حوار مع رئيس غرفة أصحاب القاعات السينمائية بالمغرب
الحسين بوديح: لا أعارض السلطة السينمائية!!!
حاوره: أحمد بوغابة / المغرب
نحل بمدينة تطوان (أقصى شمال المغرب) عند كل دورة سينمائية لمواكبة مهرجانها الشهير الخاص بسينما بلدان حوض المتوسط، الذي يُقام عند حلول فصل الربيع، فنتحدث عنه وحوله وعن برامجه وأفلامه ولِجَنِهِ وندواته وتنظيمه حيث نغرق فيه كليا لأنه مهرجان شهي بمواده والذي لا يجد منافسا له في شمال المغرب إلا المهرجان الوطني للسينما المغربية بطنجة الذي يشكل استثناء في كل المهرجانات لذلك يريدون تشريده في أفق اغتياله إن متابعتنا المكثفة لمهرجان تطوان للسينما المتوسطية ينسينا علاقته الوطيدة والحميمية بقاعة “أبينيدا” التي هي قاعته الرسمية بالنسبة لمسابقة الأفلام الطويلة (أما حفلتا الافتتاح والاختتام فتُقامان في قاعة “إسبانيول” لأن هذه الأخيرة تتوفر على ركح كقاعة للمسرح في الأصل فيما تُعرض الأفلام الوثائقية والقصيرة في المركز الثقافي الفرنسي)
القاعتان المذكورتان هي في ملك السيد الحسين بوديح الذي واكب المهرجان منذ إنطلاقه كملتقى سينمائي ثقافي محض قبل ما يزيد على رُبع قرن. وقبل ذلك مع النادي السينمائي ثم جمعية أصدقاء السينما. يمكن اعتباره أحد رجالات المهرجان رغم أنه يفضل أن يبقى في الظل. كان يملك جميع القاعات السينمائية بمدينة تطوان، والتي كان يضع جلها في خدمة الملتقى السينمائي (كان الملتقى يعرض حينها في أكثر من خمس قاعات).
لكي يكون السيد الحسين بوديح في الموعد مع الحداثة السينمائية المعاصرة فقد أدخل النظام الرقمي إلى قاعة “أبينيدا” وذلك قبل قليل من انطلاق المهرجان في دورته الأخيرة (الأسبوع الأخير من شهر مارس 2013). ولم ينس تجديد الشاشة أيضا التي أعطت هيبة جديدة للقاعة وللمشاهدة على حد سواء، فكانت العروض في مستوى عال من المتعة والتي ظهرت جليا خلال الفيلمين المصورين أصلا بالنظام الرقمي وهما “طريق حليمة” الكرواتي و””ما وراء التلال” الروماني.
وتشاء الصدفة أيضا أن يصبح السيد الحسين بوديح رئيسا لغرفة أرباب القاعات السينمائية في المغرب وهي واحدة من أقدم الغرف والمؤسسات المهنية المحترفة بالمغرب.

عرف السيد الحسين بوديح السينما وهو طفل، ليس كمشاهد فقط وإنما كمشتغل في قاعات مدينة تطوان، خاصة في “أبينيدا”، حيث ترعرع بينها وفيها إلى أن أصبحت في ملكيته. فهذا العصامي شخصية سينمائية بامتياز. مسيرة حياته سيناريو جيِّد تتوفر فيها كل عناصر الحكي والدراما. أتمنى لو يتم التفكير في تكريمه في الدورة القادمة من المهرجان التي تصادف الدورة العشرين.
واعتبارا لكل ما سبق، أجرينا معه هذا الحوار الذي ركزنا فيه فقط على جانب واحد وتركنا جوانب أخرى كثيرة لمشروع سينمائي وثائقي إذا حالفه حظ الوجود في المستقبل القريب. وقبل عرض الحوار، لا بأس من الإشارة إلى بعض المعلومات العامة عن القاعتين. “أبينيدا” كلمة إسبانية وتعني الشارع الرئيسي / نهج / تم تشييدها سنة 1945 وتم إدخال إصلاحات عليها سنة 1996. تحتوي على 1050 كرسي. أما قاعة “إسبانيول” وتعني “الإسبا��ية” فقد تأسست سنة 1916 حيث كانت في الأصل مسرح قبل أن تشرع في العروض السينمائية في العشرينيات من القرن الماضي. وتتميز هاتين القاعتين بوجودهما في قلب مدينة تطوان.
