باقة من الأفلام العربية في مهرجان سراييفو
عدنان حسين أحمد
انطلقت فعاليات مهرجان سراييفو السينمائي في السادس عشر من أغسطس / آب الجاري وسوف تستمر لغاية الرابع والعشرين منه حيث شاهد القائمون على المهرجان (750) فيلماً بينها (200) فلم روائي و (150) وثائقي و (400) فلم قصير تتوزع على محاور المهرجان السبعة عشر من بينها برامج المسابقة، تحت المجهر، تيارات جديدة، الهواء الطلق، أفلام قصيرة، شريط سينمائي، تكريم، ليالي لاسكو الصيفية، برنامج الأطفال وسواها من المحاور الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقاتها. وقد سجّلت الدول العربية مشاركة جيدة بأحد عشر فلماً شملت مصر ولبنان وفلسطين والمغرب وتونس والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية. أما الأفلام المشاركة فهي “الخروج للنهار” لهالة لطفي، و “مع إنني أعرف أن النهر قد جفّ” لعمر روبرت هميلتون، “لما شفتك” لآن ماري جاسر، “عالم ليس لنا” لمهدي فيلفل، “المتسللون” لخالد جرّار، “اللعنة” لفيصل بوليفة، “بناية الأمة” للاريسا سانسور، “عمر” لهاني أبو أسعد، “حرمة” لعهد كامل، “يا من عاش” لهند بو جمعة و “رجل خطير جداً” لخالد مازن،.
الفجائع الأسرية

بقيَ فلم “الخروج للنهار” لهالة لطفي في إطار الدراما البيتية التي قيّدت حركة الممثلين في إطار المنزل لمدة طويلة من الزمن، ولولا أن الفلم كان يتوفر على خطاب سينمائي ينطوي على تحديات عديدة لما نفع معه خروج المرأة العانس التي بلغت منتصف الثلاثينات من منزلها لتستمتع بضوء النهار في الأقل. يمكن القول بأن الفلم يرتكز على ثلاث شخصيات وهي الأب المشلول الذي أصيب بجلطة في المخ فأصبح طريح الفراش وزوجته الممرضة، والبنت التي تشرف على رعاية والدها المريض الذي لا يفقه ما يدور حوله وكأنه فاقد للذاكرة. تتكشف العلاقة الإنسانية بإيجابياتها وسلبياتها بين هذا الثلاثي من خلال قيامهم بأفعال رتيبة مثل إطعام الأب المريض وتنظيفه بين أوان وآخر، وطبيعة العلاقة التي يبدو متوترة بين الأم وابنتها العانس التي تهتز في أثناء الزيارة المفاجئة التي يقوم بها شخص غريب. أنجزت المخرجة هالة لطفي عدداً من الأفلام الوثائقية أبرزها “كل ذلك الصوت الجميل”، “رجاء عدم الانتظار”، “نموذج تهاني”، “صور من الماء والتراب” و”عن الشعور بالبرودة”.
يعالج فلم “مع أني أعرف أن النهر قد جفّ” للمخرج الفلسطيني عمر روبرت هاميلتون موضوعة حساسة جداً حيث تبدأ القصة حين يعود إلى فلسطين ليحيا من جديد صدمة الماضي والخيار الذي أرسله إلى أميركا، إذ كان عليه أن يختار بين جواز سفر لطفله الذي لم يولد بعد أو بين الملاذ الآمن لأخيه الناشط السياسي فتتشوّش حساباته بين ماضي أخيه ومستقبل ولده وأن تشبّثه بأحد الخيارين يسبّب لا محالة كارثة للعائلة برمتها. سبق لعمر روبرت أن أخرج العديد من الأفلام نذكر منها “الشعب يريد إسقاط النظام”، “مجموعة مُصرِّين” و “حين أمدّ يدي”.
يدور فلم “حرمة” للسعودية عهد كامل في إطار المعضلات الأسرية. فأريج أرملة حامل في أول طفل لها، يبتزها عبدالله، شقيق زوجها الذي يعتبر ولي أمرها، ويطالبها بتسديد دَين زوجها الراحل وإلاّ فأنه سيضع يده المنزل. تحاول أريج أن تجد عملاً، لكن هذه الفرصة لن تتحقق في السعودية بسهولة بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية البالية، ثم تلتقي بعلي مصادفة وهو شاب يمني لا مأوى له فتأخذ الأحداث منحىً آخر. في رصيد عهد كامل عدد من الأفلام المثيرة للجدل بينها “القندرجي” و “ثلاث ملكات”.
لا يخرج فلم “اللعنة” للمغربي فيصل بوليفه عن إطار المشاكل الأسرية والعاطفية حيث تغامر “فاتن” بالذهاب من قريتها النائية للقاء حبيبها القديم، لكن صبياً صغيراً يضبطها، ومع ذلك فلم يشغل ذهنها شيئ. كانت تفكر فقط بالعودة إلى منزلها.
الوطن السليب
تحتل الهواجس الفلسطينية بعضاً من الأفلام العربية المشاركة في مهرجان سراييفو السينمائي حتى وإن أخذ بعضها طابعاً فنتازياً مثل فلم “بناية الدولة” للمخرجة لاريسا سانسور التي تقدّم حلاً للمشكلة الفلسطينية المستعصية حيث تقترح إقامة دولة فلسطينية في ناطحة سحاب ضخمة جداً تضم الشعب الفلسطيني برمته كي يعيشوا حياة مترفة ورغيدة بعيداً عن نقاط التفتيش والجدران العازلة. من أبرز أفلامها “بيت لحم”، “أيام سعيدة” و “أركضي يا لارا أركضي”.

