مهرجان الوثائقي قي باريس
سينمائيون قيد الحصار وسينمائيات يحكين الصراع على السلطة
ندى الأزهري- باريس
“سينما الواقع”، عنوان المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي الذي ينظم في باريس منذ خمسة وثلاثين عاما، ويلتقي خلاله الجمهور الباريسي والدولي مع سينمائيين مكرسين و مع مواهب جديدة في مركز بومبيدو الثقافي وفي عدة دور للعرض.
مائتا فيلم اختيرت من أحد وعشرين بلدا لتعرض في أقسام مختلفة: المسابقة الرسمية ومسابقة أول فيلم والمسابقة الدولية للفيلم القصير ومسابقة الأفلام الفرنسية، وفي تظاهرات عديدة مرافقة.
تشارك في هذه الدورة التي ستعقد ما بين21 إلى 31 مارس، الولايات المتحدة الأمريكية، و امريكا اللاتينية( تشيلي، البرازيل، كوبا…)، ودول أوربية ( ايطاليا، هولندا، المملكة المتحدة، اسبانيا، البرتغال…) وأفريقية( جمهورية الكونغو الديمقراطية..)، وآسيوية( اليابان وبنغلاديش والصين…). وخلافا للعام الفائت، حيث عرض “خمس كاميرات محطمة” للفلسطيني عماد برناط والإسرائيلي غي دافيدي في مسابقة الفيلم الأول وحاز على جائزة لوي ماركوريل، لا تتضمن مسابقات الفيلم الوثائقي في هذه النسخة أسماء عربية.
لكن، تم تعويض هذا الغياب بعض الشيء في التظاهرات وفي مسابقة الفيلم القصير، مع وجود أسماء عربية مثل مي الحسامي ” ممنوع الحب” (مصر، فرنسا)، و”حديقة أمل” لناديا شهاب( العراق، الولايات المتحدة)، و”غابة آراسي” لمهدي بن علال(فرنسا).

تتنوع مواضيع أفلام المسابقة الرسمية(8) بين الذاتي و الموضوعي مركزة على الشروط الحياتية للإنسان المعاصر سواء كان يعيش في بلدان متطورة أم على طريق التطور(حتى لا نقول متقدمة ومتخلفة). في بنغلاديش مثلا هل يمكن العيش بشكل طبيعي حين لا تسمح لك الطبيعة بالاستقرار؟ بين فيضانات وعواصف تشكل اليومي للعائلات التي تقطن السواحل نتابع في ” شانتي كي باو” لكامار أحمد سيمون، ترحال عائلة مكونة من معلمة وزوجها وابنهما، اي ليست بالضرورة فقيرة، وقد فقدا كل شيء في تسونامي 2009. لكن للتطور أيضا مخاطره التي تلوح في أفق سردينيا وفي جبالها التي تستخدم منذ الخمسينات في التصنيع و كحقل تجارب للطيران والصواريخ من حلف الاطلسي وايضا من قبل الجيش الايطالي. تحقيق جيولوجي يستند على يوميات مزارع يربي المواشي وصور من أرشيف الجيش في فيلم”مواضيع غامضة” لمارتينا بارنيتي وماسيمودانولفي.
ويتطرق “موررودو برازيرس” لماريا راموس( البرازيل وهولندا)إلى مفهوم” الأمن والأمان”، فما قد تعتبره قوات الأمن أمانا يوجه له المواطن نظرة حذر. وهذا ما يحصل في إحدى مدن الصفيح في مرتفعات الريو. فبعد سنوات من العنف وتدخل السلطة ضد عصابات المخدرات، ينظر السكان بحذر إلى عمليات الأمن المطبقة فيها. نظرة ممائلة نحو الأمن الصيني والحزب الحاكم في الفيلم” 47 كيلومترا” الذي يستعيد مجاعة 1959-1961 في قرية صينية.
أما فيلم “ديبورتادو”(البرتغال، فرنسا) فيقترح التأمل في قسوة ” الحكم المزدوج” الذي يطبق في بعض الدول الأوربية تجاه المهاجرين، يتيح هذا القانون إعادة المحكومين من ذوي الاصول الأجنبية إلى بلادهم الأصلية حتى ولو قضوا معظم حياتهم في بلد الهجرة.
