حوار مع الناقد السينمائي اللبناني محمد رُضا
أجرى الحوار صلاح سرميني
ـ في مدونتكَ “ظلال، وأشباح” (أفضل مدونة سينمائية عربية) قرأتُ بأنك سوف تكتب موضوعاً تتطرّق فيه للمشهد السينمائي النقدي العربي، وبالتحديد، من هو الناقد الحقيقي، ومن هو المُزيف، هل هناك حقيقيّ، ومزيفٌ في النقد السينمائي؟
ـ في الحقيقة، بدأتُ، وترددت، ثم داهمتني ظروفٌ خاصّـة، وحين فكرت في العودة وجدت نفسي لست مكترثاً، لأنني لست شجاعاً إلى حدّ تجنـب المشاكل، إلا إذا طرقت بابي، كانت هناك مشكلة قبل سنوات مع الزميل “…..” لم أبدأها أنا، لكنها انتهت بالصلح، و”…” ناقدٌ بلا جدال، قد يصيب، وقد يخطئ كما نفعل جميعاً، لكنه ناقدٌ يعرف ماهية النقد، ويمارسه، لكن هناك آخرون ليست بينك، وبينهم معارك، وإذا وضعت لائحة بأسماء النقاد الفعليين دون ذكرهم سيأخذون موقفاً منك، وإذا بك تدخل في صراع لا جدوى منه، لأنّ أحداً لا يتغير، على كلّ حال لا زال الموضوع وارداً عندي، لكني متريّث لدراسته.
ـ بصراحة، أنا أتودد لكَ منذ فترة، وكتبتُ عن “دليل السينما العربية، والعالمية”، وأجري معكَ حواراتٍ، وأنا لا أحب الحوارات، أملاً في أن تضعني في القائمة المناسبة.
ـ كي ترتاح، أنتَ خارج أيّ قائمة، ولستَ أكثر من مدّعي، وتحرس الأنترنت كي تلاحق لصوص المقالات،…أمزح طبعاً.
ـ بالمناسبة، ماهو حال المُدونات السينمائية الشخصية، وإلى أين وصلت؟
ـ معظمها توقّـف، لأنّ غالبية أصحابها يعملون في الموضة، وليس في السينما.
ـ هذه الإجابة سوف تسبب لك المشاكل، لكن تلك المدوّنات أدّت، وتؤدي دورها ؟
ـ معظمها- مرّة أخرى- دار حول نفسه أكثر مما أدّى دوراً.

ـ بشكلٍ عام، أجد هناك إزدواجية في شخصية الناقد السينمائي العربي، كيف يمكن أن يكون ناقداً، ولا يتقبل النقد ؟
ـ لأنه إنسان في الأساس، وكلّ إنسان لديه حساسية معيّنة، إذا أردت التحديد، متى تتقبّـل النقد ؟
في الحالات التالية :
أولاً : لا تكترث تماماً.
ثانياً : حين تضمر في قلبك عكس ابتسامتك، وتخبيء لمن انتقدك إنتقاماً.
ثالثاً : عندما يكون الناقدة إمرأة حسناء، فتغفر لها مقابل التقرّب إليها.
عدا هذه الأحوال ليس هناك قبولاً للنقد للأسف.
ـ عندما بادرتَ مع ناقديّن آخريّن إلى تأسيس “إتحاد دوليّ لنقاد السينما العرب”، فجأةً ظهرت عوائق، وإشكالياتٍ من بعض الأشخاص في مصر، وكانت لديهم إعتراضاتٍ على التسمية نفسها “دولي”، ولماذا يتأسّس من طرف نقاد المهجر، والأهمّ بأنكم تؤسّسون هذا الإتحاد لأغراضٍ شخصية، ومصالح، ومنفعة، ومن ثمّ توقف المشروع تماماً ؟
ـ أولاً، صحيح، هناك أشخاص في مصر قاموا بالإعتراض، وهناك نقاد من لبنان، ومصر، والإمارات رفضوا الإشتراك لأنهم كانوا يفكرون من سيكون الرئيس، وهل هذا يعني أن الرئيس هو أفهم مني، أم لا، وإذا لم يكن، فلماذا هو الرئيس، وليس أنا. نحن العرب طينة غريبة من البشر … أكثر الناس جهلاً بالحسنات، لكن، أنتَ، وأنا والدكتور “طاهر علوان” مسؤولون عن فشله، في البداية كنتُ صاحب وجهة نظر تقول أن الإتحاد الوحيد الناجح هو ذلك الذي يشبه النادي الخاص، مسؤوله، أو مسؤوليه يضمّون الأعضاء بالدعوة فقط، ويكون قادراً على دفع تكاليف، وإنشاء جوائز، وإرسال أعضاء إلى المهرجانات، وكنتُ أعلم أن هذا ليس ممكناً، فنحن والفقر جانبان لعملةٍ واحدة، لكن هذه هي الطريقة المثلى في نظري ليس لأنها أفضل الأفكار، بل لأنّ النقاد العرب لا يعرفوا كيف يعملون معاً، وكل واحد يريد العيش فوق جزيرته الخاصّة به، كذلك ساهمتَ أنتَ بإحباطه عندما بدأتَ ترسل الدعوات لكلّ الناس، أصابني اليأس، وتخليت عنه.
