“الأمل” في “حق السينما” هو “واجب وطني” بتطوان

أحمد بوغابة / المغرب

نقرأ في الكتاب الرسمي (الكاتالوغ) لمهرجان تطوان الدولي التاسع عشر لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط بعض الكلمات الافتتاحية الموقعة بأسماء المسؤولين عنه والتي أكدوها أيضا على المنصة عند انطلاق فعالياته يوم السبت 23 مارس 2013 على أن هذه الدورة هي استثنائية على جميع المستويات لما يشهده القطاع السينمائي بالمغرب من تطور وتغييرات في هياكله القانونية وأنها تنعقد في ظروف التحول الإيجابي لهذا عَنْوَنَ مدير المهرجان السيد أحمد الحسني كلمته ب”الأمل” المتجدد على الدوام خاصة وأن هذه التظاهرة في السنة الحالية تواكب المستجدات التقنية الحديثة في العرض السينمائي وحفاظ المهرجان على هويته التي أَمَلَهَا عند انطلاقه منذ أزيد من رُبع قرن. ليأتي السيد نبيل بنعبد الله، رئيس مؤسسة مهرجان تطوان، يستعير رحيق الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش “على هذه الأرض ما يستحق…المهرجان” مؤكدا على “حق السينما للاحتفاء بالحريات والرغبات النبيلة والأحلام الجميلة… لتخرجنا من الظلمات إلى النور” ليؤكد السيد رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس جهة طنجة/تطوان بدوره على أن يتحمل الجميع الواجب الجميل  للدفاع على السينما والمهرجان مؤكدا على أن “ما ضاع حق وراءه طالب أصيل”.
كل ما قِيلَ قَبْل انعقاد المهرجان وعند افتتاحه يعكس الحراك الثقافي في مجال السينما والتعبير عن صيغها المختلفة المتداولة الآن في المغرب. فالنقاش يصاحب الأفلام وكذا حظيرة القاعات السينمائية التي ينبغي أن تكون في مستوى رفيع من العرض الاحترافي إلى جانب القضايا السينمائية الأخرى والتي لا تتجزأ.
لقد استقبلتنا مدينة تطوان بالمطر الغزير عندما دخلنا يوم السبت 23 مارس 2013 إلا أن عيوني أنا شخصيا كانت حريصة على معاينة مكان مُجسم مهرجان تطوان الذي أشرت إليه في النص الماضي حيث كان قد تعرض للتخريب ثم إزالته من مكانه… إلا أنني سعدت بعودته إلى استقبال زوار المدينة كما سمعت في اليوم نفسه أن رئيس الجماعة الحضرية لتطوان قد قبل بصرف الدعم المُقرر قانونيا للمهرجان. فنتمنى أن تكون هذه الهداية بمثابة الخطوات الأولى للصلح مع فنون السينما والمهرجان.

يقولون عن المهرجان…

ارتأيت أن أفتح المجال للمساهمة إلى جانبي في هذا النص لبعض الأقلام التي واكبت المهرجان وتابعته عن قرب في كثير من دوراته وتكونت لديها رؤيتها الخاصة. هذه شهادتها للاستئناس وغنية في محتواها.
     
نبيل حاجي/ صحفي وناقد من الجزائر:

نبيل حاجي

أعتقد أن مهرجان تطوان لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، من المهرجانات القلائل في منطقة العربية والمتوسطية الذي يحمل خصوصية هذا الحوار السينمائي بين سينماءات البلدان المطلة على المتوسط من خلال جمعه بين الأفلام الناطقة بلغات هذه المنطقة الغنية ثقافيا وحضاريا وأيضا بحميمته وروحه التي حافظ عليها منذ نشأته قبل ثلاثة عقود، من خلال “جمعية أصدقاء السينما” بتطوان ..الذي يتقاطع مع انسجام هذه المدينة المطلة على المتوسط  ومع روح السينما المنفتحة على الحياة والجمال وسحر الأزرق.. مهرجان تطوان الذي يعتني في خيارته البرامجية في مختلف الأقسام ( الطويلة والقصيرة والوثائقية) على أفلام حديثة يتيح لنا في كل دورة إكتشاف سينماءات وأسماء ومخرجين جدد مغمورين في زحمة السينما التجارية.. ويتيح لنا هذا الموعد السنوي فرصة اللقاء والنقاش حول راهن وتحولات السينما في هذه البلدان وما تحمله من هموم وانشغالات جمالية فكرية وإنتاجية .. ومهرجان تطوان هو تظاهرة أيضا تسمح لنا من خلال مختلف الندوات الموضوعاتية التي يقيمها حوار ثقافي عن السينما يحيلنا على أسئلة التلقي والتفكير في الصورة .. التي يزيدها زخما صدور هذه المداخلات والمحاضرات في طيات مجلة “وشمة” الشاهدة على تاريخ طويل من هذا الحراك الفكري .. ومهرجان تطوان هو أيضا هذه القاعات الجميلة والعريقة كـ”أفينيدا” و”إسبانيول” خاصة التي تؤمنا كل يوم مع الجمهور التطواني لمتابعة سحر السينما.
إن صمود وإستمرارية مهرجان تطوان لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط طيلة هذه السنوات وتحديه للصعوبات المالية والتنظيمية، يؤكد أن مؤسسيه و القائمين عليه، وخاصة الأستاذ أحمد حسني مدير المهرجان، يؤمنون بأهمية هذه التظاهرة المتميزة في خريطة المهرجانات والمواعيد السينمائية المقامة في المغرب، وهو أيضا انحياز جمالي ونضالي تجاه السينما ذات خصوصية إبداعية …
إن الحرص الدائم للقائمين على المهرجان واحتفائهم الإنساني بالمدعوين ،هو جزء من خصوصية مهرجان تطوان التي جعلت منه طيلة هذه الأعوام فضاء حقيقي وحميمي لسينمائي المتوسط في مدينة يتعانق فيها الجمال والإبداع في سماء تطوان الأزرق و سحر المتوسط .

