الكاذب: زووم على الشباب وعلاقة الآباء بالأبناء
ضـاويـة خـلـيفة – الجـزائـر
تابع مؤخرا الجمهور الجزائري أخر أعمال المخرج السينمائي ”علي موزاوي” العائد لصالات العرض بفيلم روائي مطول اختار له عنوان ”الكاذب” الذي حقق صاحبه القليل وفشل بل أخفق في الكثير، لكنه رغم ذلك منح الشاشة وجوه فنية جديدة شابة وواعدة تمتلك طاقات كبيرة وتعد بالكثير إن وفر لها التكوين والتأطير اللازمين، فبعضهم من أول ظهور له جلب الأنظار ولقي أداءه الإعجاب بتمثيل متميز رغم نقص الخبرة، هذه الأخيرة التي توفرت لدى جيل أخر من الفنانين أمثال ”شكيب أرسلان” وبعض الممثلين الذين اعتمد عليهم المخرج ليحدث التوازن بين الجيلين، وبين العربية والأمازيعية تراوحت لغة الكاذب وبتركيبات شعرية ومقاطع موسيقية صمم موزاوي أخر أفلامه التي أراد من خلالها ولوج عالم الشباب ومقاسمة هذا الجيل بعض مشاكله التي لم يجد اليأس طريقه إليها.
الكسب السريع الذي يتأتى من تجارة المخدرات، مشاكل الشباب الاجتماعية وحلم الاستقرار مع فتاة الأحلام، العيش حياة الرفاهية وتطليق المعيشة البسيطة، كانت المواضيع الرئيسة والعناصر الكبرى التي بنا عليها موزاوي فيلمه الذي كان أقرب للمسلسلات التلفزيونية في مدته، تفاصيله و طرحه بل انتقاله الغير منطقي من موضوع لأخر ما افقده روحه السينمائية، وبالعودة إلى العناصر المكونة للعمل فقد ركز المخرج في الشق الثاني على علاقة الآباء بأبنائهم باختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم كعلاقة ”ليلى” بطلة الفيلم بوالدها المجاهد الثوري المقعد والذي يمثل أيضا الرجل المتفهم، المتحضر والمثقف، وبالمقابل العلاقة المتوترة وعدائية عبد الرحمن لوالده العامل البسيط، حيث كان يظهر صاحب العمل وفي كل مرة تذمر الابن من هذه المعيشة وتحميل الأب كامل المسؤولية على حالة الفقر التي يعيشها وإخوته، هذا وارتكز فيلم الكاذب أساسا على ثلاث قصص وشخصيات، عبد الرحمن (شريف عزرو) الشاب الميكانيكي وتاجر المخدرات الذي يمضي في الكذب على حبيبته ليلى (ياسمين بوخليفة) ابنة المجاهد المقعد الذي تتجلى فيه صفات التحضر، وكذا مجيد تمثيل (فريد شرشار) الفنان التشكيلي الذي يمثل بشكل أو بأخر معاناة الفنان من التهميش في وطنه والذي يعيش بمعزل عن أحلامه التي تخلى عنها…

فقد قدم كل ذلك المخرج من خلال قصص هي أقرب من خيط الوريد إلى الواقع الذي يعيشه الشباب الجزائري اليوم، فبداية الكاذب كانت من البيت الهادئ لعائلة الفتى الساخط على حاله وعلى العيشة الضنك التي يحياها وعائلته في إحدى مناطق القبائل والذي يجره كذبه للانحراف ولكي يوهم حبيبته بأنه من عائلة محترمة غنية يواصل في طريقه الذي غالبا ما ينتهي بالانتقام وتصفية الحسابات، حكايات كان مستهلها بقصة الحب التي جمعت بين المعلمة ”ليلى” و”عبد الرحمان” الذي ورغم صدقه وطهر حبه كان في كل مرة يلبس قناع الكاذب، وبما أن ذاك الطريق يكون دوما مكشوفا كونه قصير المدى وغير مضمون فانه يمهد لطريق أخطر وهي المتاجرة في المخدرات ضمن شبكة متخصصة، وبتطور الأحداث تنكشف حقيقته و يزج به في السجن، حينها تتغلب حنكة وحكمة الأولياء على طيش الشباب، و ينتهي العمل حيث يجب أن تنتهي حكاية كل كاذب فينتصر الحق ويزهق الباطل، حينها يدرك عبد الرحمن قيمة كل كلمة ونصيحة كان يقدمها الوالد الأكثر تجربة في الحياة والأكثر دراية بخباياها والمقتنع بضرورة أخذها وتقبلها على بساطتها بدون تزوير أو تجميل للذات لإرضاء الغير رغم قبول الأخر لنا كما نحن.