ـ ماهو تقيّيمك الصريح للمهرجانات السينمائية في الخليج ؟
ـ إنها أفضل ما حدث للسينما في الخليج في تاريخ المنطقة، لأنها أتاحت وعياً بالسينما لم يكن منتشراً، وحققت للسينمائيين فرص عمل، وعرض، وأنت تعلم أن فرص العمل وحدها لا تكفي، إذاً على صعيد العمل المهرجاني نجحت، وكان لا بد من وجودها جميعاً، شعاري : وجود مهرجان- مهما يكن- أفضل من عدم وجوده، لكن كل ذلك لا يمنع من القول أن هناك تحييداً بالغ الخطورة لدور النقد، والناقد في عملية التأسيس، وفي عملية المتابعة، وهناك شيء من السرية في العمل،… المبرمجون يختارون، صحيح ؟ المبرمج ليس ناقداً ـ إلا إذا كان ناقداً أساساً كما الحال معكَ مثلاً ـ وكان من الواجب أن يحتوي كلّ مهرجان على نخبةٍ من النقاد تصطفي الأعمال، لقد شاهدت أفلاماً هزيلة كثيرة في كلّ مهرجان، ولا يوجد من يتحمّل مسؤولية ذلك إلاّ المهرجان نفسه.
ـ إذا كنتَ في لجنة تحكيم، وأردتَ أن تمنح جائزةَ لناقدٍ سينمائيّ عربيّ، من هو هذا الناقد، وماهي مبرراتكَ، طبعاً لا يمكن أن تمنح الجائزة لنفسكَ، أو لمن يُحاورك الآن.
ـ لا أدري.
ـ كيف لا تدري، ام تريد الجائزة لنفسك ؟
ـ تعجبني كتابات أمل الجمل، وبشار إبراهيم، أنا لا أمتنع عن الجواب هنا رغبة في تسييس الجواب،… لكن، فعلاً لا أدري، لقد استثنيت إثنين يستحقانها،…ما يزيد من صعوبة الأمر ـ أكاد أسمع الشتائم تنهال عليّ ـ المشكلة هي أن مفهوم النقد يختلف من شخصٍ لآخر، سأعطيها لناقد يكتب في السينما ذاتها، يفهم في تاريخها، وتقنياتها ويشاهد الفيلم، ويستخدم كلمات فيلمية، وليس سياسية، أو إنشائية، أو أدبية في النقد.
ـ يعني …، و….، و….، و…خرجوا من المولد بلا حمص ؟
ـ ولا حتى فول،..
ـ طيب، سوف أصيغ السؤال بطريقةٍ أخرى : بإفتراض أنّ أحد المهرجانات العربية إعتمد جائزةً سنويةً لناقدٍ عربي، ماهي المواصفات التي يجب على إدارة المهرجان، أو لجنة التحكيم أن تأخذها بعين الإعتبار لمنح هذه الجائزة إلى هذا الناقد، أو غيره ؟
ــ أجبتُ على هذا السؤال قبل أوانه في السطر الأخير من الجواب السابق.

ـ لقد إتفقنا بأن تكون صريحاً….حسناً سوف أنتقل إلى سؤال آخر، هناك خلافٌ حول الصحفي، والناقد السينمائي، لماذا هذا الخلاف أصلاً، وهل يتميّز أحدهما عن الآخر؟
ـ أحترم الصحافي الذي لا يُسمّي نفسه ناقداً، ولعله – إذا ما كان جيّداً في عمله – أفضل من الناقد، لأن جودته ناتجة عن سعة إطلاعه، ونجاحه، وكبر حجم قرائه أيضاً، الصحافي لا يجب أن يكون متخصصاً كما الناقد، الصحافي قد يكتب ريبورتاجاً عن عارضات الأزياء يوم الإثنين، ويوم الثلاثاء يجرى مقابلة مع لاعب كرة، إذا ما كان جيّداً في الإثنين لِمَ لا ؟ الناقد متخصص في عالم الوهم الذي هو السينما، ويقلبه إلى العالم الحقيقي، ويستغني عن العالم الذي نعرفه، فيصبح هو الوهم وهو إنسان عليه أن يكون متخصصاً حتى يكون ناقداً، ولا يصلح أن يكتب في البطاطا، والسينما، ولا أن تكون كتابته في السينما من نوع “ولا ريب أنّ السينما الأميركية تعادي العرب”،… أو حتى “تناصر العرب”.