“أبينيدا”… معروفة في العالم!
أنت واكبت شخصيا مهرجان سينما بلدان البحر الأبيض المتوسط منذ انطلاقه ومازلت في علاقة وطيدة معه من خلال قاعاتك بمدينة تطوان. فماذا قدم لك المهرجان ولقاعاتك؟
العطاء متبادل بينهما. هذه الإصلاحات التي نقوم بها باستمرار، وبدون توقف، في قاعة “أبينيدا” تخدم المهرجان لأن المدعوين الذين يحضرون من الخارج يعودون إلى بلدانهم وهم يحملون نظرة جميلة على القاعة فيتحدثون عنها إيجابيا وبإعجاب. إن قاعة “أبينيدا” هي الآن معروفة ومشهورة في عدد من البلدان في العالم سواء في أوروبا أو آسيا. وهذه الصورة منتشرة كثير.
وهل هذه الصورة العالمية الجميلة عن قاعة “أبينيدا” تساعدها على استقطاب الجمهور المحلي بعد اختتام المهرجان؟
إن القاعة نفسها هي التي تستقطب الجمهور. فمنذ أن قمنا بإصلاحها في سنة 1996 بدأنا نعتني بها عن قرب بنظام خاص وليس مثل القاعات الأخرى إذ على الموظفين أن يكونوا واقفين وليس جالسين على الكراسي احتراما لروادها. وأن يكون هندامهم محترما بلباس أنيق ومتشابها للجميع. ويُمنع التدخين كليا داخل القاعة أو الأكل أو التشويش أو الإخلال بممارسات مشبوهة. من أجل تحقيق هذا التميز وحُسْن إدارته نكثف الحراسة اليومية وبالتالي أعطى نوعا من الثقة للجمهور الذي يحب السينما والفرجة المريحة لمشاهدة الأفلام. وهكذا أصبح الإقبال الكبير على القاعة. أنا مسرور والحمد لله بكون “أبينيدا” في وضع تجاري جيد بفضل الإقبال عليها.
وفي علاقتك بالمهرجان، هل تُقدم لمنظميه خدمة مجانية كمساهمة منك فيه؟ أم تتعامل معهم كزبناء بكراء لهم القاعة؟
كان هذا المهرجان في بدايته ملتقى تنظمه جمعية أصدقاء السينما. وهذه الجمعية كانت تعرض فيلما في الأسبوع، صباح كل يوم أحد، لأعضائها ومنخرطيها. حينها كنت أعطيها القاعة مجانا. وحين تطورت الجمعية وتطور نشاطها بتنظيمها المهرجان وأصبحت تستدعي ضيوفا من الخارج من مختلف البلدان، البعيدة أحيانا، وتتحمل مصاريفهم بالطائرة والفنادق وأصبح لديها ميزانية ضخمة قررت أن أتعامل معها باحترافية بمطالبة بدوري تعويضا ماليا عن استخدام القاعات. وهذا ما حصل فعلا منذ خمس سنوات تقريبا.
هل التعويض الذي تطلبه هو خاص بالمهرجان؟ أم جزافيا؟ أم هو تجاري محض ولا يهمك المهرجان؟

طبعا الثمن هو خاص بالمهرجان وليس اعتبارا للمداخل التي أحققها في سائر الأيام. أخذ بعين الاعتبار طبعا المهرجان كتظاهرة ثقافية وفنية. وبالتالي، فإنني أطلب تقريبا 50% من مداخلي أو قُل أكتفي فقط بمصاريف القاعة. يعتقد كثير من الناس بأنه ليس للقاعة مصاريف بل العكس فهي كثيرة. دون الحديث عن الضوء والموظفين. هناك مصاريف يومية. يقوم أحد العمال في كل صباح بجولة عامة في القاعة ليرصد ما ينبغي إصلاحه، كرسي إذا تكسر أو حنفية ماء أو زجاجة ضوء أو ستارة سقطت أو غيرها من المسائل التي تحصل يوميا. وعندي عامل خاص بكل مهنة يشتغل في القاعة فضلا عن التنظيف الجيد. وهذا العمل هو عمل يومي حتى تكون القاعة جاهزة بعد الظهر للاستقبال جمهورها في أحسن صورة. وبالتالي فقاعة “أبينيدا” تتطور زينتها سنويا. إن الذين واكبوا مهرجان السينما يؤكدون ذلك. يعتقدون حين يعودون في السنة الموالية بأن وضع القاعة سيتدهور فإذا بهم يُفاجئون بأنها في حلة أجمل من السنة الماضية.
