حوار مع كمال عبدالعزيز

رئيس مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة

حاوره : حسن المرزوقي

على هامش مهرجان الاسماعيلية للفيلم التسجيلي التقت الوثائقية برئيس المهرجان كمال عبدالعزيز وحاورته حول العديد من النقاط ذات العلاقة بالمهرجان والسينما عموما ..وهنا نص الحوار

أول سؤال طبعا يتعلق بخصوصية هذه الدورة الـ16 لمهرجان الإسماعيلية الدولي للسينما التسجيلية؟
هذه دورة تاريخية في تاريخ مهرجان الإسماعيلية رغم كل الصعوبات والمفاجآت التي مرت بنا وأكثرها بروزا تلك التي فجرها المخرج مجدي أحمد علي خلال حفل الافتتاح، أنا لا أقف ضد الإبداع، فأنا سينمائي ومع الإبداع ومع حرية الرأي، والمخرج مجدي أحمد علي قال كلمته خارج المسرح وقبلناها بكل احترام، كما علق يافطات خارج المسرح تعلن موقفا رافضا لوزير الثقافة المصري، لكن دخوله إلى المسرح وإلقائه كلمة غصبا عن إدارة المهرجان وبدون ترتيب سابق معها فيما يخص الكلمات التي سيتم إلقاؤها كان نوعا من المراهقة السياسية لأنه لم يكن لها هدف إلا تدمير حفلة مهرجان نحن جميعا كسينمائيين من الشباب والصغار والكبار نهتم بنجاحه. لقد حضر الحفل الافتتاح هاشم النحاس أول مؤسس للمهرجان وقد أحضرته خصيصا لنحتفي به ولنقول له إننا نكمل المشوار الذي بدأته ولنكون عند حسن ظنك، كما حضره شباب من المنتجين الذين يدعمون المهرجان ماديا أكثر من أي دعم تلقيناه من أي طرف، ومع كل ذلك يأتي من يفسد هذا الأمر… هذه ملاحقة سياسية.

فيما يخص ملاحظتك الأخيرة بشأن صغار المنتجين يجب أن أقول إنها المرة الأولى التي أشاهد فيها منتجين شبانا مازالوا في بداية عملهم ولكنهم يدعمون مهرجانا رغم أنهم يحتاجون هم ذاتهم إلى الدعم، وهذا نوع من “المقاومة” كما قلت. كما أريد أن أقول إني وجدت أن مهرجان الإسماعيلية قد رسخ تقاليده الخاصة به ولن يزاحمه مهرجان آخر ورغم كل الصعوبات سيستمر، لكن في الدورات السابقة للمهرجان كانت هناك كلمة “التجريبي” مرتبطة باسمه فلماذا حذفتموها؟

كلمة “التجريبي” كانت تتعلق بالمسرح أساسا لكن الفيلم التجريبي مازال موجودا وهل يعتبر “معملا لتفريخ التجارب” التي تطبق بعد ذلك مع الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والطويلة.
 
هل هناك فلسفة ما في الجمع بين الفيلم التسجيلي الطويل والروائي القصير في المهرجان؟
هذان النوعان من الأفلام هما الأصعب في الصناعة والبيع والتوزيع، وهما مثل الطائر الذي يحلق خارج السرب، أي خارج منظومة الإنتاج والسوق الحقيقي للفيلم، وفي هذه الدورة تحديدا كان هناك اتفاق مع مدير المهرجان على تنظيم سوق لتوزيع الفيلم التسجيلي، وفعلا استضفنا أكثر من موزع لتلك الأفلام وستكون هناك لقاءات بينهم وبين صناع الأفلام مما سيخلق سوقا جديدة للفيلم التسجيلي الطويل والفيلم الروائي القصير باعتبارهما أكثر من صمد خلال الأزمة التي بدأت مع الثورة، كما أنهما استمرا في دعم المهرجان.

