تغيرت الأنظمة العربية ولم تتغير الدراما

غزة-أسماء الغول
لم تصمد المسلسلات الرمضانية أمام طول أيام الشهر الفضيل فقد وقعت في النصف الثاني منه بالحشو والأحداث غير المبررة درامياً، فمسلسل مثل “لعبة الموت” بطولة عابد فهد وسيرين عبد النور بالرغم من ان الفكرة ليست أصيلة وتعود لفيلم جوليا روبرتس الشهير “النوم مع العدو” إلا أن قدرة عبد النور الهائلة على تقمص الدور وكذلك عابد فهد الذي لعب دور الزوج المتسلط حبست الأنفاس في الحلقات الأولى، لكن ما لبث التطويل والمط والتركيز على أنوثة البطلة أن سحبت حيوية المسلسل.
وفي نفس التطويل والحشو وقع مسلسل “ذات” عن رواية لصنع الله ابراهيم حملت الاسم ذاته، فقد كان يسير المسلسل بشكل عبقري جعل اسمه الأكثر تردداً على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة أنه يصور مراحل مهمة في التاريخ المصري، ولكن ما لبث بعد منتصف الشهر أن غلب عليه البطء والتكرار وعدم الاهتمام بتفاصيل الحقب التاريخية وكذلك الوقوع بالأخطاء، وربما يعود السبب أن مخرجيّن قاما بإخراج المسلسل لكل واحد منهما أسلوبه ولونه فالنصف الأول من الحلقات كان من إخراج كاملة أبو ذكرى، والنصف الثاني لخيري بشارة ما غيب الروح الأولى للمسلسل.

ولا يخرج مسلسل “فرح ليلى” من الدائرة ذاتها فنرى تكاثر للحبكات الفرعية والتي بالفعل غدت أكثر أهمية من الحبكة الرئيسية وهي قصة ليلى الأخت الكبرى المضحية والتي كاد أن يفوتها قطار الزواج لأنها لعبت دور الأم للجميع.
 وجاء اهتمام المُشاهد بقصة شقيقتها التي تتزوج بالسر بشكل أكبر من بقية الأحداث التي فرّغت علوي معظمها من مضمونه بالعواطف الزائدة في الحب والدهشة والشفقة والبكاء لتكون الملاك الحارس للجميع وهو ما لم يخرج عن أدوارها الأخيرة في التلفزيون، الأمر الذي سبب مللاً عند المُشاهد الذي لا يزال يذكر دورها العظيم في رمضان 2003 بمسلسل “حديث الصباح والمساء”.
 ويحسب لمسلسل “فرح ليلى” أنه ركز على دور الفن الغنائي والجرافيتي في الثورة بشكل مميز، ولكن كانت الفقرات الفنية للرقص والغناء طويلة ومنفصلة عن الخط الدرامي.
وما يثير الإحباط أن أغلبية المسلسلات احتوت على حشو مشاهد الحوادث والموت دون سياق درامي مبرر وفي شخصيات شديدة الشر أو شديدة الخير لا تعبر عن الواقع كما مسلسل “الشك” الذي تمثل فيه رغدة ومي عز الدين أدوار بالغة السطحية، وكالعادة تقوم مي عز الدين بأداء دور لشخصيتين مصرة على ابراز مواهبها في التقمص للاستعراض التمثيلي وليس لخدمة السيناريو، ما يجعل المتابع يحزن على ممثل بحرفية “مكسيم خليل” الذي كان دوره في “الشك” بمثابة غلطة الشاطر خاصة بعد مقارنته بتألقه في مسلسل “روبي”.
الفخامة والثراء الفاحش والسيارات والمكياج المبالغ فيه كلها صفات مشتركة في المسلسلات التي نسي القائمون عليها أنها تأتي في وقت الفقر والأزمات المالية والاجتماعية الكبرى، فلا تقترب هذه الدراما حتى من واقع المواطن العربي قيد أنملة ونادرا ما نجت مسلسلات مثل “فرح ليلى” من هذا الاستعراض المادي الذي عادة ما يأتي بغرض الابهار ليعوض نقصا فنياً.
ولم تكن الدراما هذا العام على مقدار تطلعات ما بعد الثورات، فالطبقة المتوسطة غائبة وما يتم تقديمه كمقابل للطبقة الغنية هي طبقة العشوائيات والجرائم والفقر الشديد رغم ما لعبته الطبقة المتوسطة من دور رئيسي اثناء الثورة وبعدها، كأن تلك المسلسلات أرادت تقديم نموذج الساعي نحو الثورة والمال النموذج المُشتهى للمواطن العربي.