ويشرفني أن الدورة 19 لمهرجان سينما بلدان البحر الأبيض المتوسط قد دشنت عروضها لهذه السنة بالنظام الرقمي حيث قُمت بتجهيز القاعة بأفضل ما يوجد حاليا في السوق بهذا النظام سواء بالبث أو الصوت. أصبحت قاعة “أبينيدا” ا تتوفر حاليا على مختلف أجهزة العرض السينمائي. ولم يعد لدينا مشكلا إذ جميع أنواع الأفلام يمكن عرضها في هذه القاعة. وهذا الشرف ليس لي وحدي أو للمهرجان فقط، وإنما للمدينة بالأساس. وأخبرك بأنني بصدد التفكير في تعديلات جديدة راقية في القاعة. ستجدها أنت والمدعوين الأجانب في السنة المقبلة إن شاء الله.
“أبينيدا”… حبيبتي!
إذا لا خوف على قاعة “أبينيدا” فأنت تؤكد بقاءها واستمرارها؟
“أبينيدا” باقية… باقية… باقية… (هو الذي كررها ثلاث مرات).. سأقول لك كلاما ربما صعب قَبُولَهُ مني. إنني أعتبر قاعة “أبينيدا” واحدة من أولادي من كثرة محبتي لها لأنني بدأت فيها حياتي منذ سنة 1967. لأنها الأصل، الأم التي “خرج” منها كل شيء. ولهذا أكن لها محبة استثنائية وأتعلق بها كثيرا. فبصراحة كل ما فيها من جزئيات ومحتويات أحبه بإخلاص كبير يتجاوز تصورك لعلاقتي بها.
فما تقوله عن هذه القاعة وعشقك الكبير لها يمكنه أن يكون رسالة واضحة لسكان مدينة تطوان ليطمئنوا على بقاء قاعتهم السينمائية. وبذلك تفند أيضا الإشاعات التي كانت تروج من قبل على أنك كنت تريد إغلاقها وتحويلها إلى سوبيرماركت. فإذا أغلقت قاعة “أبينيدا” ولم تعد بمدينة تطوان قاعات سينمائية معناه موت المهرجان أيضا. وأنت تعلم جيدا أن تظاهرة سينما البحر الأبيض المتوسط قد بدأ كملتقى في أغلب القاعات التي كانت موجودة بالمدينة ليتقلص العدد إلى القاعتين المتبقيتين “إسبانيول” و”أبينيدا” بالإضافة للمركزين الثقافيين الإسباني والفرنسي. وقد أشارت السيدة نائبة الجماعة الحضرية بأن قاعة “إسبانيول” ستُغلق مباشرة بعد المهرجان مع أن حفلات الافتتاح والاختتام تُقام فيها. وهي قاعة جميلة ورائعة أيضا. فهل “إسبانيول” لا تستحق منك الحب والعشق؟ فلماذا هي مهددة بالإغلاق والاندثار؟
إنها مهددة…(تردد كثيرا بصمت وكأنه يحدث نفسه أو يبحث عن كلام يليق بالجواب قبل أن يستأنف الكلام).. إذا لم أكن مسافرا خارج مدينة تطوان فإنك تجدني دائما في قاعة “أبينيدا”. وهذا الوجود يؤثر في الجمهور ويعطيه الافتخار والآمان بأنها قاعة محترمة وصاحبها حاضر فيها على الدوام. ولذلك فإن سينما “أبينيدا” لها جمهورا أوسع وأكبر ودائم الإخلاص لها مقارنة مع جمهور قاعة “إسبانيول”. علما أن هندسة وجمالية “إسبانيول” أفضل من “أبينيدا” لأنها هي في ذات الوقت مسرحا وفيها ثلاث طبقات ومقصورات ومنصة. وكانت تعرض فيها مسرحيات إسبانية تأتي من مختلف مدن إسبانيا. إنني أعتني بها هي أيضا إلا أنني مواظب على باب هذه القاعة (يشير إلى قاعة “أبينيدا” التي حاورته فيها) منذ أزيد من 43 سنة، تقريبا نصف قرن، فأخَذَتْ مني كل المحبة ولا أذهب إلى قاعة “إسبانيول” إلا نادرا.
