من سينما “فؤاد” إلى سينما “دوما”
الصدفة تعيد المنشرة صالة سينما
بيروت- الجزيرة الوثائقية
في الوقت الذي تصارع فيه دور السينما في المدن من أجل البقاء، تفتتح في بلدة دوما اللبنانية الجبلية صالة سينما، تحيي عشرات الأفلام التي مضى عليها عشرات السنين، ومنها ما لم يعرض سابقا.
والصالة ليست جديدة، فقد كانت تستخدم كسينما أوائل الخمسينات من القرن الماضي، لكن ظهور التلفزيون، وعناصر أخرى غير جلية، لعبت دورا في إقفالها، لتستخدم منشرة تصنع الحاجيات الخشبية.
وقد لعبت الصدفة دورا في إعادة الصالة إلى دورها السابق كدار للسينما، في قبو منزل جبلي تراثي البناء. وتعرض فيها اليوم عشرات الأفلام مجانا، حيث تضافرت عناصر متعددة لإعادة إحيائها، فأمكن تجهيزها مجددا بالكراسي، والعارضات (بروجكتورات)، والشاشة، بعد إعادة ترميم البناء الذي لحقت به التشوهات الكثيرة مع مرور الزمن.

القيم على المشروع هو المهندس المعماري أنطوان فشفش، وهو متخصص في تنظيم المدن وترميم الأبنية الأثرية، ويحتل منصب رئيس قسم الهندسة المعمارية في جامعة الكسليك، كما أنه مستشار لوزير الثقافة بما يخص الأبنية التراثية. يروي فشفش أنه منذصغره، كان عندنا مبنى يسميه العامة السينما، ويقولون نحن ذاهبون إلى السينما، أو عائدون من السينما من دون أن تكون هناك سينما، بل منشرة. كنت أتساءل كيف هي سينما لكنها منشرة. تحولت السينما إلى منشرة وظل الناس يسمونها السينما. إلى أن كبرت وعلمت أن أحد ابناء البلدة كان يعمل في نطاق السينما ببيروت، اسمه فؤاد صوايا، نقل تجربة السينما إلى البلدة، وأسس الصالة وأطلق عليها اسم سينما “فؤاد”، وهي صالة سفلية في منزلنا سمح أهلي لأحد أبناء البلدة باستخدامها كمنشرة”.
اكتشاف السينما
يتابع فشفش راويا قصة السينما: “عندما تخصصت بالهندسة المعمارية بحثت كيف يكون هذا المبنى سينما؟ تبين لي أن أرقام الكراسي ما زالت مطبوعة على الجدران، والغرف التي كانوا ينفذون العرض منها (بروجكشن) موجودة، ونافذة بيع البطاقات مصنوعة من الحجر، والأرض تحولت إلى شكل منحدر بحيث لا يسد الجالس من الأمام المنظر عن الجالس من الخلف. كل عناصر السينما كانت موجودة. كان ذلك اكتشافا، ومنذ ذلك الوقت اتفقت مع النجار الصديق لنا، واشترطنا عليه تفريغها عند حاجتنا لها، وكان ذلك منذ 15 سنة، وأقمنا احتفالات عديدة في السينما بعد ترميمها، واستخدمنا بداية الكراسي البلاستيك، وآلة عرض “أل سي دي”.
تكرار استخدام الصالة كسينما مجددا لفت نظر الجمهور إلى ضرورة إعادتها إلى سينما، وكان وزير من أبناء المنطقة هو وزير الطاقة جبران باسيل يتردد على البلد. يقول فشفش أن باسيل كان كل مرة يصر على أهمية تشغيلها كسينما، ويركز على ترميمها. قلت له أن ذلك صحيح لكنه مكلف، وأخبرته أن أستثمر اليوم في السينما فهذا صعب وليس من الأولويات، فتبرع بالمساعدة، وجاءني لاحقا برفقة وزير السياحة فادي عبود، ومعهما ماريو حداد صاحب شبكة أمبير السينمائية Circuit Empire، وذلك منذ سنتين”.
