oblivion النسيان أخطر عيوب السينما

رامي عبد الرازق
“الارض مدمرة والكائنات الفضائية تسيطر عليها حيث يعيش الناجون متخفين ورجل واحد قادر بذكائه وقدراته على إنقاذ مستقبل الأرض وإعادة احياءها,قد تعتقد انك استمعت إلى هذه القصة من قبل” هكذا يقول الملف الصحفي لفيلم”نسيان/ “oblivion احدث افلام النجم الأمريكي توم كروز, والذي من الجائز ان نضيف عليه تساؤل آخر هو”كم مرة استمعت إلى هذه القصة من قبل؟”
لا يعيب اي فيلم في العالم أن يقدم تيمة درامية مكررة, دعونا من خرافة ال 36 تيمة التي تتمحور حولها كل الأعمال الدرامية في تاريخ البشرية, ما يعنينا في النهاية هو المعالجة والرؤية, أو اعادة الرؤية, ما يعنينا هو الأسلوب والتفاصيل والأيقاع والروح العامة والخصوصية الجينية لبصمة المبدع حين يهضم التيمة ويعيد افرازها.
 وازمة فيلم نسيان الحقيقية انه اسم على مسمى ولكأن صناعه قد نسوا ما تقدم من عناصر نمطية وموتيفات مستهلكة وقرووا صناعة فيلمهم وكأنه تجربة مبتكرة تستحق ان تتكلف 120 مليون دولا.
لقد اعاد المخرج جوزيف كوزينسكي إنتاج او توظيف العديد من التفاصيل التي اصبحت من كثرة نمطيتها قوالب كلاسيكية  سابقة التجهيز وصالحة لأي سيناريو لا يلقي بالا لموضوعه لان تركيزه شكلاني في المقام الاول, اي انه يعتمد على الابهار البصري المتمثل في الخدع والصورة الرقمية الخارقة بغض النظر عن عمق الدراما ومدى تأثيرها.

عودة كوكب القرود
يبدا الفيلم بتقديم معلومات مروية بصوت الشخصية الرئيسية جاك هاربر حول زمن الأحداث, الأرض في المستقبل بعد 60 عاما من الأن, البشر انتقلوا إلى السماء حيث استوطنوا احد اقمار كوكب زحل بعد ان تعرضت الأرض إلى هجوم من كائنات فضائية تدعى اكلى الجثث قامت بتدمير القمر ثم هبطوا لغزو الأرض.
المعلومات تأتي عبر ذاكرة جاك, ولهذا نصدقها كما يصدقها هو, لكن ثمة حلم يراوده حول امراة تنتظره فوق قمة مبنى الامباير ستايت قبل الدمار الشامل.
لدينا اذن الفكرة النمطية المعتادة حول الغزو الفضائي الذي يدمر الأرض ويرحل كل من عليها ولا يبق سوى افراد قليلين مهمتهم ان يقوموا بأصلاح الأعطال الآلية, واذا كان منتجوا الفيلم هم انفسهم صناع فيلم”صحوة كوكب القرود”فلا مانع من وجود تلك الصورة الابوكاليبسية المعروفة(نهاية العالم)حول الأرض المدمرة والمغطاة عن اخرها بالرمال حتى ان قمة الأمباير ستايت لا يظهر منها سوى جزء بسيط وهو ما يذكرنا بالمشهد الشهير لفيلم كوكب القرود في نسخته الأولى عند ظهور جزء من قمة تمثال الحرية كي يدرك البطل انه على الأرض المحطمة وليس على كوكب القرود.