هذا كلام لا يقدّم، ولا يؤخر، وأنا على فكرة لست ناقداً سينمائياً، أنا ناقد أفلام.
ـ بعد هذا الجهد الطويل، والجاد، والمفيد، ألا تستحق دكتوراة شرفية من قبل إحدى الجامعات، أو المعاهد العربية، وهكذا نقول لك “د.محمد رضا”.
ـ ذاتَ يوم منحني مهرجان “السينما العربية المُستقلة” شهادة أفضل ناقد، هل يذكر ذلك أحد ؟ هل رفعت أجري في الصحف؟ هل فتحت قنوات التلفزيون أثيرها لبرنامج سينمائي أقوم بكتابته ؟ .
وصلتني من الجامعة الإنجيلية في بيروت كلمة تقدير حول موضوع كنت كتبته ونشرته في “النهار” حول الإقتباس في السينما، وهذا كان جيّداً… لكن مهنة النقد السينمائي في وضع ملتبس، والقائمون على الثقافة آخر من يكترث، وإن فعلوا، فإنهم سيختارون أمثال ذلك الزميل الذي ينشر سلسلة مقالات مادحة بالمسؤولين، الحمد لله أنني لست كذلك، طبعاً يستحقون المدح على ما يصنعونه للبلاد لكن في مقالة واحدة، الشخص المذكور انتقل مادحاً كل مدينة على حدة… لكن هذا هو إختيارهم – ماذا تفعل ؟ أنا لا أفعل شيئاً، قابل على أن أموت من دون “تكريم” لأنني أنا من أكرم نفسي بعملي، ومثابرتي ثم القرّاء، حين يلتقي بي أحد لا أعرفه فيحييني بصدق، أو حين تخبرني مخرجة بأنها لم تكن تعرفني، وحين قرأت مقالتي عن فيملها سألت أبيها فقال لها : “إذا كان محمد رُضا هو الكاتب صدّقيه بصرف النظر عن إعجابه، أو عدم إعجابه”، هذا هو التقدير الأهم.
ـ اليوم، هل تعضّ أصابعك ندماً لأنك قبلتَ أن نتحاور عن النقد، والمهرجانات، ..إلخ، ألا يستحق الأمر بأن نُعلن الحرب بيننا، ونُشرك معنا أطرافاً مثل : مصطفى المسناوي، هوفيك حبشيان، نديم جرجورة، بشار إبراهيم، رامي عبد الرازق، أمل الجمل،..؟
ـ لقد صرفتُ ساعتين للإجابة على أسئلتك، كنت أستطيع مشاهدة فيلم لا يسبب رفع الضغط.
ـ يبدو من خلال متابعتي للمشهد السينمائيّ النقدي العربي، بأنّ هناك صراعاتٍ صغيرة، وتافهة بين النقاد العرب، أحياناً مُعلنة، وفي أغلب الحالات مُضمرة، ماهو تفسيرك لهذه الأجواء العدائية، وهل هناك مبرراتٍ شخصية، أو إحترافية لها ؟
ـ سؤالٌ مهمّ، خصوصاً، وأنّ السائل مُتـهمٌ بإثارة المشاكل على نحوٍّ ملحوظ، وهو بالتأكيد عضوّ فاعلٌ في عملية الكشف عن عصابة سرقة المقالات، وانتحال المواد التي ينكبّ على تأليفها النقاد الحقيقيين.
هناك صراعاتٍ صغيرة ؟ نعم.
تافهة ؟ لا أدري، لأنّ المسألة لا علاقة لها بكيف ينظر المرء إلى تلك الصراعات، في الأساس، لا يجب أن يكون هناك أيّ صراع، لكن بعضنا ليس لديه ما يكفي من الثقة بالنفس، والنظرة البعيدة المدى، وحتى نكون واقعيين، المضمور من النزاعات ليس إختصاصاً عربياً فقط، هناك مثيل له في أنحاء الدنيا، وهو من نصيب من لا يملك ما سبق ذكره.