هل ترى أن المستقبل سيكون لهما.. فنحن بعد الثورة لم نشاهد أكثر من الأفلام التسجيلية كما أن أغلب جوائز السينما كانت من نصيب الأفلام التسجيلية؟
 الأفلام التسجيلية هي الحاضر وهي “بطل” المرحلة الحالية إضافة إلى الفيلم الروائي القصير.

اثناء الافتتاح

يقال إن رأس المال جبان ويزداد جبنا خلال حالات الاضطراب والثورات فيتراجع ويهرب فهل يمكن أن نقول إن تراجع رأس المال التجاري الذي كان يمول الأفلام التجارية ترك فرصة لهذه الأفلام “للتنفس”؟
أنا أرى أن التطور التكنولوجي الرهيب الذي حصل وتسهيل صناعة الفيلم لم يترك مكانا للمنتج الكلاسيكي، فأنا الآن بإمكاني شراء كاميرا بـ2000 دولار وكمبيوتر محمول بـ1000 دولار وأصور وأنتج فيلما ثم أبثه على شبكة الإنترنت وموقعYouTube  بدون الحاجة لأي أحد حتى لو كانت وزارة، فاليوم عندنا مهرجان لـ”الموبايل” تُعرض فيه الأفلام وتُمنح الجوائز، وهذا هو التجريب الحقيقي. وأعود فأقول إن التطور التكنولوجي سهل كثيرا صناعة الأفلام وتوزيعها وخاصة لدى التلفزيونات التي تبث مباشرة على الإنترنت، ولم تعد هناك حاجة لسيناريو نقرأه وممثل لتأديته. إنها سينما غير كلاسيكية، وهي سينما جديدة ليست فيها رقابة.

ولكن هل ستستوعب السلطات والأنظمة القادمة هذا الدرس.. وهذا سؤال فكري وغير سياسي؟ وهل سنسمع يوما أن الرقابة على السينما في مصر ستلغى أو تُخفف إلى أدنى حد على الأقل؟

أنا أقول لك إن الرقابة تحديدا غير موجودة على أرض الواقع الآن، اليوم يمكنني إنتاج فيلم ثم أبيعه لمحطات التلفزيون التي ستبثه بدورها عبر الأقمار الصناعية فكيف سنراقبها؟ وإذا تدخلت الرقابة سأبث الفيلم مباشرة على الإنترنت فكيف ستتدخل الرقابة؟ إضافة إلى ذلك أن هناك سينمات تبث أفلامها مباشرة وبشكل حي على الإنترنت ويمكنها أن تبث أي فيلم فكيف نراقبها؟ وإذا قلنا الرقابة الآن فهل ستكون على الإنترنت أم على تلك الشبكات؟.
 
هل استوعبت السلطة هذا الأمر فمفهوم السلطة مرتبط بالرقابة؟

نظام الرقابة موجود منذ زمن طويل لكنه خاو الآن.

اليوم أنت كمدير تسويق ماذا يمكن أن تضيف للفيلم الوثائقي؟ أنت عملت أفلاما روائية كثيرة ولأن الفيلم الوثائقي دائما مظلوم وهو كالبطة السوداء فإن من يكونون مثلك لا يهتمون عادة بهذا النوع من الأفلام فما هو رأيك في هذا الطرح؟