أنا شخصيا أعتبرك من معالم السينما في مدينة تطوان، وواحد من فعاليات المهرجان لكونك واكبته – كما قلت من قبل – منذ بدايته ورافقت خطواته الأولى. فأنت عشت معه كما عايشته أنا ايضا فماذا تقترح على منظميه للمستقبل؟ ما هي نصائحك لهم؟
إن على السلطة المحلية دعم المهرجان وكذا وزارة الاتصال وأيضا الصحافة والتلفزيون. فأنا ألاحظ أن بعض المدن تنظم أنشطة بسيطة ومتواضعة جدا فإذا بالتلفزيون حاضر فيها باستمرار ويقوم بتغطيتها على مدى الأسبوع بينما في تطوان تظاهرة كبيرة ومهمة حقا ومع ذلك يغفلها التلفزيون. فلا شك قد لاحظت بدورك غياب التلفزيون من المهرجان وربما سيكتفي في نهايته بتقديم دقائق للحاصل على الجائزة الكبرى في نشرة الأخبار الأخيرة. إن الإعلام مهم خاصة التلفزيون لأن لنا متتبعين للتلفزيون أكثر من القراء.
لماذا في نظرك لم يهتم التلفزيون بالمهرجان؟
لأن الإخوان المُكلفين .. – ويعذرني السيد رئيس المهرجان – ليس لديهم ثقل ووزن في المدينة فلا يتم تقديرهم… تفتقد تطوان لشخصية قوية لفرض وجودها وصورتها…
ولكن الرئيس هو وزير … إنه السيد نبيل بنعبدالله…
… (يقاطعني).. إن الفضل لوجود هذا المهرجان واستمراريته يرجع إلى السيد نبيل بنعبدالله حين كان وزيرا للاتصال حيث أعاد له الحياة. ولكن أنا أفضل أن يكون دائما رئيس المهرجان هم وزير الاتصال لكي ينجح. لأن السيد نبيل بنعبد الله لم يعد له النفوذ في وزارة الاتصال ولا على المركز السينمائي المغربي رغم المجهودات الكبيرة التي يقوم بها لصالح المهرجان. ولكن أظن بأن مهرجان تطوان لبلدان البحر المتوسط سيفرض وجوده لأن السينما في المغرب تتقدم نحو الأمام. وقد أكد ذلك سيدنا صاحب الجلالة في الرسالة التي وجهها إلى السينمائيين. وهي أول مرة في تاريخ المغرب يعتني ملكا بالسينما. وأعلم أن المستقبل سيؤكد نتائج تلك الرسالة. ونظرا لأهميتها فالكل يتحدث عنها في جميع المناسبات السينمائية كما حصل يوم افتتاح المهرجان من طرف السيد نبيل بنعبد الله.
وتجد تلك الرسالة ترجمتها حاليا على أرض الواقع. ولا أخفي عنك سرا بأن تجهيز قاعة “أبينيدا” بالنظام الرقمي هو جزء من تلك السياسة حيث سيساعدونني بدعم مهم في إطار دعم القاعات التي سيتم تجهيزها بالرقمنة. تم تحديد سقف الدعم إلى مليون درهم مغربي. ولكن تكاليف الرقمنة تتجاوز هذا المبلغ لكنه هي مساعدة جد مهمة. كان بإمكاني تجهيزها بمليون درهم فقط إلا أنني أضفت 50 مليون سنتيم لإنجاز عمل راق.