وتبدو فلسفة الفنان الخاصة تجاه العمل الفني، وحريته في إتلاف هذا العمل في أي لحظة، في شريط الإيرانية ميترا فراهاني المقيمة في الولايات المتحدة. في “فيفي تصرخ من الفرح”تكتشف فراهاني الرسام الإيراني المنسي” بهمن محسس” الذي يعيش في روما منذ الانقلاب على حكومة مصدق عام 1954، و تسجل معه دون أن تعرف انها الأشهر الاخيرة قبل موته.

في مسابقة الافلام القصيرة: “ممنوع الحب”
تطرح الأم سؤالا على ابنتها: ” في مصر 85% من المسلمين، لما اخترت ال 15% الباقية؟” الفتاة اختارت الحب، إن كان ثمة خيار في الحب، من غير دينها! الأم المسيحية سبق واختارت من ال85 في المائة واعتنقت الإسلام، وهي في حوار مع ابنتها التي تحاول أن تقنعها بشرعية حبها. محاولة مي الحسامي في “ممنوع الحب” تضعها في مواجهة تناقضات مجتمعها التي تتجاوز المكان.
ويتجاور السياسي مع الذاتي في “حديقة امل” لناديا شهاب. في كركوك حيث لم يرفرف قبلا “سوى العلم العراقي” ترتفع الآن معا الأعلام الكردية والتركية والعراقية. فهل التعايش ممكن عشر سنوات بعد سقوط صدام؟ تتطرق المخرجة لهذا بصورة ذاتية تطبعها حميمية العلاقات مع خالتها وخالها كل في انشغاله اليومي، وفي التقاطها عبث هذا اليومي ومزاج خالتها وخالها. ومفهوم “الأرض” التي تقوم من أجلها الحروب.
وتعود صور الماضي مع خيال الأب في “غابة آرسي” لمهدي بن علال، الذي يحكي طفولته في الضاحية كابن جزائري كان عليه أن يتحمل عنصرية قد لا تتجاوز اشارات صغيرة، لكن أثرها كبير.
سينمائيون بين الحصار والمقاومة
أما عروض السينما” الموقوفة” التي تتابع سينمائيين قيد “الحصار”، “مجبرون” على المقاومة في شتى أنحاء العالم حيث حرية الكلمة موضوعة قيد “إقامة جبرية”، فستكرس هذه السنة لإيران بعد أن استهلت سورية هذه التظاهرة العام الفائت. يتطرق ضيف التظاهرة المخرج الوثائقي الإيراني مهران تمدن وضع السينما في إيران عشية الانتخابات في يونية القادم. يلاحق صاحب” باسيج” بعدسته منذ عشر سنين، عالم المدافعين عن النظام الإيراني من الباسيج وحرس الثورة والملالي، ويسرد تجربته ليس كمن يريد فضح نظام بل كمن” يبحث عن موقف سياسي يجعلنا نتمكن من التواجد في مواجهة الآخر، الآخر الذي ينكر وجودي. إنه نوع من احتلال المكان وعدم التخلي عنه”. يسعى تمدن من خلال سينماه التسجيلية إلى” الذهاب نحو هذا الآخر ,النقاش معه اجباره على النظر إليه مواجهة، والرد عليه”.
وفي تظاهرة “بلد الحلم، بلد الواقع” نجد فيلم “النادي اللبناني للصواريخ” لخليل جريج وجوانا حاجي توما حيث كان لبنان، عبر جامعة هايكازيان” سباقا في مطلع الستينات لتصميم صواريخ لاستكشاف الفضاء. الفيلم تحقيق عن هذا المشروع الذي توقف بعد ضغوط إقليمية ودولية بعد حرب 67. وفي تظاهرة “عروض خاصة” نجد فيلم السورية هالة العبد الله” كما لو أننا نمسك بكوبرا”.
ولمسايرة “التقلبات في العالم العربي”، تستضيف ندوة “نساء سينمائيات” فطمة شريف من تونس وجيهان شعيب من لبنان وهالا محمد من سورية، لما تصوره أفلامهن من “الكفاح من أجل الحرية والديمقراطية، ومقاومة الديكتاتورية وجراح الحرب الاهلية”. وحيث لكل منهن صوتها الخاص الذي يحاور الحميمي والسياسي، الهوية والانتماء لثقافة.