وهذا ينطبق على مسلسلي “الداعية” و”حكاية حياة”، وللإنصاف فإن مسلسل “الداعية” قدم حلقات وسيناريو وشخصيات عميقة وبُعد يثير الفكر والجدل داخل المُشاهد وهو ما ينقص مسلسلاتنا العربية التي فيها تسطيح غريب للشخصية العربية والأحداث التي تمر حولها، ولكن أيضا في الحلقات الاخيرة من مسلسل الداعية وقع في نفس الخطأ من المط خاصة في أثناء تقديمه نموذجاً فجا للشخصية الثورية قدمته الممثلة بسمة التي لم تكن في أفضل أحوالها فقد قدمت دور المناضلة بأداء شعاراتي مضحك وغير مقنع يشبه بذلك التغيير الذي يحدث ليوسف وهو الداعية الذي تحول لعاشق لصوت فيروز والمرأة المتحررة وقصائد المتنبي، حتى أنك تشعر للحظة أن يوسف يمثل عمرو حمزاوي زوج بسمة في الواقع خاصة حين يعترف الداعية أمام العلن انه يحبها وهو ما فعله حمزاوي في مقال له عن بسمة.
 والفترة الزمنية لمعظم المسلسلات إما أثناء الثورة أو بعدها أو خلال التحضير لها ومسلسل “الداعية” ركز على فترة حكم الاخوان وكأنه كان يبشر بما يحدث الآن من أزمة سياسية، كما صَور أن الشخصية الثورية كانت من الطبقة الغنية، وهو ما ليس صحيحا.
عدم واقعية الشخصيات والأحداث وفِجة الثوري والغنى الفاحش والابهار البصري في الديكورات وشخصية الاسلامي المتشدد في أبشع صوره كلها كانت عوامل مشتركة في معظم مسلسلات هذا الرمضان ما أشعر المواطن العادي كأن هذه الدراما تم تمثيلها في دول أخرى وليس دوله التي شهدت الربيع العربي، فيبدو أن ثوراتنا نحن الشباب اسقطت الأنظمة لكنها لم تسقط الدراما البائدة.
أما مسلسل “حكاية حياة” فهو حكاية لوحده، لأن ذكاء غادة عبد الرازق جعل لها خطاً  درامياً منذ مسلسلها “مع سبق الاصرار”  ولكن هل هذا الخط مطروحا ليعيش أم أنه للاستهلاك؟.
أعتقد أنه للاستهلاك فلا تستطيع أن تشاهد حلقة من مسلسل عبد الرازق مرتين ليس فقط لكمية السُباب والصراخ التي تحويها المَشاهد بل لأن الاشباع الذي تعطيك إياه من الشر المبالغ فيه والتمثيل المبالغ فيه والمكياج المبالغ فيه والديكورات المبالغ في بذخها والفضائح المبالغ فيها تجعلك تشعر كأنك أكلت قطعة كيك شديدة الحلاوة رغم الذوق السيء لاختيار ملابس البطلة على طول حلقات المسلسل التي تسير على نفس منوال مسلسلها الأول كأنها قامت بتبديل أدوار الممثلين بين المسلسلين بيد أنها استطاعت في المسلسل الاول ابهار المُشاهد بالمفاجآت وكشف الشخصيات ولم تنجح في ابهاره في رمضان الحالي بل باتت المفاجآت متوقعة.

وليست غادة عبد الرازق وحدها التي اعتقدت أن ما قدمته في رمضان الماضي قد ينجح في رمضان الحالي، هذا ما فعله أيضاً الممثل أمير كرارة وزميليه محمود عبد الغني وعمرو يوسف، فبعد أن أبدعوا معاً العام الماضي في مسلسل “طرف ثالث” جرب كل واحد منهم أن يستقل بعمل لوحده في رمضان الحالي لكن في الإطار ذاته من أحداث الأكشن والمافيات والدعارة والتزمت الديني إلا أن الدخول كان أفقيا دون عمق للشخصيات او طرح ما قد يثير الفكر أو إثارة التلهف لمتابعة الحلقات.
ولم ينقذ مسلسل “تحت الأرض” لكرارة استعانته بالمخرج حاتم علي فيبدو ان علي يبدع في الاعمال التاريخية كمسلسلات “عمر” و”التغريبة الفلسطينية” وليس الشيء ذاته في مسلسل كـ”المنتقم” الذي شارك في إخراجه.
ولا يغرد مسلسل “نيران صديقة” لعمرو يوسف خارج السرب عما سبقه سوى انه يعتمد على الخيال واعتقد ان ثيمة الخيال لا تتناسب والأجواء الرمضانية.
السيادة في دراما هذا العام كانت لمصر في ظل غياب الدراما السورية التي كان حضورها ضعيفا واقتصر على مسلسلي: “سنعود بعد قليل” والجزء الثالث من “ولادة من الخاصرة”، وجاء المسلسل الأول الذي يمثل فيه دريد لحام رومانسيا والبطولة فيه للحوار، كما كانت هناك مشاركة لممثلين سوريين في بعض المسلسلات المصرية.
مسلسل “آسيا” يستحق جائزة على جودة الصورة وإبداع الديكور والألوان والملابس والموسيقى ولكن ليس اكثر فقد جاء مثله مثل غيره يعتمد على حادثة بعينها ويبدأ من الذروة ثم يبرد ولا يحمل التشويق فقد تم قتل احداثه بالرتم البطيء والأداء الممل للممثلين المنفصل عن هارموني المسلسل وكأنهم يقدمون عرضا فردانيا “مونودراما”.
ويبدو ان الممثلة منى زكي غير محظوظة بالدراما الرمضانية إذ أنها لم تنجح قبل ذلك في تقديم شخصية سعاد حسني، واليوم حين قدمت دور الراقصة جاء بكثير من التفلسف المفتعل.
وينضم إلى مسلسل زكي مسلسل “اسم مؤقت” الذي يبدأ أيضاً من ذروة الأحداث وثم يتجه نحو التفسير وفيه فقدان الذاكرة ذاته ومطاردة المافيات، وحملت حلقاته الأولى جاذبية ولكن تشابك التفاصيل وتعقيد غموضها جعلت المُشاهد ينزاح عنها خاصة أن بطله الممثل يوسف الشريف يشبه نفسه في مسلسل “رقم مجهول” خلال رمضان الماضي، وكانت حبكته الفرعية التي تخص التسابق بين مرشحي الرئاسة اهم من حبكة البطل ذاتها والذي يأتي خارقا كما البطل الامريكي.
ولا يمكن إنكار أن هناك مسلسلات صمدت طوال الشهر بنفس الجودة وبقي المُشاهد يتابعها بالإثارة ذاتها وستبقى أيقونة درامية في الذاكرة التلفزيونية كمسلسل “موجة حارة “الذي جاء مفاجأة للجميع رغم أن بطله “إياد نصار” لا يملك تلك الشهرة، وتؤدي فيه الممثلة معالي زايد دورها باقتدار مميز كذلك الممثلة رانيا يوسف.