إن السينما ترتكز على الإنتاج والتوزيع والاستغلال لكن المسؤولين على السينما يهتمون أكثر بالإنتاج بتخصيص 60 مليون درهم مغربي في السنة وسيرتفع هذه السنة إلى حدود 80 مليون درهم في العام. إنها قيمة مالية جد مهمة. مع الأسف، تلك المبالغ لا تنعكس في جودة الأفلام التي نشاهدها. أنا أتحدث إليك دائما من منطلق تجاري وليس من الناحية الفلسفية أو الثقافية مثلك. أنا تاجر، وما يهمني هو حين أُبرمج فيلما ينبغي أن يجلب الجمهور وإذا لم يتجاوب معه فهو بالنسبة لي فيلم ليس في المستوى. أنا شخصيا لم أفهم الغاية من تمويل أفلام ب 80 مليون درهم مغربي؟ هل لكي تكون أفلامنا سفراء في الخارج من خلال جولات في جميع المهرجانات الدولية؟ هذا مهم، ولكن ينبغي أن يكون الإنتاج جيد بمواضيع تهم المغاربة وليس تكرار نفس القصص بل ينبغي التنويع والتنوع بأفلام تاريخية وفكاهية.. إلى آخره.
وهل تقوم بما ينبغي القيام به من إشهار ودعاية للأفلام التي تعرضها حتى يعلم بها الجمهور؟ أم تمكث واقفا في القاعة تنتظره يأتي أو لا يأتي؟ فأنت في مدينة كبيرة كما أنها مُحاطة بخريطة سُكانية واسعة. ففضلا عن مدينة تطوان يمكن أن توسع إشهارك نحو المضيق ومرتيل وحتى الشاون (هذه مدن قريبة جدا من تطوان وتشكل حزامها. منها من لا تبعد عن وسط مدينة تطوان سوى بنصف ساعة بالسيارة) إذ أن سكانها يعيشون في غالب الأوقات بوسط تطوان وسيتمكنون من مشاهدة الأفلام والعودة إلى منازلهم في نفس اليوم وفي نفس المساء. فلماذا تترك للصدفة وحدها هذا الدور؟. إن الناس في حاجة لمن يخبرهم بما يجري قريبا منهم أولا.
نعم لك الحق في هذه النقطة المهمة وأحسنت القول فيها. أعترف بأننا لا نقوم بالإشهار لأفلامنا. سأفكر فيها بجدية. فعلا، نواحي مدينة تطوان كبيرة. سأحاول أن أطلب من السيد الوالي (الوالي هو أعلى سلطة في المدينة وممثلا للدولة فيها) أن يخصص لنا أمكنة لنشر الملصقات حتى يعلم بها السكان. أبرمج أحيانا فيلما لمدة ثلاث أسابيع أو شهر ثم يأتي بعض الناس بمدة يسألوني هل عرضت فيلم فلان أو سيُبرمج قريبا. وحين أخبرهم بأنه بقي في القاعة لأكثر من شهر يستغربون لأنه لم يكن في علمهم. وأنا حين أترك فيلما لمدة شهر بمعنى عليه الإقبال. وكان بالإمكان للفيلم أن يبقى مدة أطول لو كان في علم السكان بتطوان ونواحيها. لهذا أعتبر رأيك صائبا وقد أهملنا الإشهار حقا.