دخل الجميع الصالة ودهشوا لما رأوه، فتبرع حداد بتقديم كل التجهيزات مجانا، أما وزير السياحة فقرر تأمين “عقد تشغيل” للسينما من موازنة الدولة. يقول فشفش: “نقلنا النجار إلى مكان آخر، وتوليت عملية الترميم بنفسي، وعند الانتهاء من الترميم، أتت مؤسسة شبكة أمبير، وجهزت الصالةب70 كرسي من المستوى الجيد جدا، مع احدث التجهيزات التي تعمل بها أفضل سينمات بيروت. ولا نزال ننتظر وصول المساعدة التي وعدنا بها الوزير عبود وهي عقد التشغيل لنطور العمل”.
ويبدو أن فؤاد صوايا ترك العمل في بيروت لسبب ما، وقرر أن يفتح سينما في دوما سنة 1951، تسع سنوات قبل ظهور التلفزيون بلبنان. يلاحظ فشفش أنه “لم يكن الناس معتادين على رؤية شاشة عليها حركة. كانت السينما اكتشافا كبيرا لسكان الريف” ذاكرا أن “أول فيلم عرض فيها يومذاك كان “عنترة وعبلة”.
ويتحدث فشفش عن ظواهر ظريفة رافقت انطلاق السينما نقلا عن القدماء منها أن شخصية ظهرت في الفيلم تركض باتجاه الناس على الحصان، فسقط الحصان مما أدى إلى هرب الجمهور إلى الخارج. وكان الفيلم يعاد عرضه من البداية عند وفود أي مشاهد جديد وصل متأخرا بعض الوقت عن موعد التشغيل. وعندما يشتد الحر، كان مدير السينما يطلب من الجمهور رفع الأرجل ليصب الماء تحتها للتبريد.
ويذكر أن العمل بالسينما استمر 8-9 سنوات، وبعد ذلك أقفلت ويرجح أن السبب هو التلفزيون، وتم افتتاح السينما العام المنصرم، وكانت باكورة الأعمال استضافة الممثلة والمخرجة نادين لبكي مع فريق عملها.

تطور العمل
بعد عودة الروح إلى الصالة، ووضعها على سكة التشغيل أطلق عليها اسم سينما “دوما”، ارتأى فشفش وفريقه البحث عن أفلام قديمة، من جهة ترضي ذوق الجمهور، ومن جهة ثانية تعيد إلى كثيرين الحنين لمرحلة صعود السينما. يقول فشفش أنه من الطبيعي أن أطرق باب وزارة الثقافة حيث أعمل، واخترت عشرة أفلام وطعمتها بفيلم لشوشو وآخر لفيروز مما هو متوافر في السوق. وبدأنا تقديم العروض مطلع الصيف، وكل اسبوع هناك أفلام جديدة للعرض المجاني. الجمهور نخبوي إجمالا. الأسبوع المنصرم عرضنا فيلم “الأخرس والحب”، لمنير معاصري وريمون جبارة وسميرة بارودي، وفيليب عقيقي، حضر الفيلم عدد قليل لكنهم خرجوا جميعا مسرورين وعبروا عن سرورهم بمشاهدتهم لوجوه بارزة لم يشاهدوها منذ أربعين عاما. الفيلم لم يكن أحد يعرف به. الممثلون أقوياء وأصحاب مواهب كبيرة، والسيناريو ذكي، ويكفي ذلك لتأسيس فيلم ناجح”.
ماذا بعد؟ يختم: “هذا الشهر سنعرض عشرة أفلام، وبعد ذلك نتجه لعرض أفلام جيمس بوند لمختلف أبطاله. وفي حال حصلنا من الدولة على عقد التشغيل، سنجهز الصالة بالمدافيء لكي نواصل العروض شتاء فنحن على ارتفاع كبير وتعيش البلدة حالة من البرد الشديد. المسألة فرضت نفسها ونحن تلقفنا اللحظة عن غير سابق تصميم”.
الأفلام المختارة للصيف الحالي هي:
“الفرق نمرة” لشوشو، و”بياع الخواتم” لفيروز، “الأخرس والحب” لمنير معاصري وريمون جبارة، “عروس من دمشق” لسميرة توفيق، “الجكوار السوداء” لإحسان صادق وطروب وسمير شمص، “أمي العزيزة” لشوشو، “بنت الحارس” لفيروز، “حسناء البادية” لسميرة توفيق، “و.س.” لشوشو.