 ويُرجع كثيرون جودة المسلسل من جودة الرواية “منخفض الهند الموسمي” لأسامة أنور عكاشة والمعالجة الدرامية للكاتبة مريم ناعوم، وجرأة المخرج محمد ياسين بوضع ممثلين مغمورين في أدوار كبيرة، فإياد نصار الممثل الأردني من أصل فلسطيني كانت له أدوار درامية تعد على اصابع اليد كمسلسل “الاجتياح” و”أبناء الرشيد” ومسلسل “الجماعة” الذي لعب فيه دور حسن البنا.
ومن المسلسلات التي صمدت في رمضان بجودتها مسلسل “الزوجة الثانية” الذي يحاكي فيلم “الزوجة الثانية” لسعاد حسني وشكري سرحان، فقد غاص المسلسل في نفوس أهل الريف وتوحشها رغم ما يعرف عنهم من بساطة، وجاءت جميع الأدوار لعمرو واكد وعمرو عبد الجليل وعلا غانم وأيتن عامر مبهرة قد تجعلك تضحك وتبكي في المشهد ذاته.
اما المسلسل الاخير “القاصرات” فيسبب القشعريرة لكل من يتابعه لأنه يفتح جرحا مسكوتا عنه حول الزواج المبكر للفتيات لكن لا يمكن انكار أنه من أفضل المسلسلات التي يتم تقديمها حالياً على الشاشة وبذلك يكون صلاح السعدني قد كفر عن ذنب مسلسل “الاخوة الأعداء” الذي قدمه في رمضان الماضي واقل ما يقال انه مهزلة اخراجية ودرامية.
وجاء مسلسل “القاصرات” دقيقا مهتما بالتفاصيل ويبعث على مراجعة الذات خاصة انه يقدم نموذج رجل الدين المستنير امام المتشدد ويقدم ادلة تاريخية مهمة حول حقيقة عمر السيدة عائشة حين تزوجها النبي محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يكون درسا فجا في الأخلاق والمبادئ كما فعلت مسلسلات اخرى جاء خطابها الثوري والمستنير فوقياً.
وهناك مسلسلات اخرى شهدتها الشاشة ولم تشهد الكثير من المتابعين لكن يصعب وصفها بالضعيفة وهي “فرعون” و”العقرب” و”على كف عفريت” و”الوالدة باشا” والتي تدور في دائرة البلطجية والشر المستعر والخير الكامل والمؤامرات الاجتماعية التي لا تحدث بالحياة وطبعا التركيز على الحلم بالثراء وكأن قدر الانسان ان يكون ثريا، وتجاهل بأن المواطن العربي العادي ساهم في التغيير الرئيسي الحالي للبلاد العربية.
ومن المحزن أن تجتمع دراما رمضان الحالي على تقديم المرأة في أدوار نمطية رغم أنه في الواقع حدث تغيير كبير في هذه الأدوار بعد مشاركتها وتصدرها للثورات، ولكن كل شيء يتغير إلا الدراما العربية فبقيت المرأة فيها موضع الفتنة والشك وفحص الـ”DNA” لأبنائها، وعليها الطاعة ولا يتم تقويمها إلا بالضرب !.


إعلان