاعر الذي يضع بفقدان أخيه خط فاصلا يفصله عن عالمه و أسرته، لينطلق الابن أصيل مغامرته لاسترجاع والده إليه بوضعه في مواجهة الماضي بعد سنوات طويلة من الغياب، الترحال و الانتظار…
تغوص كاميرا أصيل في تفاصيل هامة، تزور شواهد الحياة و الموت بين الأردن و فلسطين، تنبش في تقاسيم الوجه و ضمة اليد و دمعة العين بحثا عن إجابة واضحة و محددة تبحث في خبايا التاريخ عن سؤال واحد ”كيف توفي العم نشأت”؟.

بعد مقابلات مع شهود من الأردن و فلسطين يعود أصيل بروايات مختلفة، هناك من يقول أنه استشهد في معركة مع اليهود في الأراضي اللبنانية، وبعضهم يقول أنه اعتقل من قبل اليهود على أرض لبنان، وفي الأخير يقف عند الرواية الحقيقية و مفادها أن نشأت كان على قوائم الاغتيال التي وضعها الجيش الاسرائيلي الذي بعث جاسوساً لتنفيذ مهمات الاغتيال هناك و كان نشأت من المستهدفين.
العم نشأت الذي عمل بالأردن كرس حياته للتنظيم الفدائي، حيث فتح بيته لاستقبال الدوريات الفلسطينية إلى أن تم اعتقاله و ظل في السجن إلى غاية 1982 بعد أن قام و رفقاءه السجناء بالإضراب لإخلاء سبيلهم، وهو ما تم فعلا ليتجهوا بعد الإفراج عنهم إلى لبنان الذي كان يعيش حينها الحرب الأهلية، و تتبعا لأطوار البحث وجد المخرج أن نشأت و بمساندة الحزب القومي السوري دخل رفقة صديقه عمرو أبو يوسف إلى لبنان بهويات مزورة، وفي طريقهم تعرضوا لحادث سيارة جرت نحوهم بسرعة فائقة فضربتهما ليلقى نشأت حتفه مستشهدا بينما أصيب صديقه بجروح، وبالتالي كانت هذه إحدى الروايات التي تؤكد إحدى الطرق التي انتهجتها إسرائيل للاغتيال أيادي فلسطينية.
هي الحقيقة التي كان يجب على خيري تقبلها، ليعلن مع ذاته أن أخيه استشهد و لن يعود، وكانت فعلا لحظة استيفاقه ليستعيد حياته ويعيش بسلام مع أسرته.

عندما تختصر 7 ساعات فروق الحياة و السبب التقاليد و الأعراف
تنطلق المخرجة الأردنية ” ديما عمرو رواني ” ضمن عملها السينمائي المختتم فعاليات أيام الفيلم الأردني بالعاصمة من فكرة لا تزال حجر زاوية في مربع الذي يضيق الخناق على كل متجرئ على تجاوز العادات و التقاليد لأجل الارتباط بطرف من غير ثقافته أو عرقه، حيث تلامس المخرجة ضمن عملها الموسوم ب” فرق 7 ساعات” مكامن المغامرة و المخاطرة بمواجهة المجتمعات العربية لزواج خارج الإطار المفروض و المحدد الذي يجعل الأعراف تسمو على القوانين الوضعية و الطبيعية.
تروي كاميرا” ديما رواني” ضمن 90 دقيقة قصة المهندسة “داليا” الشابة الأردنية التي تأتي لعائلتها المحافظة بقنبلة موقوتة تفجرها بكل شجاعة وهي التي تعرف جيدا الخطوط الحمراء التي تفصل بين المسموح و المرفوض في العائلة، حيث تعود” داليا “إلى بيتها بعد سنوات قضتها بالولايات المتحدة الأمريكية حيث تزاول دراستها العليا هناك في مجال الهندسة المعمارية و تصاحب “جيسون” الشاب الأمريكي الذي يقع في غرام عربية مشرقية رغم أنها محاطة بسياج قوي من العقد و الممنوعات، حب يجعله غير قادر على فراقها لأيام معدودة قضتها جعلت داليا تعود لعمان من أجل حضور حفل زفاف شقيقتها، لتفاجئ بصديقها الأمريكي يأتي إلى عمان لطلب يدها من

أهلها، و بدل أن يقع خبر الخطبة في قلب داليا موقع فرحة على غرار كل الفتيات اللائي تنتظرن إعلان الشاب عن نيته في الزواج منها، وقع الخبر كالصاعقة مخافة أن يكتشف أهلها علاقتها بجيسون خلال فترة الدراسة، خاصة و أنه رجل غربي في مجتمع شرقي محافظ ومن غير ثقافتها و لا دينها و بيئة غير بيتها .. هنا كان لا بد على داليا اتخاذ القرار والاختيار بين عائلتها المسلمة المحافظة و حبيبيها المسيحي الذي قطع القارات لأجلها، وهنا يحاول جيسون إقناع داليا بالحديث إلى أهلها، بينما تسعى جاهدة لتأجيل الموضوع في كل مرة لتصل أخير إلى مفترق الطرق العائلة أو الحبيب، و في خضم حيز الصراع الذي يصنعه قدوم جيسون إلى عمان لا تتوانى المخرجة في تمرير مشاهد تعكس جمال و أصالة العادات العربية فيما يخص طقوس الزواج، لتصنع تلك المشاهد حالة من الارتباك لدى المشاهد الذي و إن كان متعاطفا مع بطلي الفيلم فانه محسوب عليه تلك العادات العربية الأصلية التي تصنع الفارق بين المجتمعات العربية المحافظة و نظريتها الغربية المتحررة، خاصة و أن الفيلم يطرح مشكلا لا حلولا ولا حتى تبريرات لتلك الموانع و المحظورات، وهو ما يزيد من اتساع حيز التساؤل عن الأسباب التي تفرق بين شخصين جمعهما الحب و فرقتهما العادات و التقاليد، حيث لم توجه المخرجة وهي مؤلفة العمل قلمها و لا عدساتها إلى تقديم حلول لهذا المشكل مكتفية بعبارة قالها الأب ـ الذي قام بدوره الفنان الأردني غسان المشيني ـ محاولا إقناع ابنته بأسباب رفضه قائلا “يا بابا أنا ما بعرف مين هو جيسون عشان لو زعلك أجيبو وأبهدلو”.. في إشارة لخوف الوالد على ابنته من الغربة والعيش بعيداً عن العائلة”، فهل تكفي هذه العبارة لإقناع داليا و الجمهور و من وقع في نفس حالتها وتنهي مشكل الزواج المختلط.

للتذكير يشارك المخرجة و المؤلفة “ديما عمرو رواني” تجربة العمل كل من الممثلة المتميزة رندة كرادشة إلى جانب وطوم بيشوبس، وقمر ألصفدي، وليلى عربي …


إعلان