تتكرر فكرة الجدار العازل في فلم “عمر” لهاني أبو أسعد، صاحب أفلام “الجنة الآن”، “عرس رنا” و “القدس في يوم آخر” حيث يسرد الفلم قصة الخبّاز عمر، الشاب المتيّم بفتاة فلسطينية تقيم في الجانب الآخر من الجدار العازل الذي يضطر لتسلقة بغية رؤية حبيبته، ولكن عليه أن يتفادى رصاص الجنود الإسرائيليين الذي لا يتورعون عن فتح النار في أية لحظة. يتحرّق عمر شوقاً لفكرة الزواج من حبيبته غير أن خطته تنحرف عن مسارها المرسوم غبّ تورطه في الهجوم على الجنود الإسرائيليين. تتصاعد الأحداث حين يطلبون منه أن يتحول إلى مخبر فيبدأ لعبة القط والفأر كي لا يقع في الفخ المنصوب له خصوصاً وأنه كان يريد أن يفنّد فكرة “الخيانة” التي ألصقها به الشارع الفلسطيني بعد أن حامت حوله الشكوك والشبهات.
تحضر فلسطين مرة ثالثة في فلم “لما شفتك” للمخرجة آن ماري جاسر التي يتمحور فلمها حول ولد وأمه يرحلان في حقبة الستينات من فلسطين إلى الأردن. ويحاول هذا الصبي أن يفهم معنى وجوده في المخيّم، ولماذا أصبحوا لاجئين؟ فهو يريد العودة إلى بلده السليب لكنه لم يحصل على إجابة مقنعة من أحد. حصدت جاسر العديد من الجوائز عن فلمها ذائع الصيت “ملح البحر”. أما الحضور الرابع لفسطين فسيكون في فلم “متسللون” لخالد جرّار حيث يسلّط المخرج الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني بمختلف طبقاته الاجتماعية حيث يبحث سائقوا السيارات عن منفذ لهم كي يجتازوا متاهات نقاط التفتيش والحواجز المحيّرة ولكثرة دورانهم في الشوارع فقد وُصف “متسللون” بأنه من أفلام الطريق التي ترصد متاعب الفلسطينيين وآلامهم اليومية الكبيرة. تحضر فلسطين مرة خامسة في فلم “عالم ليس لنا” للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، لكن الأحداث تدور هذه المرة في مخيم “عين الحلوة” في جنوب لبنان حيث يرصد الفلم ثلاثة أجيال مستذكراً العديد من المَشاهد واللقطات القديمة التي تعود لهذه العائلة فالفلم يأخذ شكل البورتريت وطبيعته، لكنه يتجاوز حدود العائلة ليعبِّر عن الوطن. هذا الفلم هو دراسة حساسة، كما يقول فليفل، ومحاولة جدية لإلقاء الضوء على فكرة الانتماء والعائلة والصداقة. وربما تكون علاقته الحميمة بصديقه القديم “أبو إياد” هي محاولة أخرى لتجسيد شغهما بالسياسة الفلسطينية من جهة، وحبهما للموسيقى الحزينة من جهة ثانية، وولعهما اللامحدود بكرة القدم ومتابعة مبارياتها في المقاهي الشعبية من جهة ثالثة. يختصر فليفل فلمه حينما يصفه بأنه “محاولة لتسجيل ما تمّ تناسيه”. أخرج فليفل عدداً من الأفلام نذكر منها “شادي في البئر الجميل”، “عرفات وأنا” و “أربعة أسابيع”.
هموم عربية

يرصد فلم “يا من عاش” للتونسية هند بوجمعة حياة “عايدة”، وهي امرأة تونسية تنتمي إلى الطبقة الفقيرة التي كان النظام السابق ينفي وجودها. تحاول عايدة من خلال هذه اليوميات أن تسجل سيرة كفاحها المتوالي بغية تحقيق شروط العيش الكريمة. فهذه السيدة لا تريد أن تنظر للوراء، فقد أمضت جلّ حياتها وهي تنتقل من حي فقير إلى آخر أكثر فقراً، وكل ما كانت تنشده هو سقف يغطي رؤوس أطفالها لا غير. كما أنها مقتنعة بالثورة التي تسمّيها “نعمة” علّها تضع حداً للفوارق الطبقية وتقلل من مساحة الهوة الكبيرة التي تفصل بين الفقراء والأغنياء. الفلم الحادي عشر والأخير يرصد صيف بيروت عام 2012 حيث تبدو الحياة طبيعية فيما تستطيع أن تقدِّمه هذه المدينة، لكن هناك شيئاً ما يتوارى خلف المشهد. شيئ يغلي تحت السطح وقد ينفجر في أية لحظة. فبينما ينهمك الناس في أعمالهم وهمومهم الخاصة ثمة ناشط سياسي يُلاحق في شارع الحمرا ليعيد إلى الأذهان فكرة قمع الحريات الخاصة والعامة.
لابد من الإشارة في خاتمة المطاف إلى أن مهرجان سراييفو السينمائي قد انطلق بعد حصار سراييفو الذي انتهى عام 1995 ليعيد للمدينة نفسها الكوزموبوليتاني. يركز هذا المهرجان على القسم الشرقي والجنوبي من أوروبا. ويمنح المهرجان عدداً من الجوائز أهمها جائزة قلب سراييفو لأحسن فلم قيمتها (16.000) يورو، جائزة التحكيم الخاصة وقيمتها (10.000) يورو، وجائزة قلب سراييو لأحسن فلم قصير وقيمتها (2.500) يورو، وجائزة قلب سراييفو لأحسن فلم وثائقي وقيمتها (2.500)، ونفس قيمة الجائزة لأحسن ممثلة وممثلة.