الميوعة العاطفية والسقوط في فخ الفجاجة

دبي / عدنان حسين أحمد
تضمنت المسابقة الرسمية للأفلام الخليجية الطويلة في الدورة السادسة لمهرجان الخليج السينمائي ثلاثة عشر فلماً روائياً و وثائقياً طويلاً أبرزها “وجدة” للسعودية هيفاء المنصور، و “مطر وشيك” للإيطالي من أصول عراقية حيدر رشيد، و “الصرخة” لليمنية خديجة السلامي و “حب ملكي” للإماراتي جمال سالم و “شيرين” للعراقي الكردي حسن علي موضوع بحثنا و دراستنا في هذا المقال. لا بد من الإشارة إلى أن المخرج حسن علي قد فاز بجوائز مهمة عن فلمه الموسوم “حي الفزّاعات” في مهرجاني الخليج و بيروت السينمائيين، كما لفتت أفلامه القصيرة الأربعة السابقة اهتمام النقاد و السينمائيين على حد سواء، و لكنه عاد ليتنكس تماماً في فلمه الروائي الطويل “شيرين”، و يبدو أن أولى أسباب الانتكاس  تكمن في ضعف السيناريو و هشاشته التي نسفت الفلم جملة و تفصيلا. لقد أقدم حسن علي على كتابة القصة السينمائية بنفسه مستوحياً إياها من أسطورة حب “فرهاد و شيرين”، و يبدو أن رؤيته القاصرة في الكتابة هي التي أبقت هذه القصة في إطار ساذج جداً لم يتعدَ حدود الميوعة العاطفية التي لا تثير في المتلقي سوى الشفقة على السينارست الذي لم يتقن صنعته في هذا الفلم تحديداً، و كان عليه أن يُسند هذه المهمة “الصعبة” إلى كاتب محترف يتقن أسرار هذه الصنعة الإبداعية و يتألق فيها. لا نريد أن نُدخل القارئ في الأبعاد التاريخية لهذه القصة و هل أنها فارسية الأصل أم أرمنية أم كردية، فالمهم فيها “أن برويز عرف بقصة حُب فرهاد لشيرين الذي أراد أن يتزوجها، لكنه اشترط عليه أن يشق طريقاً في جبل “بيستون” الوعر بكردستان، ووعده بأن يوافق على هذا الزواج حين ينهي المهمة التي أُسندت إليه، و حين يشق فرهاد هذه الطريق الوعرة يُرسل إليه برويز منْ يُخبره كذباً بأن شيرين قد فارقت الحياة!”. لا شك في أن هذه الأسطورة تنطوي على بعض الجوانب الترفيهية و الوعظية، كما أنها تهدف إلى تعميق الوعي لدى المتلقي الذي يقرأ هذا النص بصفته الأسطورية، لكن ما الذي يستطيع أن يضيفه السينارست إلى بنية النص الأسطوري؟ و كيف “يعصرن” هذه القصة بحيث تتلاءم مع الزمن الراهن الذي نعيشه الآن من دون أن تفقد حرارتها أو وهجها الإبداعي الخالص؟ لا بد من التنويه أيضاً إلى أن شوان عطوف الذي جسّد دور “فرهاد” هو فنان متمكن من أدواته الفنية، و مطوِّر لها، لكنه أصبح ضحية للمخرج حسن علي، مثلما أصبحت بيان عثمان التي أدّت دور “شيرين” ضحية ثانية على الرغم من امتلاكها للكثير من عناصر النجاح في التمثيل التعبيري الذي يستجيب لتجسيد انفعالاتها العاطفية على مدار الفلم. و لكي نحيط القارئ علماً بالقصة السينمائية على وفق بنيتها السردية الجديدة لا بد لنا أن نوجزها لنحدد بنيتها الفنية إن كانت تمتلك مثل هذه البنية.

ففرهاد يعود إلى قريته بكردستان العراق بعد غياب دام أربع سنوات تعلّم فيه جانباً من اللغة الفرنسية، و هناك يلتقي مصادفة بشيرين، فتاة شابة حسناء تفيض أنوثة و حيوية و جاذبية، فهي قادمة من المدينة، وتنتمي إلى أسرة غنية مترفة، فيقع في حبها، و تبادله شيرين بحب أعنف بحيث تحرّضه على طلب يدها من أهلها، لكن أمها المتعجرفة التي تخشى على ثروة زوجها كثيراً ترفض هذا الشاب الذي عاد من باريس بلغة فرنسية متواضعة بحيث أن شيرين كانت تصحح له ألفاظ بعض الكلمات، فيقرر العودة إلى باريس، بينما تظل شيرين يائشة تندب حظها العاثر مُلقية اللوم على تشدد والدتها، الأمر الذي يحفزها على اللحاق بفرهاد. و خشية من ألسنة الناس تجبرها والدتها على العودة إلى كردستان و تعقد قرانها إلى أحمد، لكنها تهرب منه. و في أثناء المطاردة تنقلب عجلة شيرين و تتدحرج من حافة الجبل ثم يستقر جسد شيرين في النهر. و في اللحظات الأخيرة ينتشلها فرهاد من النهر و هي تترجح بين الحياة و الموت حيث تتداخل المشاهد العاطفية الأولى و مشاهد الموت الأخيرة في لعبة استرجاعية جميلة، لكنها ضعيفة من حيث المعالجة الفنية التي أشرنا إليها سلفاً. لم يحضر مخرج الفلم و منتجه و لا أي من أبطاله الثلاثة الرئيسيين لأنهم يعرفون جميعاً، على ما يبدو، بضعف فلمهم من الناحية الفنية، بل أن شوان عطوف و بيان عثمان و حتى الشخصيات الأخرى المؤازرة التي تمتلك رصيداً فنياً جيداً قد أُحبطت تماماً في هذا الفلم الذي سقط في فخ السذاجة و الفجاجة و اللامعقولية التي لا نتوقعها من المخرج حسن علي، صاحب “حي الفزاعات” و “نغمة القلب”، و “قصة الموت” و كان عليه أن يتأنى كثيراً قبل أن يذهب في هذه المغامرة إلى أقصاها ليسجِّل فشلاً غير مسبوق في السينما الكردية العراقية التي باتت تقترب في جودتها من السينما الإيرانية الجادة، و تحاذي السينما التركية المستقلة.


إعلان