أنا متفائل جدا حتى في أصعب الظروف، وأنا عندي هواية أمارسها منذ 30 سنة وهي تجميع كادرات الصور الفوتوغرافية القديمة أي نسخ النيغاتيف الأصلية ومنها ما صُور سنة 1850 في مصر وعندي أكثر من مليون لوح زجاجي نيغاتيف لصور عن الشوارع والجسور والأحداث والثورات المختلفة والشخصيات المهمة ومن هذا الأرشيف أنتجت فيلما وثائقيا اسمه حرق أوبرا القاهرة، وهو فيلم قائم على هذا الأرشيف إضافة إلى 10 دقائق صورها أحد الأشخاص للأوبرا وهي تحترق وهو الوثيقة الوحيدة في العالم، وأنا كمصور أزعم أن المرحلة القادمة ستضيف بل أضافت للتصوير مناطق جديدة للدخول في دائرة الإبداع والفن لأنه أصبحت هناك سهولة شديدة جدا للتصوير وهناك قدرة كبيرة على اقتناص اللحظة، فلم يعد الحدث ينتظر إحضار كاميرا بل أصبح الأمر سهلا لأنك تخرج الهاتف الجوال من جيبك وتصور حالا، وهذا إنجاز رهيب جدا وثورة رهيبة جدا.


لنبق في المسألة الفنية الجمالية، فأنا من خلال مشاهدتي للكثير من الأفلام الوثائقية العربية ألاحظ أن الإضاءة مثلا تكاد تكون متشابهة فلا توجد إضاءة “منتشرة” كما يحدث في الأفلام الروائية ولو طًبقت هذه المميزات الفنية في الفيلم الوثائقي لزادته جودة، فما هو تصوركم لهذه الخواص الفنية؟

 أرى أن سبب ذلك هو أن الفيلم التسجيلي يعتمد على قوة الموضوع وبالتالي فإن أي عناصر ثانية تصبح غير مهمة، فمصور حادثة غتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي مثلا لم يهتم بمصدر الإضاءة بل أراد اقتناص اللحظة فقط، وفي اغتيال السادات كانت الكامرات تهتز وتقع لكننا أخذنا منها اللحظة التي استطاع المصور أن يكون ثابتا فيها ولم يهرب ولم يخف.

عذرا لكني سأعارضك فتلك اللحظة كانت الإضاءة فيها سنة 1980 مثلا تختلف عن الإضاءة التي توجد اليوم، فعندما يتم توفير إضاءة جديدة أو “نور” جديد وتكنولوجيا جديدة سنة 2013 فأنت أعطيت تلك اللحظة معنى جديدا لها في 2013 أليس كذلك؟

هذا مرتبط بحرفية وأداء عال جدا، لكن هناك أحداث لا تهمني فيها الإضاءة، فمثلا لحظة دهس القطار لشخص ما لا تحتاج لإضاءة، لكن إذا تعلق الأمر بتصوير العلاقات والمشاكل النفسية للناس فإنه بالإمكان تصور المزاج العام للإضاءة بحيث يتم توظيف درامية تلك الإضاءة في درامية الحدث، لكن في لحظات “اصطياد الهدف” لا أهمية لم سبق.

لكن أنت بهذا المعنى كأنك أقصيت النص تماما من الفيلم الوثائقي؟ فهل الفيلم الوثائقي لا يحتاج إلى النص؟
الفيلم الوثائقي يحتاج إلى هدف.

هناك رؤية تقول إن الفيلم الوثائقي يجب أن يقوم على معنى الاكتشاف بمعنى أن لا نضع حقيقة مسبقة بل نذهب لاكتشافها وقد نفعل ذلك وقد لا نفعل فما هو رأيك في هذه الرؤية؟
الفكرة في الفيلم التسجيلي هي الهدف، والفيلم بذلك محاولة لاكتشاف هذا الهدف بالنظر إليه من زوايا ومجالات مختلفة للوصول إلى الهدف.
 
لكن في النهاية ستقول حقيقتك أنت فقط أليس كذلك؟

مسألة كيف بحثت عن الحقيقة هي طبعا تعبير عن عقلك.

