“اوباما” على صدارة الأفلام التسجيلية لعام 2012

محمد موسى

بالعودة الى إيرادات الأفلام التسجيلية في الصالات السينمائية في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2012، يمكن الأستدلال على بعض الظواهر الخاصة بسياسية توزيع الأفلام التسجيلية في الصالات السينمائية في أكبر سوق للأفلام في العالم، كالرغبة في تحقيق توازناً ما بين أجناس الأفلام المعروضة ( سير ذاتية، تحقيقات، إستقصاء، بيئة، عودة الى موضوعات تاريخية) وحصة أفلام الأستديوهات الأمريكية العملاقة منها، والعلاقة بين بين نجاح أفلام معينة في دائرة المهرجانات السينمائية العالمية وسرعة وصولها الى الجمهور الأمريكي، وأيضا مكانة أفلام القضايا المحلية ضمن سياسيات التوزيع تلك. هذه الظواهر يمكن تعميمها على مناطق أبعد جغرافيا لتنطبق على سوق الفيلم التسجيلي في العديد من الدول الاوربية، والتي تملك برمجة توزيع سينمائية للأفلام التسجيلية تقترب من حيث الكمية والتنوّع من تلك التي تميز السوق الأمريكية. مع وجود إختلافات تُميز كل سوق على حده، من جهة الجمهور الذي تتوجه اليه.

جمعت الأفلام التسجيلية الثمانية والخمسين، والتي عرضت في العام الماضي إيرادات وصلت الى 121 مليون دولار. لكن هذا المبلغ، الذي يبدو ضخماً كثيراً، ذهب مُعظمه الى 15 فيلماً فقط ( 108 مليون دولار)، في حين لم تتجاوز إيرادات أي من الأفلام المعروضة الأخرى المليون دولار، بل إن ثمانية عشر من أفلام العام الفائت التسجيلية بقيت تحت سقف المائة ألف دولار للفيلم. كما إن نجاح السنة الماضية الكبير كان مرتبط بأفلام من ذات الإنتاجيات الضخمة، بعضها من توقيع إستديوهات عريقة في هوليويود، في حين تطلب إنجاز أفلام إخرى سنوات طويلة من التصوير، وصادف إنها عُرضت في نفس العام. ولعل غياب الأفلام التسجيلة الضخمة الإنتاج عن الصالات لحد شهر أبريل من هذا العام، يعني إن العام الماضي كان استثنائياً في عرضه لعدد كبير من تلك النوعية من الأفلام.

ورغم إن قائمة الإيرادات تلك أبرزت همينة أفلام الطبيعة التسجيلية، وتلك التي تميزت بطرق تصويرها المتقنة والمبتكرة، او التي استعانت بنظام الثلاثي الأبعاد، إلا إن الفيلم الذي تصدر إيرادات الأفلام التسجيلية في العام الماضي هو “2016: أمريكا اوباما” للمخرجين دينيش دسوزا وجون سوليفان، والذي يتعرض الى موضوعة من صميم الهموم الاجتماعية والسياسية الأمريكية، إذ جمع مبلغ 33 مليون دولار، وبيع منه 4 مليون بطاقة. هذا النجاح يشير الى أهمية الموضوعة الراهنة في جذب إنتباه الجمهور الأمريكي بالإضافة لتوقيت عرض الفيلم الذكي، اذ عرض قبل الأنتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. ورغم نجاح هذا البوتريت الشديد اللؤم لاوباما تجاريا في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي سعى لأثارة فضول وغضب الموالين لاوباما والمناوئين له على حد سواء.، إلا انه لم يُعرض او يحظى بالنجاح نفسه عند عرضه خارج امريكا ( عرض بشكل محدود كثيرا في بريطانيا ولم يصل الصالات في عديد من الدول الاوربية)، في إشارة الى المزاج الاوربي العام القريب والمتعاطف من اوباما وسياساته، والذي إختار الموزعيين السينمائيين أن لا يصدموه بفيلم، سعى بكره شديد للبحث عن “عثرات” لاوباما، وإنتهى بألصاق كل التُهم الممكنه به، من إسلامه السري الى شيوعيته المُبطنة.