ناجح حسن/ كاتب وصحفي وناقد من الأردن:

امر يدعو الى البهجة والسعادة عندما يرى المتابع هذا التنوع في مهرجانات السينما بالمغرب والتي تكاد نعطي كل مدينة او منطقة في المغرب
لكن لمهرجان تطوان الدولي للفيلم المتوسطي له حضوره الخاص كونه ينجز كل عام – بعد فترة من  الزمن كل عامين – بجهود نخبة من الاصدقاء عشاق الفن السابع وهم من احرص الناس على ديمومته رغم ما قد يواجه المهرجان من عقبات وتحديات مادية او ما يتعلق في العثور على الافلام المناسبة التي تتوافق مع رؤيا ورسالة المهرجان في التعريف بسينما بلدان البحر الابيض المتوسط  وثقافات بيئته الاجتماعية والسياسية المتنوعة .

ناجح حسن

خلال السنوات القليلة الماضية بدأت مسيرة المهرجان تأخذ منحى ايجابيا متصاعدا حيث بدا في التركيز على اختياراته التي سبقت غيره من المهرجانات الكبيرة في تكريم قامات سينمائية رفيعة مثلما نجح القائمون على المهرجان في توسيع رقعة مشاهديه والتفاعل معهم وتنويرهم بأساليب صناعة الافلام الجديدة وكلاسيكياتها الرفيعة وتذوق لغة خطاب جمالياتها الدرامية والفكرية وذلك عبر تخصيص مناظرات وندوات وحوارات تجمع بين طلبة جامعات تطوان وطنجة مع نقاد وصناع افلام لهم بصماتهم على مسيرة الابداع السينمائي .
كما عملت ادارة المهرجان على تنويع لجان تحكيم المهرجان بتخصصات تعدت النظرة التقليدية التي كانت ترى في المخرجين اساسا للتحكيم
لكن المهرجان وهو ما زال يشق طريقه في المعرفة وتنشيط الثقافة السينمائية ان يهتم في تقديم المزيد من ادبيات السينما التي توثق لكتابات نقاد منطقة المتوسط (ترجمة أو تأليفا) وهي تؤرخ لمسيرة السينما في بلدانهم، مثلما تعاين ايضا جماليات وتيارات صناعة الافلام هناك، فضلا عن هموم وامال صانعيها.

عبد العزيز الطريبق/ صحفي محترف وكاتب من المغرب:

للحديث عن مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط عدة مداخل، وسأتناوله من مدخل علاقته بمحيطه المحلي العام. يمكن الجزم بأن المهرجان كبر وعِشق السينما كبر معه، لكنه يحمل معه هشاشة المحيط العام الذي يتواجد داخله. مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي كان هناك ناد للسينما جمع بعض المهووسين من عشاق السينما حول فكرة النادي ومناقشة الأفلام بعد المشاهدة… لم ينطلقوا من فراغ، لأن تطوان كانت تملك تقاليد سينمائية عريقة يعكسها تواجد سبع قاعات للسينما (وثامنة تشتغل صيفا بدون سقف) توفر مجتمعة ما يفوق 3000 مقعد لمدينة لم يكن عدد سكانها يتجاوز100000 نسمة… ثم تطورت الأمور في الثمانينات، مع جمعية أصدقاء السينما، لينطلق مهرجان تطوان السينمائي وليتحول إلى صيغته المتوسطية بالاعتماد على حماس عشاق السينما من “الأصدقاء” ومن مناصريهم. لكن الأمر لم يكن سهلا، لأن فترة نمو التجربة صاحبها نمو “متوحش” للمدينة بحيث تحولت تطوان، والمنطقة، في غفلة من نخبها الأصيلة ونخبها الجادة والمتفتحة، إلى بؤرة للنشاط “الاقتصادي” غير المهيكل، سواء في صيغته الخفيفة (تهريب السلع) أو في صيغته الخطيرة (تهريب المخدرات). وقد أنجب هذا نخبا سياسية “على قد المقام” تتحكم في دواليب الشأن المحلي. من الواضح والحالة هذه أن يلقى المهرجان مقاومات شتى، وقتها، أبسطها إغلاق صنابير الدعم أو التقتير في فتحها. لكن المهرجان قاوم وشق لنفسه طريقه وسط استحسان فئات واسعة من السكان…

الآن يواجه المهرجان خطرا أكبر ضدا على كل منطق: قدوم حزب العدالة والتنمية لإدارة الشأن المحلي، عن طريق تحالف هجين وغير منطقي!  وقد أبان مسؤولوه  المحليون، منذ البداية، عن رغبة واضحة في وأد المهرجان تحت مبررات (واهية) مختلفة وصلت حد التهجم على عرض الفنانات والمنظمين وغير ذلك من الترهات… وتعدى الأمر ذلك إلى قطع المنحة المالية المتفق عليها، باتفاقية رسمية، بين إدارة المهرجان والجماعة الحضرية، خلال السنة الماضية مما أثار احتجاجات واسعة للعديد من الفعاليات المحلية والوطنية… هذا هو أكبر خطر يواجه المهرجان الآن الذي يعتبر نشاطا حضاريا هاما يجلب اهتمام فئات واسعة من الناس، ويعود بفائدة كبيرة على المدينة من خلال تلميع صورتها وطنيا ودوليا مع ما لأهمية الصورة في خدمة الجانب الاقتصادي في منطقة تسعى بها الدولة، في السنوات الأخيرة، للنهوض والخروج من الاقتصاد الهامشي وغير القانوني…


إعلان