وفي حديثه للجزيرة الوثائقية أكد “علي موزاوي” أن هذا العمل أنجز بقليل من الإمكانيات -المتواضعة- و بميزانية لا يمكنها حتى إنتاج فيديو كليب متواضع على حد قوله ومع ذلك لم يكشف عن قيمة المبلغ المالي الذي خصص لهذا الإنتاج، ليكتفي بالقول أن التمويل من أهم المشاكل التي لا تزال تواجه السينمائيين الجزائريين والفنانين عموما، وأضاف قائلا “المخرج الجزائري لا يتقيد بعمله كمخرج بل يساعد في كامل التركيبة مثلما حدث في هذا الفيلم، وعدم وجود سيناريوهات جيدة يعد من أهم المشاكل التي تحول دون تطور السينما الجزائرية”.
مخرج ”ميمزران” بالأمس و ”الكاذب” اليوم يرى أنه كسينمائي ليس من مهامه سرد الوقائع بأدق تفاصيله بل المساهمة في إحداث تغيير في المجتمع الذي يعيش فيه بالعودة قليلا إلى الخيال كنموذج لذاك التغيير، فتناوله لظاهرة الانحراف، الكذب والمخدرات جاء استجابة لتحولات هذا العصر الذي يعرف انتشارا كبيرا لمثل هذه الآفات والتي يجب تقديمها بلغة فنية وقالب سينمائي، وهو ما أراده من خلال آخر أفلامه التي قدمها باللغتين العربية والأمازيغية، الأمر الذي يراه موزاوي ديناميكية لغوية.

ومن الهفوات التي سجلت في العمل بعض المشاهد التي لم يجد المشاهد لها لا لزوم ولا تبرير، وبعض اللقطات التي بقيلت مبهمة ولم يفهم السياق الذي اندرجت فيه، كما أن اختيار المخرج لهذا العنوان ”الكاذب” لم يكن ملما وعاكسا لمحتوى المواضيع المطروحة أمام المشاهد، حتى وإن كان قد سلط الضوء على كذب الشاب الميكانيكي فإنه استخرج بالمقابل مشاكل أخرى بدأت بالكذب وتعدت حدوده الشرعية، ومن النقاط التي أخفق فيها المخرج أيضا انتقاله المشتت لانتباه المشاهد من قصة لأخرى وافتقاده للتسلسل في السرد فتهنا متسائلين إن كنا نتابع فيلم عن المخدرات، الكذب، أو الهوية الأمازيغية التي كان يتحدث عنها عبد الرحمان و صديقيه في مرور مقحم لا علاقة له بالموضوع الذي كان يتناقش فيه الأصدقاء الثلاثة، و بالتالي كل هذه التفاصيل أترث كثيرا على العمل وقلصت من جمالية الصورة والتركيبة الفنية التي أرادها موزاوي.
علي موزاوي في سطور :
علي موزاوي مخرج جزائري من مواليد سنة 1952، تحصل على شهادة مساعد مخرج في 1973، بعدها تابع دراسته بمدرسة السينما السوفياتية بين 1974 و 1980 أين تحصل على شهادة مخرج اختصاص فيلم فني وحاز كذلك على ماستر في الفنون، من بين أشهر أعماله السينمائية “ميمزران البنت ذات الضفائر” و”مولود فرعون”، له أيضا العديد من الأفلام الوثائقية “على أجنحة الريح” و”دا لمولود”، يعمل حاليا على فيلم وثائقي بعنوان “صديقي …” والذي يلخص حياة، مواقف ومحطات فنية هامة من تاريخ الفقيد عبد الرحمن بوقرموح ”صاحب فيلم الربوة المنسية” الذي توفي منذ أشهر.