في الحقيقة فإننا نلاحظ تأثرا واضحا بملحمة”كوكب القرود”الشهيرة(1968)من بطولة تشارلتون هيستون وإخراج فرانكلين شفنر, ليس فقط على مستوى المشهد الابوكاليبسي العام ولكن لدينا ايضا فكرة الأرض المحرمة التي نراها هنا متمثلة في منطقة اشعاعات نووية ممنوع على جاك ورفيقته أن يتجاوزاها, ويصبح تجاوزها في مرحلة معينة من الفيلم اشارة لبدء الأكتشاف والتنوير العام للشخصية الرئيسية.
ناهينا عن ان شخصية البطل نفسها جاك تعتبر في مرحلة من مراحلها(لا بطل)أي
“آنتي هيرو”بلغة الدراما- مثل كل المخلصين الذين يبدأون لا منتمين ثم يتحولون إلى ابطال فاعلين-فهو لا يفعل شيئا تحديدا ولكنه يكتشف فقط, وتصبح افعاله هي ردود افعال على قرارات الاخرين سواء رفيقته في العمل التي هي زوجته أو رائدة الفضاء التي يعثر عليها والتي نكتشف انها زوجته الحقيقة أو مجموعة اكلى الجثث التي تختطفه وعلى رأسها القائد الأسمر مورجان فريمان.
نتوقف هنا قليلا أمام نمطية استخدام الفروق الملامحية والشكلية بين الشخصيات وهي واضحة جدا نظرا لان الفيلم تحديدا يدور بين خمسة شخصيات اساسية فقط وبلا شخصيات ثانوية تقريبا وهم جاك هوبر ورفيقته وزوجته الحبيبة وقائد المقاومة الأسمر وضابطة الاتصال التي هي صورة رقمية مصطنعة من قبل الكائن الفضائي الذي سيطر على الارض وقام بأسر جاك ومساعدته ومحا ذاكرتهم.
ثمة فرق شكلي واضح ما بين رفيقة جاك وزميلته في المحطة السماوية التي تعمل على اصلاح الآليين فهي سكسكونية حمراء الشعر بيضاء البشرة جامدة الملامح كأنها نصف آلية(الممثلة اندريا روزبرو), وبين زوجته الاصلية التي يعثر عليها في حطام سفينة فضائية فهي خمرية اسيوية الملامح سواء الشعر مفعمة بالأنفعال الملامحي والحسية الواضحة(اولجا كورلينكو بطلة أحد اجزاء سلسلة 007).
كذلك ثمة فارق بين بياض ووسامة توم كروز وملامحه القوية الشابة وبين سمار مورجان فريمان وكهولته, فهو رجل يعيش تحت الارض يقود المقاومة البشرية ضد الآلات ويمثل هو وكروز في النهاية عنصري اللون البشري الأساسي(الأبيض والاسود)الذي ينقذ الارض.

يوم الأستقلال وماتريكس
في فيلم المخرج رونالد ايمريتش الايقوني”يوم الأستقلال”ينضم كل من اليهودي الأمريكي ديفيد والامريكي الأسمر ستيف في مهمة انتحارية ليستقلوا أحد المركبات الفضائية محملين برأس نووي من أجل التسلل إلى السفينة الأم واصبتها بفيروس يسمح بأشتباك المقاتلات البشرية مع الكائنات الفضائية أو تفجيرها لو لزم الامر, وهو تقريبا نفس ما يحدث في”نسيان”حيث يستقل توم كروز احد المركبات محملا برأس نووي إلى الكيان الفضائي وهناك نكتشف انه بدلا من ان يصحب زوجته معه في تلك المهمة الأنتحارية يصحب مورجان فريمان الذي تمنى عليه ان يشهد تلك اللحظة المجيدة وهي لحظة تفجير الكائن الفضائي الذي دمر الارض قبل 60 سنة.
وبالطبع فأن فيلما يعتمد على هذا الكم من التماثلات والتشابهات السينمائية مع افلام اخرى ليس من الصعب عليه ان يلجأ إلى تماثل اخر وهو الأستنساخ,أحد أكثر الحيل الدرامية استهلاكا في السينما الامريكية, حيث نكتشف أن جاك عندما تم أسره من قبل الكائن الفضائي تم استنساخه لصناعة جيش كي يحارب البشر, وجاك نفسه يعثر على نسخه منه في الأرض المحرمة تقوم بنفس عمله ولكنها فقط تحمل رقما مختلف عنه, وفي مشهد يذكرنا بمشهد حقول زراعة البشر الشهير في”ثلاثية ماتركيس”يشاهد جاك الآلاف منه في فقاعات الأستنساخ التي تشبه الرحم وهو متكور في وضع جنيني في انتظار ان يحتاجه الكائن الفضائي في اي مهمة او يستبدل نسخة منه بآخرى.
ثم الا تعيد لنا فكرة الآليين الذين يجوبون الأرض ليل نهار ولا ينصاعون لأية أوامر ولا يعرفون الرحمة(في مشهد قتل رواد الفضاء)ومهمتهم الاساسية تدمير البشر نفس العنصر من ثلاثية الاخوين ويشويسكي, ان الارض في الحقيقة محتلة من قبل هذه الألات التي يحركها عقل فضائي مجهول المصدر لكنه شديد التطور والذكاء تماما مثل الذكاء الاصطناعي الذي سيطر على الآلات في ماتريكس وخاض بها حربا ضد البشر.