ـ هل لكَ أن تتحدث بوضوح، وتفاصيل، نحن لا نتحاور بالألغاز.
ـ حسناً، خذني أنا، مبرري الشخصي هو أن أواصل إعجابي بمن سبقني في درب الكتابة، حين يحرمني ذاك من هذه الميزة، أنقلب ضدّه، هذا يحدث من حينٍ لآخر مع الزميل “….”، نشأنا جميعاً على قراءته، والإعجاب به، لكنه لم يعدّ يكتب المادة السينمائية الخالية من الإعجاب، أو عدم الإعجاب، يصطف مع مخرجين، وسينمائيين، ونقاد، ومسؤولين أصابوا، أو أخطأوا، بالنسبة لي، ولأني أحترمه، وتجربته، فإن ذلك يؤذيني، ورُبما آن الأوان أن لا أسأل، البعض مثل “…..” يكتب جيّداً، وعلى نحوٍ متخصص، لكن، من كثرة ما كتب، لم يعدّ واضحاً أيّ فيلم شاهده، وأيّ فيلم نقل معلوماته ثم صاغها على طريقته، أنت تعرف بالمعركة ـ إذا صحّ تسميتها بذلك ـ التي نشأت بيني، وبين “…..” في هذا المجال، هذا الزميل، وكالعادة، تصرّف كما لو أنه لا يقرأ ما يُكتب ضدّه، بينما أعرف عكس ذلك، لكنه هو من يملك ضغينة دائمة، ولو أردت أن أذكر لك الأمثلة – التي تعود إلى أواخر الستينيّات- لتطلب الأمر كتاباً، كيف تعالج هذه الضغينة ؟ الجواب، أن لا تعالجها، بل على صاحبها أن يعالجها.
ـ من خلال علاقتكَ مع النقاد الأجانب، هل شعرتَ يوماً بصراعاتٍ مُماثلة؟

ـ هناك نزاعات، ولكنها ضمن الرأيّ، من نوع أن يقرأ كلّ واحد للآخر، ويعارضه، أو يوافقه، وقد يعارضه دائماً، قد يرى في كتابته ما لا يرضى عنه، لكن من النادر أن تجده مهتمّ لأن ينقل هذه المعارضة على صفحات مطبوعة، أو مرئية، عندنا زميل “….” يتربّص بالآخرين، ويشنّ عليهم هجوماً.
ـ طيب، في يوم ضبابيّ، أنشأ أحد المُدعين مدونةً بعنوان “سرقات سينمائية”، وكنتَ متعاطفاً معها، وساهمتَ بطريقةٍ وأخرى بالتصدي للسارقين، هل أثمرت تلك الجهود في التقليل من السرقات السينمائية ؟
ـ الشخص الذي تقصده لم يكن مدّعياً بل كانت لديه مُسبباتٍ نفسية، وعاطفية دفعته لمحاولة صدّ الإعتداء الحاصل على مهنة النقد السينمائي.
ـ هل أنتَ متأكدٌ بأنها مهنة ؟
ـ أظنّ بأن الحملة واتت أكلها، لكن مرحلياً، ما كان على هذا الشخص أن يفعله هو أن يُمطر رؤساء التحرير بها، وليس توجيه إكتشافاته إلى الزملاء فقط،….
ـ أعتقد بأنه أقدم فعلاً على ما ذكرته.
ـ هناك مشكلة السرقات، وهناك مشكلة عدم المعرفة ـ أو الجهل ـ وبين الإثنين الناقد الصحيح في الوسط يحاول ردّ الإعتداء، لأنه يشعر بأن هذا من ضمن وظائفه،..
ـ البعض من النقاد كتبوا بأنها ليست من وظيفته، وأنها مجرد تصفية حسابات.
ـ كان عليه أن لا يأخذ الأمور بهذا القدر من الجدية، هنا المعضلة : كي تشتري منزلك الخاص عليك أن تكون ثرياً، فتستغني عن الإيجار، وكناقدٍ كي تمارس عملك بنجاح عليك أن تمتلك عناصر مؤثرة، أن تفكـر كيف يمكن لك أن تنجح في حملتك، إذا لم تكن لديك تلك العناصر، فإنك تضيع وقتك بعد حين.
ـ ولكنك قلت في بداية الإجابة، بأنّ الحملة واتت أكلها، هل تريد من هذا الشخص أن يتفرغ تماماً لملاحقة اللصوص، ألا يكفيه بأنّ أحد النقاد الثوار وصفه بأنه (…….)، وتبنى آخرون ذاك التوصيف.
