“بعيدا عن لوحة المفاتيح”.. محاكمة قراصنة الموسيقى والأفلام الثائرين في السويد
ثلاثة شباب سويديين غيروا وهم جالسون في غرف صغيرة ببيوتهم، تقاليدَ عقود طويلة من علاقة شركات الأسطوانات مع المستهلك حول العالم. إنهم أصحاب موقع “خليج القراصنة” (Piratebay) الإلكتروني للتبادل غير الشرعي للأفلام والموسيقى عبر شبكة الإنترنت، الذين يكبدون شركات الأفلام والأسطوانات مليارات الدولارات سنويا.
فهناك في أي وقت من اليوم ثمة 25 مليون شخص حول العالم يستخدمون الموقع السويدي غير القانوني، وهم يقفون خلف 65% من الملفات التي تنتقل بشكل غير شرعي عبر الإنترنت في الأعوام العشر الأخيرة، وقد أدت عملياتهم إلى قتل الأسطوانة الموسيقية، وهي في طريقها لفعل الشيء نفسه مع أقراص “دي في دي”.
هؤلاء الشباب ومحاكمتهم الشهيرة التي بدأت عام 2007، هم موضوع الفيلم الوثائقي “خليج القراصنة.. بعيدا عن لوحة المفاتيح” (The Pirate Bay: Away from Keyboard)، وقد أخرجه السويدي الشاب “سيمون كلوزه” (2013)، وعُرض ضمن تظاهرة “بانوراما” في مهرجان برلين السينمائي.
بداية المحاكمة.. ثوريون في وجه السلطة الرجعية
الزمن الذي ينطلق منه الفيلم الوثائقي، هو بداية المحاكمة العلنية للمتهمين الثلاث “فريديك نايج” و”بيتر سوند” و”غوتفريد سفارتهولم” في عام 2007، فهؤلاء الشباب الذين كانوا يعملون حتى ذلك الحين في العتمة، أصبحوا مكشوفين الآن لعشرات الكاميرات التلفزيونية والفوتوغرافية.

ستكون كاميرا الفيلم الوثائقي “خليج القراصنة.. بعيدا عن لوحة المفاتيح” واحدة من تلك الكاميرات، لكنها ستُمنح الفرصة لتذهب إلى كواليس المحاكمة، ولترافق بعدها الشباب الثلاث في السويد، حيث كانوا يعيشون في زمن المحاكمة، وفي منفى رئيسهم الاختياري في فيتنام، حيث تزوج فتاة من هناك، رافضا العودة إلى السويد التي يواجه فيها عقوبة السجن وغرامات بملايين الدولارات.
والذين تابعوا المحاكمة من على شاشات تلفزيوناتهم وقتها، سيتذكرون بالتأكيد الوقاحة التي تعامل بها الشباب الثلاث مع القضاة والإعلام، فقد بدوْا وقتها شبابا ثوريين يواجهون تعسف السلطات التقليدية الرجعية.
“لا أهتم بشيء اسمه حقوق المؤلف”.. أقنعة مزيفة
ما يكشفه الفيلم هو أن الأقنعة التي وضعها السويديون الثلاثة كانت مزيفة بالكامل، وربما لم يكونوا يعرفون هم أنفسهم حجم زيفها. فموضوع حقوق المؤلف هو موضوع سخيف لا يحبون مناقشته، وعندما يُدفع “فريديك نايج” للحديث عنها، فكل ما يقوله هو: إنني صدقا لا أهتم بشيء اسمه حقوق المؤلف، فرغبتي بالاستمتاع كانت وراء كل ما عملته.
لكنه يغفل عن أن ما فعله ألحق عطبا كبيرا، ليس فقط بين شركات الأسطوانات العملاقة، ولكن بالخصوص بين الشركات الصغيرة التي تروّج للفن المختلف، فقد خسرت سوقا كبيرا بسبب عمليات القرصنة الإلكترونية للموسيقى والأفلام.
نزعة اليمين المتطرف.. وقاحة وعنصرية بغيضة ضد الأجانب
وقحون، مدللون، بدون أخلاق أو أدنى شعور بالذنب، هذه هي الانطباعات التي سيكونها مشاهدو فيلم “خليج القراصنة.. بعيدا عن لوحة المفاتيح” حول الشباب السويديين الثلاث.
ويفرد الفيلم مساحة عن جانب كبير مجهول حول تاريخ الموقع، وبالتحديد علاقة أصحاب الموقع مع أحزاب اليمين المتطرف في السويد، فقد ساعدتهم ماديا في بدايات نشأة الموقع، ورغم أن المتهم “بيتر سوند” ينفي أي علاقة للموقع مع اليمين وأمواله، فإن “فريديك نايج” سيكشف أثناء سُكره عن أفكار متطرفة تحمل عنصرية بغيضة تجاه الأجانب في السويد.

أما المتهم الثالث “غوتفريد سفارتهولم” فلم يظهر كثيرا في الفيلم، وإنما كان حاضرا في الربع الأول فقط منه، قبل أن يطلب الأمان في كمبوديا، وهو يعيش فيها حاليا، مثل زميله “فريديك نايج” الذي يعيش في فيتنام، هربا من الأحكام القضائية التي تطاردهما في السويد وأوروبا.
عتمة الضوء والرؤية الفنية.. شخصيات تمارس ادعاءاتها الوقحة
تهيمن العتمة على تصوير الفيلم حتى في مشاهده النهارية، وذلك ترميز واضح لما يقوم به أصحاب موقع “قراصنة الخليج” في حياتهم، ويدعي الفيلم بأنه يقدّم المكان السري الجديد الذي يضم أجهزة الموقع الجديدة، فقد انتقلوا إليه بعد أن صادرت الشرطة السويدية أجهزة الموقع السابقة.
كما أن الفيلم لا يُضيق الخناق على شخصياته، بل يتركها بدون مكاشفة تمارس وقاحتها وادعاءاتها، رغم أن المحكمة السويدية كشفت أن إدارة الموقع تلقت ملايين الدولارات عن الإعلانات التي كانت تضعها في الموقع الإلكتروني، وأغلبها إعلانات لمواقع جنسية.

كما أن السؤال الجوهري عن حقوق المؤلف الفكرية التي قام موقع “خليج القراصنة” بانتهاكها تماما، لم يُطرح بإلحاح كاف على الشباب الثلاث.
وفي المقابل يُغرق السويديون الثلاث الفيلم بالادعاءات الزائفة، فأحدهم يقوم بالتعدي على المحامية السويدية التي تقوم بتمثيل مصالح مجموعة من أستوديوهات هوليود في المحكمة، ويصفها بأنها امرأة باعت روحها من أجل المال. والمفارقة أن هذا يصدر عن صاحب موقع يتعامل بالمواد المسروقة، ويجنى أموالا من إعلانات تُوضع على موقعه غير الشرعي.