موتيفات تراثية

في البدء نرى توم كروز ورفيقته التي هي ضابطة الأتصال الخاصة به يعيشان في برجهم السماوي فوق السحاب وفي ديكورات مبهرة وحديثة وكأنهم ادم وحواء يعيشان في الجنة وهو ما يحاول السيناريو أن يخلق به عمق نسبي على المستوى الفلسفي عندما يجعل جاك يتهرب منها ومن تلك الجنة التكنولوجية اثناء جولاته النهارية لصيانة الآليين ويذهب إلى وادي ارضي يملئه العشب على ضفاف بحيره لكي يقيم في كوخ خشبي ويضع هناك التذكارات البشرية البسيطة التي يعثر عليها اثناء مهمته وكأنه متحف متواضع لتاريخ الانسانية والذي يغلب عليه بالطبع الكتب واسطوانات الموسيقى ويعيش ساعات قليلة كأنه انسان عادي يستمع إلى الموسيقى ويقرأ الكتب ويلعب كرة السلة.
انه ادم الذي خلق ليعيش على الارض مهما كانت رفاهية السماء وحورها المتمثلة في رفيقته الحسناء بل أنه عندما تصاب زوجته يصطحبها إلى هناك وكأنها هي حواء الاصلية التي يجب ان تشاركه تلك الجنة الارضية وليست رفيقته حمراء الشعر التي تشبه السايبورج( كائن نصف آلي نصف بشري).
وعندما يتحدث اي فيلم عن انقاذ الارض والبشرية المعلق في رقبة رجل واحد فأنه يحيلنا مباشرة إلى موتيفة”المخلص”اشهر موتيفات التراث الانساني قاطبة, والتي ترتبط ايضا ارتباط وثيق بفكرة”الفداء”.
فجاك عندما يتم أسره من قبل آكلي الجثث الذي نكتشف أنهم بشر مثلنا, وأنهم أخر أمل في المقاومة وعبر قائدهم الاسمر(في إحالة واضحة لشخصية مورفيوس القائد الأسود الذي بحث طويلا عن نيو في ماتريكس)يعلم جاك انه أمل البشرية في تحطيم الكائن الفضائي, لأن المركبة الفضائية الآلية التي قاموا بتحميل الرأس النووي عليها لن تستجيب إلا لصوته هو فقط, ويدرك جاك ساعتها انه(the one)أي مُخلص البشرية ورجائها الأخير, ولكن عندما تتحطم المركبة يقرر مثل كل”مُخلص”أن يتحول إلى “فادي”لكي يستمر العالم, فيتخذ قرار بقيادة سفينته الفضائية الصغيرة إلى الكائن الفضائي لتدميره في عقر داره, وهو ما يعيدنا مرة اخرى إلى نفس ما حدث في الثلاثية الشهيرة ولكن من اجل ان تتوقف الحرب بين البشر والآلات وما حدث في يوم الأستقلال لأسقاط المحطات الفضائية العملاقة.
ونعاود طرح الفرضية التي بدأنا بها حديثنا عن الفيلم:
هل أزمة هذا الفيلم في كونه يعتمد على عناصر نمطية وأخرى مستوحاة بشكل واضح من اعمال شهيرة؟ في الحقيقة فإن تلك الفرضية ليست هي جوهر أزمة الفيلم, ولكن  الأستلهام الفج والعناصر النمطية تحيلنا إلى مازق أوسع فاها وهو فقدان شهية المتابعة بسبب توقع الأحداث.
فهناك فارق بين أن يعلم المتلقي النهاية ويستغرقه الفيلم في رحلة البحث عن الأسباب التي أدت إلى النتائج المعروفة سلفا, وبين أن تصبح الأحداث متوقعة واحدا تلو الآخر وتصبح المفاجآت التي يتصور صناع الفيلم أنهم يدخرونها ما هي إلا رهانات صائبة من الجمهور نتيجة نمطيتها المعتادة.
ومن هنا نخلص إلى أن تكرار التيمة ليس عيبا في حد ذاته ولكن سطحية الرؤيا وامتزاجها مع المستهلك والمعروف مسبقا وعدم احتوائها على الأصيل أو المبتكر هو ما يفقدها بريق الجوهر ويجعلها مجرد تجربة شكلانية أخرى لن تضيف إلى رصيد المتفرج الوجداني أو الذهني.
يبقى فقط أن نشير إلى أن المخرج استطاع أن يتحكم جيدا في إيقاع فيلمه خاصة في النصف الأول من زمن الأحداث, الذي يدور فقط عبر حوار شخصيتين هما جاك ورفيقته, ودون وجود أي عنصر درامي أخر باستثناء الحلم الذي يشاهد فيه زوجته السابقة, أنها قدرة لا بأس بها على جذب المتفرج كي يتابع شخصيتين دون غيرهم في انتظار المزيد, ودون أن ينفر المتلقي من ضيق الحركة الدرامية بينهم, وبالنسبة لفيلم يتجاوز زمنه ال120 دقيقة فأننا إذن امام نصف الزمن الفيلمي بين قوسي جاك ورفيقته بلا ثالث وهي مخاطرة درامية عوضها المخرج بحالة بصرية شيقة وجاذبة وأن ظلت شكلانية وغير مؤثرة وجدانيا لم تتجاوز العين إلى القلب.

 


إعلان