على فكرة، لماذا توقفت المدونة، وماهو مصير مؤسّسها الناقد المُدعي، قرأتُ بأن البعض قدم شكاوى ضده، وقضايا في المحاكم العربية، والأوروبية ؟
ـ أعتقد بأنه شاهد واحداً من تلك البرامج التسجيلية عن عالم الحيوان، تلك اللبوة المنفردة التي اصطادت غزالاً، لكنّ الضباع أحاطت بها فلم تتمكن لا من مواجهتهم، ولا من تناول الوجبة، فقررت ترك المكان لتلك الضباع.
ـ في يومٍ عاصفٍ، كتب أحدهم بأنّ “ذاكرتك مثقوبة، وتاريخك مزيف”، أعرف بأنكَ تنسى أحياناً، وخاصةً عندما تكون في صالةٍ أمام جمهور تُقدم فيلماً، وتنسى إسم مخرج، أو عنوان فيلم، وهذا أمرٌ يحدث لنا جميعاً، بالنسبة لي، لو كنتُ مكانك، سوف أنسى كل شيئ، ولكن، أن يكتب أحدهم بأنّ “ذاكرتك مثقوبة، وتاريخكَ مزيف”، معقول ؟ و”محمد رضا” الناقد العربي الأنشط؟
ـ هل صحيحٌ كتب عني أحدهم هذا ؟ ذاكرتي مثقوبة، كيف لي أن أتذكر؟
ـ هل تتهرّب من الجواب ؟

ـ أنا؟ فشر(يعني أبداً)، إسمع، ذاكرتي غير مثقوبة، وإلا لما تذكرت أدقّ صورة في فيلم شاهدته مرّة واحدة قبل أربعين، أو خمسين سنة، وبصراحة، لا يهمّ عندي إذا كانت مثقوبة، أم لا، القراء لا يعتقدون أنها مثقوبة، وإذا نسيت شيئاً أنا من الشجاعة بحيث أعتذر، إلا إذا بودر بالهجوم عليّ بإعتبار أنني لم أنسى بل تجاهلت، في تلك الواقعة، أقسم بأني لم أكن أتجاهل، أو أقلل من شأن… فقط هذا ما تذكرته، وأرشيفي ليس معي، إلى اليوم لديّ أرشيف في لوس أنجيليس، وآخر في بيروت، وثالث – الآن- في دبي.
ـ عن أيّ واقعةٍ تتحدث، لا يهمّ، الطريف في الأمر، بأنّ نفس الكاتب، وفي مناسبة لاحقة كتب غزلاً واضحاً عن “دليل السينما العربية، والعالمية” .
ـ لم أكن أعلم أنه كتب عن كتابي هذا، لذلك لا أستطيع الردّ على سؤالك، لكن العلاقة جيّدة بيننا، وقائمة على إحترام كل لرأي الآخر، والإبتعاد عن الباقي.
ـ هل ندمتَ على إهدائي نسخةً من “دليل السينما العربية، والعالمية” لأنني كتبتُ بعض الملاحظات التي لم ترضيكَ ؟
ـ بالأحرى، ندمتُ بأنني عرفتكَ يوماً.
ـ ألا تعتقد بأنّ هذا الحوار ثرثرةً لا معنى لها نستحق عليه العقاب بدل المكافأة ؟
ـ هل هناك مكافأة أساساً ؟ لا شيء بديل لها حين إجراء المقابلات، العقاب هو عدم وجود مكافأة، وهناك محطات تلفزيونية كثيرة تستضيف الناقد إما مجاناً، أو لقاء مبلغ رمزي، لقد اتصلت بي إحدى القنوات، وأخبرتني أنها تريدني لمقابلة، وحين طلبت أجراً قيل لي : طبعاً هذا من حقك، ولقد خصصنا لك “أجراً رمزياً”، قلت له : لا أريد أجراً رمزياً بل فعلياً، وحين تسمح ميزانيتكم بذلك اتصل بي مرّة أخرى.
ـ حاولتُ أن أستفزك بقدر الإمكان، ولكن يبدو بأنني فشلت، ماهو السؤال الذي يمكن أن يستفزكَ ؟
ـ المسألة يا زميلي نسبية، البعض تستفزه ذبابة، البعض الآخر يحتاج إلى جرار. البعض يستفزه وجود آخر، مجرد وجود، يختلف الناس، بالنسبة لي يستفزني الجاهل، وأنتَ مهما حاولت لن تنجحَ معي، لأنك لستَ جاهلاً.