ظاهرة الفنان الصيني ” آي ويوي”
محمد موسى
تُشبه ضخامة جسد الفنان الصيني آي ويوي ذلك لمصارعي الساموراي اليابانيين، كما تقترب سِحنته كثيراً من تلك التي نراها في تماثيل بوذا. وكحكيم صيني، لا يتكلم آي ويوي كثيراً، لكن الفنان الذي دَرَسَ الفن التشكيلي الحديث وعاش في مدينة نيويورك الأمريكية، هو إبن جيل رفض الثوابت والتقاليد، جَسور ومشاغب ومتمرد حتى العظم. نَفَضَ آي ويوي سريعاً هالة “البطل الوطني” التي أصبغها عليها إعلام بلده، بعد تصميمه لملعب “عش الطائر” في بكين في عام 2008، ليرفع منذ سنوات المرآة للنظام التوتاليتاري الحاكم في الصين، محذراً من أن يَحجب النجاح الإقتصادي الهائل للبلد الآسيوي العملاق الصينيين والعالم عن رؤية مشاكل بلده الجديّة، والإنتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان فيه، أدخل الفن التشكيلي الحديث الى الصين، وسَخر من كلاسيكية فنون أبناء بلده التي لم تتطور منذ مئات السنين. ناشط سياسي ومخرج أفلام تسجيلية ومُصور فوتغرافي، يتبعه ملايين من المعجبين على موقع “توتير”، وأثار إعتقاله في الصين في عام 2011 ضجة عالمية غير مسبوقة. المخرجة الامريكية أليسون كلايمان سجلت يوميات آي ويوي لعام ونصف وقدمتها في الفيلم التسجيلي ” آي ويوي: أبدا غير آسف”.

الأحداث التي مرت على آي ويوي في عام ونصف (زمن تصوير الفيلم)، ربما لا يعيشها أغلبنا في حياة طويلة كاملة، فهو عرض في عام ونصف أعمال فنية في عدة عواصم اوربية، منها معرضه الكبير في متحف “تيت مودرن” في لندن، وآخر في برلين. كما تعرض الفنان الصيني خلالها لأزمة صحية إستدعت عملية عاجلة في الرأس، الفترة إنتهت بإعتقال آي ويوي، ثم إطلاق سراحه بعد حوالي شهرين من السجن، وفي الفترة التي لازمته كاميرا المخرجة الأمريكية، قامت السلطات الصينية بهدم الأتيليه الفني الخاص به. لكن الحدث الأبرز في زمن تصوير الفيلم، كان نشاط آي ويوي في الصين للتذكير بمآساة مقتل طلاب صينيين بسبب الإنهيار السريع لمدارسهم بعد زلزال عام 2008، والذي كشف الفساد المستشري في بنية الحياة الصينية، فتجاوزات تقنية أثناء بناء المدارس تلك أدى الى تدميرها السريع بفعل الزلزال ومقتل 5,335 طالباً.
هز حادث إنهيار المدارس آي ويوي من الأعماق، فتحدث بعاطفية غير معروفة عنه لكاميرا الفيلم التسجيلي عن المآساة التي يعيش فيها أهل التلاميذ الصغار، فالحياة توقفت لهؤلاء منذ رحيل أبنائهم، والبلد الذي فرض قانون الأبن الواحد للعائلة، قَتل فساده الأبناء الوحيدين لآلف الصينيين. يبدأ آي ويوي بعدة نشاطات لتسليط الإنتباه على تقصير الدولة، فأطلق مبادرة لوضع كل صور الضحايا في موقع ألكتروني خاص، وناشد ناس عاديين لقراءة أسماء الضحايا على الموقع، في إحتفال خاص بذكراهم. أزعج نشاط الفنان الصيني حكومته، فوضعت العراقيل في عجلة كل نشاط علنيّ دعا إليه. كاميرا الفيلم التسجيلي صورت بهذا الخصوص لحظات متفجرة لمواجهات بين آي ويوي والسلطة، عندما واجه الفنان الصيني الأمن الذي كان يتعقبه في كل نشاط علنيّ، وسأل أفراد منه بجرأة كبيرة: ” لماذا يتبعوه؟”، كما قَلَبَ آي ويوي اللعبة على قوى الأمن، عندما وجه كاميراته الصغيره الى هؤلاء وبدأ بتصويرهم.
يَنسحب الشأن الفني لآي ويوي للخلفية قليلاً مع هيمنة النشاط السياسي على حياته في السنوات الأخيرة، وهو أمر لا تتحمل مسؤوليته المخرجة، التي سجلت فقط ما مر على الفنان من أحداث لعام نصف، رغم ذلك، كانت كاميرا الفيلم هناك، في كواليس التحضير لمعرض آي ويوي في لندن، وبالخصوص لعمله المعروف “حبات عبّاد الشمس”، والذي قام فيه الفنان بوضع عبارة “صنع في الصين” على 100 مليون حبة من عباد الشمس وفرشها على مساحة كبيرة في الطابق الأرضي للمتحف البريطاني. بدا ان الفنان لا يحبذ الحديث عن أعماله الفنية، وحماسه يَتفجر فقط على وقع أحداث من بلده، فهو يقفز من الفرح، عندما يتم الإعلان عن فوز الناشط السياسي الصيني ليو شياباو بجائزة نوبل للسلام، لنشاط الأخير في الصين والذي قاده الى السجن.

لا يكتفي الفيلم بالراهن من أحداث حياة آي ويوي، هو يعود الى ماضيه، مستعرضاً أهم المحطات فيها، فالأبن القادم من عائلة معارضة، كان من أوائل الطلبة الصينين الذين وفرت لهم الدولة فرص الدراسة خارج الصين، فتوجه في بداية الثمانينات من القرن الماضي الى نيويورك، حيث سيتعرف فيها على الفن الاوربي والغربي الحديث الذي سيخطف قلبه، كما سيتأثر باجواء الحرية في المدينة. تعود المخرجة لكل هذا من خلال إستعادات موفقة كثيراً لم تعكر التسجيل المحموم للحاضر، فالفيلم ينتقل في اللحظات المناسبة الى الماضي، فيقدم صور فوتغرافية نادرة لآي ويوي، كبوهيمي في “نيويورك”، ثم ينتقل بعدها الى الحياة المعاصرة للفنان، والتي يقدمها بشفافية وصدق لافتين، فسنتعرف في سياق الوثيقة التسجيلية هذه على الأبن الغير شرعي للفنان، والذي لم ينهي وجوده علاقة طويلة لآي ويوي مع زوجته، كما ستطل والدة الفنان في الفيلم، والتي تظهر في مشاهد باكية خوفاً على سلامة إبنها، والمهددة دائماً من السلطات الصينية.