وحتى مع الإيرادات الكبيرة التي حصل عليها فيلم الطبيعة “شمبانزي” للمخرجين اليستر فوثرجيل ومارك لينفيلد، والذي حل في المركز الثاني في قائمة العام الماضي للأفلام التسجيلية إذ بيع 3,600,000 بطاقة من الفيلم في أمريكا وحدها وجمع مبلغ 30 مليون دولار، تمر شركة “ديزني طبيعة” المنتجة بمراجعات ذاتية عن إتجاهها الجديد لانتاج أفلام تتبع حيوانات معينة لفترات، وتقدمها ضمن اسلوب سردي، مخفف في وطأته وعنف مشاهده عن أفلام وبرامج الطبيعة المعروفة، ليناسب الجمهور الأمريكي الذي تتوجه له الأفلام، ولجذب عوائل باكملها للصالات دون الوقوع في تعقيدات تصنيفات المشاهدة.

قائمة الأفلام العشرة الأول للإيرادات، تضم ايضا فيلم “بوللي” للمخرج لي هيرش، إذ جاء في المركز السادس جامعا 3,6 مليون من الدولارات. هذا الفيلم يشبه فيلم “2016: أمريكا اوباما “، من جهة توجهه لجمهور أمريكي بالأساس، والذي يعاني بشدة من موضوع الترهيب الذي يتعرض له طلاب المدارس من أقرانهم. ورغم الثيمة العالمية للفيلم، إلا إنه لم يحظى بفرص عرض تجارية عديدة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ووجد مؤخرا في التلفزيون الاوربي المكان الأمثل للوصول لجمهور أوسع. فيلم المخرج الالماني المعروف فيم فيندرز “بينا” وجد طريقه الى الجمهور الأمريكي، حيث جمع 3,3 مليون، ليحل في المركز الثامن في إيرادات العام الماضي. هذا الفيلم سبقته دعاية كبيرة حول العالم، وعرض في عدة مهرجانات أبرزها برلين السينمائي، قبل أن يصل الى أمريكا. وحل فيلم “البحث عن شوغر مان” للمخرج السويدي مالك بن جلول، والذي فاز على جائزة أفضل فيلم تسجيلي في دورة الأوسكار الأخيرة، على المركز التاسع في ترتيب الإيرادات إذ جمع مبلغ 3 مليون من عروضه في الولايات المتحدة الأمريكية.

واللافت من أرقام العام الماضي هو تراجع شعبية أفلام البيئة عند الجمهور الأمريكي، وبعد سنوات كانت فيه هذه الأفلام تجذب بالعادة جمهوراً كبيراً، فلم يحقق الفيلم التسجيلي المتميز “مطاردة ثلج” للمخرج والمصور الأمريكي المعروف جيف أورلوفسكي إلا على 600 الف دولار، ليأتي في المركز 20. كذلك كان حظ فيلم متميز آخر هو “رئيس الجزيرة” للمخرج جون شينك، والذي جمع مبلغ 75 الف دولار وحل في المركز 33. وحتى الفيلم الجدلي “الحقيقة غير المتناسقة” للمخرج شاين إدواردز، والذي يحاول فيه أن يُفند مزاعم المنظمات المدافعة عن البيئة، التي تخص مخاطر الإحتباس الحراري. حقق إيرادات ضعيفة جدا، إذ جاء في المركز 35 جامعا 46 الف دولار فقط.

وحققت أفلام السير الذاتية التسجيلية، نجاحات متوسطة العام الماضي، فجاء فيلم “رسم غيرهارد ريشتر ” للمخرجة كورينا بلس عن الرسام الألماني غيرهارد ريشتر في المركز الثالث عشر في قائمة الإيرادات، بمبلغ وصل 2,4 مليون دولار، في حين جمع فيلم “مارلي” للمخرج كيفن ماكدونالد، عن حياة المطرب المعروف بوب مارلي مبلغ 1,4 مليون دولار وإستحوذ على المركز السادس عشر، متقدما على فيلم “ديانا فريلاند : العين عليها أن تسافر” للمخرجة الأمريكية ليزا ايمردينو فريلاند، عن حياة صحفية الأزياء المعروفة ديانا فريلاند، والذي جمع 945 الف دولار. وجاء فيلم “آي ويوي: أبدا عذرا” للمخرج، عن حياة الفنان الصيني المعروف آي ويوي في المركز الثالث والعشرين جامعا مبلغ 489 الف دولار.

المُحزن في قائمة عام 2012 للأفلام التسجيلية إن فيلم “إلى الهاوية” للمخرج الألماني المعروف فرنر هرتزوغ حلّ في قعرها، رغم إن الفيلم يقدم موضوعة، كان من المفترض أن تجذب جمهوراً أمريكياً واسعاً، فالفيلم يقدم مقابلات طويلة مع بعض المحكومين بالأعدام، ويرافق بعضهم حتى يوم تنفيذ العقوبة المثيرة للجدل الطويل في الولايات المتحدة الأمريكية.


إعلان