يمكنك أيضا للالتجاء إلى نشر إشهار الأفلام التي تعرضها في الإعلام المحلي سواء الصحافة الورقية أو الإلكترونية وهي موجودة بكثرة في المنطقة؟
إننا نتهرب من مصاريف إضافية. لكي تُسيِّر هذا القطاع ينبغي أن يكون لديك ميزانا دقيقا وتعرف إلى أين تتجه؟ إذ في حالة ما إذا أخطأت الاختيار مثلا في برمجة فيلم ما في أسبوع غير مناسب قد ينعكس ذلك سلبا على القاعة لمدة معينة لا بأس بها. فكيف أستقطب أنا شخصيا الجمهور؟ بنوعية الأفلام التي أختارها. وقد تكون هذه الأفلام متوفرة أحيانا وأحيانا أخرى من الصعوبة بمكان الحصول عليها في وقتها بسبب قلى النسخ. ثم ينبغي اختيار توقيت برمجتها في القاعة. إنها مثل لعب النرد. لابد من التنويع في الأفلام بين العربية والأمريكية التي بها حركة ومرة تعرض الحاصلة على الأوسكار والتي سمع بها الناس ويريدون مشاهدتها فأخصص لها وقتا معينا دون إغفال الأفلام الكوميدية والاجتماعية إلى آخره.. بهذا التنوع يمكن الحفاظ على جمهور القاعة حتى يصبح زبونها المخلص ولا يهجرها إذا لم يجد هذا التنوع.
خاصة وأن مدينة تطوان ستصبح فيها قاعة واحدة هي “أبينيدا” بعد إغلاق “إسبانيول”…
(يقاطعني) .. لم تُغلق بعد.. ولم يُتخد القرار بعد.. وسأحاول أن لا أغلقها لأنه ينبغي ان تعلم وغيرك بأنني أحس بوخز واحتراق داخلي حين أغلق قاعة ما. ليس سهلا اتخاذ قرار إغلاق قاعة. وليس بين يوم وليلة كما يعتقد البعض. فقد أغلقت 7 قاعات بتطوان ولم أتحمل ذلك بسهولة.
“أبينيدا”… تتربع في الغرفة!
تم انتخابك مؤخرا رئيسا لغرفة أصحاب القاعات فتضاعفت مسؤوليتك على ما اعتقد. فما هي سياستك على رأس هذه الغرفة المهنية الاحترافية؟ ما هو جديدك؟ ماذا ستحمل إليها وإلى السينما المغربية والسينما بشكل عام؟ وكيف ستتعامل مع المؤسسات المهنية الأخرى التي لها علاقة مباشرة جدا بكم أنتم أصحاب القاعات؟
أنا عضو في هذه الغرفة منذ 40 سنة. وقد رصدت خلال هذه العقود الأربعة أن جميع الرؤساء السابقين كانوا يشتغلون بطريقة لا أريدها حاليا وتتجلى في ابتعادهم عن السلطة ومعاكستها ومعارضتها ومناوشتها خصوصا السلطة المكلفة بنا نحن في غرفة أرباب القاعات. وأعني المركز السينمائي المغربي ووزارة الاتصال. أنا غَيَّرْتُ هذه السياسة كليا حيث اتصلت بالسيد نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، وقلت له بأنني أريد أن نضع يدا في يد في بعضنا لإنقاذ القاعات الباقية والعمل على إعادة فتح المُغلقة منها وترميمها وإصلاحها وأيضا بناء أخرى جديدة. كما اتصلت ايضا بوزير الاتصال السيد مصطفى الخلفي للحديث معه على نفس النقط.
وفعلا، فقد كانا كلامهما في مستوى المسؤولية وعبرا لي ولباقي أعضاء المكتب على استعدادهما الفعلي والعملي لإنقاذ سفينتنا السينمائية التي نركبها جميعنا. فمثلا، اقترحت على مدير المركز السينمائي أن نعرض في قاعاتنا، بمختلف المدن المغربية، الأفلام القصيرة التي تشارك في المهرجان الوطني بطنجة وذلك قبل عرض الأفلام الطويلة في الشبكة التجارية، على أساس أن يُسمح لنا بعرضها مجانا للتعريف بها ومشاهدتها ما دامت مُنتجة من المال العام في إطار دعم الإنتاج السينمائي. لماذا تبقى تلك الأفلام حبيسة أصحابها بعد المهرجان الوطني ولا تتمتع بحق الرواج والترويج لها. وربما ستخلق النقاش بعرضها فيتعلم أصحابها ما يدور من تقييمات حولها. كما يمكن لهذه الأفلام المغربية القصيرة أن تُعَوِّدَ الجمهور على مشاهدتها ومشاهدة الإنتاج الوطني.
