السينما العراقية.. من تحت الرماد

هل يمكن أن تكون السينما مقياسا لمسألة السقوط والصعود في المجتمعات الحديثة؟؟ إذا لم تكن مقياسا، هل يمكن أن تكون قابلة لقراءة ملامح ازدهارها أو تدهورها، على أنها علامة ممكنة لفهم تاريخ الشعوب؟؟
ازدهار السينما، أليس جزءا من ازدهار المدينة واختفاء السينما من المدينة هل هو علامة على تكمش الوعي فيها ؟؟
الفن هو جزء من مكونات الوعي البشري والسينما هي عنوان عريض للفن في القرن العشرين. لقد انطلقت الصالة واصبحت جزءا من المدينة ومقومات تحضرها منذ بداية القرن. وكل الشعوب التي ذاقت طعم التحضر والتطور والتحديث ذاقت –فيما ذاقت – طعم السينما. وكل الشعوب التي انسحبت من مشهد التحديث والتطور ضاقت مدنها ولم تعد فيها مساحة لقاعة سينما.
العراق بقعة من العالم لها من التاريخ ما يكفي ليختزل تاريخ كل البشر، فنا وعلما وازدهارا وأيضا حربا وقهرا ودمارا.. هذا البلد العظيم عرف السينما منذ النصف الأول من القرن العشرين وكان من الدول العربية السباقة لهذا الفن بعد مصر. وازدهرت السينما في أزمنة العراق الجميلة. ولكن نظرا لرمال السياسة في العراق التي ما فتئت تتحرك وتلتهم وتغرق الناس والأرض.. كانت السينما إحدى ضحايا تلك الرمال.
لقد أثر الوضع العراقي السياسي والأمني على السينما. بل كانت من أول ضحاياه. ولكن رغم ذلك كان هناك مبدعون وفنانون تحدوا كل تلك الرمال وظلوا قابضين على الكاميرا في أحلك ظروف الاستبداد. ومنهم من هجر البلد ولكن البلد لم تهجر خياله فراح يرسمها في أفلامه ويسافر بها في العالم.
لقد تمكن بعض السينمائيين العراقيين أن يحافظوا على صورة العراق العظيم الزاخر بالإبداع الذي يفاجئ التاريخ دائما بما يكتنزه من أمل رغم الخراب. سافر الفنان العراقي في الآفاق حاملا معه العراق الذي يجب أن يكون وليس العراق الذي هو كائن. ومن تحت رماد الراهن انتفضت محاولات سينمائية بديعة. فمن الشاب محمد الدراجي إلى المخضرم قاسم حول وطاهر علوان وعدي رشيد وغيرهم أصبح للعراق صوت يعلو فوق صوت التفجيرات. وهنا تنتصر السينما لأنها نصيرة الإنسان، ولو رمزيا. وهنا تصبح السينما محرارا لقيس نبض الحضارة والأمل..
هذا العدد من مجلتنا يسلط الضوء على السينما العراقية ماضيا وحاضرا الوثائقية منها والروائية. واخترنا العراق نظرا لوضعها التاريخي الحديث الاستثنائي ووضعية مبدعيها أيضا الأكثر استثناء. فقد حاول العدد أن يوثق شهادات لنقاد ومتابعين ومختصين عراقيين كشفيق المهدي المسرحي والناقد والمبدع الذي تولى إدارة السينما في العراق منذ سنوات والذي سيفصّل في مشاكل السينما العراقية. بطل فيلم “المغني” عامر علوان سيحدثنا عن تجربة التمثيل بعد تجربة الإخراج. ومن خلاله نتعرف على تجربة قاسم حول في إخراج هذا الفيلم المختلف. كما يحتوي العدد قراءة للناقد محمد رضا للسينما العراقية بين زمنين وبين عهدين سياسيين. مركّزا على تجربة محمد دراجي والتجارب العراقية الجديدة. أما عدنان حسين فيسبر آراء مجموعة من النقاد والمثقفين العراقيين حول وضع السينما في العراق.
هذا العدد هو مناسبة لتقييم السينما العراقية لفتح باب أمل في واقع العراق الجريح. والمستقبل الجميل يبدأ حلما وصورة في الذهن ثم بإرادة من يصنعون تلك الصورة يمكن أن يصبح المستقبل واقعا.. السينما هي الوعاء المناسب لاستيعاب كل صور الحلم.. حلم العراق ومستقبل “ابن بابل”.