لدي بعض الملاحظات على الفيلم الافتتاحي للمهرجان، أنا أرى أنه فيلم تلفزيوني وليس سينمائيا فهو مبني على أسلوب الأفلام البوليسية والبحث والتقصي والتحري ولغته ليست سينمائية بل تلفزيونية تشبه لغة المسلسلات البوليسية التي فيها تشويق وإثارة فما ردك على هذا الرأي؟

الفيلم لغته عفوية وهو الأمر الجميل فيه، فالعفوية وعدم التعامل مع كادر التصوير بحرفية كلاسيكية تقليدية أهم صفاته.
بل هناك “خبث” و”ذكاء” كبيرين في التأكيد على العفوية أليس كذلك؟
جواب: بالضبط، فالفيلم لا يضعك أمام “فيلم” تقليدي بل ينتزعك منه ويضعك أمام “حالة” ما لتتواصل معه أكثر، وهذه مهارة من صانع الفيلم.

الوثائقي و”الصالة” (صالة العرض) أي مستقبل؟ أو لماذا لم يدخل الوثائقي للتجارة؟
معروف على مستوى العالم أن الفيلم الوثائقي لا يجلب للموزع “إعلانات تجارية”، وهذا من متطلبات السوق، فهو غير مطلوب في السوق إلا لنوعية محددة.

مع المنتج معتز عبدالوهاب احد رعاة المهرجان

لكن كلمة “السوق” هنا غير واضحة تماما، فالسوق يعني الجمهور ومن يصنع ذائقة هذا الجمهور هو السينمائي وربما الوضع السياسي، فالفيلم الوثائقي عن يهود مصر مثلا تسبب في كارثة بالبلد وأدى إلى أزمة سياسية في مصر ورغم ذلك لم ينتشر في السوق فكيف ترد على هذا الرأي؟
جواب: الأفلام في الأربعينات والخمسينات والستينات كانت تعكس وضعا سياسيا، وأفلام الثمانينات عن الرشوة والاغتصاب والمخدرات والانفتاح كانت أيضا تعكس وضعا سياسيا، والأفلام الموجودة حاليا عن المخدرات والبلطجة والانفلات تعكس كذلك وضعا سياسيا، فالسينما هي “عكس” الوضع السياسي وانعكاس للوضع السياسي.
 
هل كونت “صورتك” عن الثورة في مصر؟ صورتك في الكاميرا لا في الذات، وهل اكتملت صورة الثورة عندك؟

لا ليس بعد، لأننا في وضع ضبابي ولم تكتمل الرؤية، يمكنني أن أحدثك عن ثورة 1952 وأقول لك بالضبط ماذا حصل ولماذا حصل وأين حصل ذلك، لكني لا أستطيع أن أقول لك الآن ما حدث في 25 يناير بالضبط، ونسبة 90% ممن صور فيلما عن ثورة 25 يناير تاجر بالثورة، الثورة سُجلت في كل تلفزيونات العالم وفي كل الهواتف النقالة.   

لماذا يقف السينمائي دائما وراء السياسي ووراء الحدث السياسي حتى ينتهي، السينمائي مبدع ويجب أن يحلم أليس كذلك؟
لأن المعطيات لم تكتمل بعد.

حتى في الحلم؟
يمكننا أن نحلم لكن ما يحصل على أرض الواقع هو أن كل ما توقعناه من الثورة لم يتحقق. السينما اقتنصت جماليات الثورة لكنها لم تستطع وضع تحليل فني حقيقي للثورة لأنه لا تزال هناك الكثير من الأشياء وراء الستار، وهناك الكثير من الأشياء لم تُكتشف.

لكن المشهد “المجالي” (نسبة إلى المجال بمعنى فضاء وقوع الأحداث أو مكانها) سينتهي وسيفلت من التصوير ومن هذا التحليل أليس كذلك؟

لا لقد تم تسجيل هذا المشهد، وأنا أرى أن من سيتحدث عن الثورة ليس هذا الجيل بل الجيل القادم، فهو سيكون قد شاهد الثورة والمسافة والعلاقات التي لم تتضح لنا بعد، نحن سجلنا لهذا الجيل ما حدث وأعددنا له ما يلزم وهو سيأتي ليجد هذا الكتاب فيركب أوراقه بالشكل الذي يريد.


إعلان