أخبرك بأن قاعة “الفن السابع” بالرباط، وهي الوحيدة التابعة للمركز السينمائي المغربي كقاعة عمومية، تعرض الأفلام المغربية القصيرة قبل الأفلام الطويلة…
نعم، أعلم ذلك وقد أثرت الموضوع مع السيد مدير المركز السينمائي عن سبب عرضها في “الفن السابع” وليس بباقي القاعات؟ فأجابني بأن حقوق تلك الأفلام تعود لأصحابها وهم الذين لهم الحق في قَبول عرضها من عدمه. وأن المركز يقدم لهم تعويضات عنها. إنني واثق بأن السيد المدير سيعمل على تعميم عرض تلك الأفلام القصيرة في باقي القاعات المغربية لأنه يدرك جيدا أهميتها لذا سيعمل على إقناع أولئك المخرجين الشباب بهذه الفكرة التي تخدمهم هم قبل غيرهم.
حدثني عن الدعم المخصص للقاعات؟
إن الدعم الذي تم تخصيصه للقاعات السينمائية مهم جدا لكن للأسف لا توجد قاعات كثيرة التي تتوفر فيها الشروط للحصول عليه. فهذا الدعم ليس شاملا بل سن قوانين وبسط شروطا مضبوطة للاستفادة منه. ينبغي أن تتوفر على الشروط الأدنى الجيدة والمحترمة من الكراسي المريحة والجيدة ومراحيض نظيفة وصوت مضبوط وشاشة عصرية. يعني بالضرورة أن تكون القاعة في مجملها في مرتبة متقدمة من التصنيف لتحصل على الدعم.
توجد 10 ملايين درهم مغربي في الصندوق كفترة أولى لسنة 2013. وسيتم تخصيص هذا المبلغ لكل سنة ثم النظر فيه بعد سنتين. وقد حددوا سقف الدعم في مليون درهم مغربي مهما كانت القاعة وحتى وإن صُرِفَ على إصلاحها وترميمها أكثر من ذلك كما حصل معي حيث صرفت على “أبينيدا” مليون ونصف درهم مغربي على أملي أن يعوضوا لي ذلك المبلغ كله كاستثناء إذ لا يمكن التشبث بشكل أعمى بالسقف. لا يمكنني أن أترك الأشغال في منتصفها. لقد حضرت اللجنة برئيسها وكامل أعضائها وعاينت القاعة ورصدت عن كثب التعديلات التقنية الحديثة والعصرية في الصوت والصورة والشاشة بآخر المنجزات بالنظام الرقمي. لقد زارت القاعة وعاينت الإصلاحات. كما تعلم كذلك بأنني سأقوم بأخرى في القريب العاجل لأجعل من “أبينيدا” واحدة من أفضل القاعات في المغرب. نوهت اللجنة بجميع أعضائها بما قمت به فلذلك ينبغي مساعدتي لأتشجع بإصلاح قاعة “إسبانيول” أيضا.
على ذكر قاعة “إسبانيول”، فهل ستغلقها كما يُشاع وقيل في حفل الافتتاح من طرف مسؤولة في الجماعة الحضرية؟ أم ستبقى مفتوحة لجمهور المدينة ونواحيها وتعمل على إصلاحها هي أيضا؟
أنا أفكر حاليا في إيداع ملف عند لجنة دعم القاعات لكي تساعدني في إصلاح قاعة “إسبانيول” أيضا ولو أنني لا أفكر في إدخال النظام الرقمي إليها…
لماذا؟؟؟
تكفيني قاعة واحدة بها مختلف أنظمة العرض الرقمي، أقصد في “أبينيدا”. أما “إسبانيول” فأعتبرها “فوق الشبعة” (قاعة إضافية). فأنت تعرف بأنني في مدينة تطوان التي ليس بها رواجا سينمائيا كبيرا كما هو الحال في الدار البيضاء ومراكش والرباط. فلا أرى داعيا لقاعتين رقميتين بل واحدة تكفي والأخرى سنعرض فيها بالعرض الكلاسيكي.