علاقة السينما المغربية بخارج حدودها

أحمد بوغابة / المغرب
إن علاقة السينما المغربية بالخارج هي علاقة تاريخية منذ ظهور السينما نفسها إذ أن الأجانب هم الأولون الذين صوروا المغرب (مراسلون لوميير وبعض الهواة الإسبان). كما أن الأجانب هم الذين أيضا عرضوا الأفلام الصامتة الأولى خاصة بملاهي مدينة طنجة في مطلع القرن الماضي وشيدوا القاعات في العقد الأول من نفس القرن وخلقوا الفرجة السينمائية. كما تم تصوير أفلام كثيرة تجاوزت الآلف ومنها الشهيرة في عالم السينما ك”عطيل” الذي فرض صاحبه أورسون ويلز على تقديمه بمهرجان “كان” الفرنسي باسم المغرب سنة 1952 وكانت حينها فرنسا تستعمر المغرب. ونذكر أيضا “لورانس العرب” لدافيد لين أو “الرجل الذي يعرف أكثر من اللازم” لألفريد هيتشكوك أو أيضا مارتن سكورسيزي الذي صور مرارا في جنوب المغرب دون أن نغفل أيضا جون هيستون وغيرهم.

الراحل محمد الركاب

 
وهذا الارتباط بالأجنبي امتد إلى ما بعد استقلال المغرب مجسد في إلتحاق عدد من الشباب المغربي في نهاية الخمسينات وفي أوائل الستينات من القرن الماضي بالمعاهد السينمائية المتخصصة إلا أن هؤلاء الذين إلتحقوا للعمل، في البداية، بالمركز السينمائي المغربي ثم بالتلفزة المغربية تمكنوا من استيعاب مختلف التقنيات ثم ضبطوا مضمونها للواقع المغربي فكان التناول بخلفية ثقافية محلية التي نجح فيها بعض المخرجين المغاربة نذكر على الخصوص الراحلين أحمد البوعناني ومحمد الركاب أما من الأحياء نسمي جيلالي فرحاتي وعبد القادر لقطع وأحمد المعنوني ومصطفى الدرقاوي. ومن المخرجين من فضل الاستقرار بالبلد بصفة نهائية ومنهم من بقي يتنقل بين المغرب وأقطار الإقامة.
إذا كانت الأغلبية من الأسماء السينمائية المغربية قد فضلت الدراسة بفرنسا بحكم العلاقة التاريخية بهذا البلد المُستعمر نظرا للتسهيلات التي كانت مُتاحة حينها ( المنحة وإمكانية ولوج معاهدها بشكل عادي وأيضا بسهولة اللغة) بينما اختارت قلة قليلة جدا إسبانيا وبلجيكا وإيطاليا وبولونيا والاتحاد السوفياتي سابقا. ولا بد من الإشارة أن الأغلبية الساحقة درست التقنيات (الكاميرا والمونطاج والإنتاج) وليس الإخراج إذ بعد سنوات انتقل كلهم إلى الإخراج وهذه النقطة تستحق النقاش لكن ليس مجالها في هذا النص.
ولا يمكن غض الطرف أيضا على أن كثير من الأفلام المغربية تم إنتاجها في إطار الدعم الأوروبي لها خاصة من لدن المؤسسات الفرنسية من خلال توفير التقنيين (مدراء التصوير والمونطاج وسكريبت ومشاركة بعض الممثلين والممثلات) أو بإجراء الأعمال التقنية بمكاتبها في أوروبا (Postproduction) ثم دعمها للعرض ببعض القاعات الأوروبية. قبل سنوات قليلة كان يستحيل إنتاج فيلم مغربي ما بدون المساهمة الأوروبية وهو ما أدى ببعض الأعمال أن تموت حين لم تحصل على الدعم الأوروبي لأن ما التمويل المحلي كان ضعيفا. وهذا ما كان ـ ومازال في الحقيقة مستمرا ـ يدفع جميع السينمائيين المغاربة بالبحث المستمر على منتج أوروبي أو حصول على دعم من المؤسسات والمهرجانات الأوروبية. ولم يكن المغرب حينها ينتج أكثر من فيلم في السنة إبان عقد السبعينات من القرن الماضي أو 5 في الثمانينات من نفس القرن. ولم تتوقف هذه العلاقة بأوروبا إلى حد الآن رغم أن بعض الأفلام تم إنتاجها بالمال المغربي الخالص وعرفت نجاحا حقيقيا وسط الجمهور المغربي.

عطيل

وساهمت مؤسسة “أوروبا- سينما” في عقد التسعينات بإصلاح وترميم وتجهيز كثير من القاعات السينمائية المغربية في إطار برنامج “ميد – ميدا” وفي المقابل عرض الأفلام الأوروبية بها إلا أن تلك التجربة لم تفلح في توقيف نزيف اندثار القاعات بسبب لامبالاة أصحابها قبل غيرهم.
أما التجارب الإنتاجية المشتركة مع بعض الأقطار المغاربية أو العربية فهي ضعيفة جدا حيث تظهر وتختفي في مناسبات حماسية كما يغيب التوزيع المشترك للأفلام التي يتم إنتاجها بهذا البعد الجغرافي لعل وعسى تجد متنفسا لها دون جدوى حيث تتبخر الخطابات ويفضحها الواقع بعجزها بالتجاوز السياسي واستحضار البرغماتية الاقتصادية.
ونفس الشيء قد يسري على الإنتاج المشترك مع الأقطار الإفريقية وهي التجربة التي انطلقت في بداية التسعينات خاصة وتضاعفت في العقد الأخير إلا أن التوزيع يبقى دائما هو العائق في إنجاح هذه التجارب الهامة واستمراريتها.
احتفل العالم في سنة 1995 بقرن على ظهور فن السينما، وتشاء الصدفة في نفس السنة أن ينعقد المهرجان الوطني بمدينة طنجة التي هي أول مدينة تعرف السينما بل تعمل الصدفة بقوة حيث شارك في هذه الدورة في السنة المذكورة مجموعة من المخرجين المغاربة المقيمين بالخارج أو تربوا وكبروا فيه حيث سمح لهم بذلك بعد أن كانت المشاركة تفرض أن يكون الفيلم المغربي من إنتاج المغاربة بالمغرب. وكانت جل الأفلام المشاركة حينها قصيرة من توقيع مخرجين في أول أو ثاني تجربة لهم. كثيرون منهم قدموا من أقطار أوروبية غير فرنسا وهي: إسبانيا، بلجيكا، إيطاليا، هولندة، نورفيج، إنجلترا، ألمانيا. وقد أثارت تلك الأفلام النقاش والإعجاب فيما رفض البعض أن توضع في نفس كفة الأفلام المغربية باعتبار أن الإمكانيات غير متساوية وبالتالي فهو إجحاف في حق المغاربة الذين يشتغلون بلا شيء تقريبا بينما يرد عليهم آخرين بان المشكلة ليست في الإمكانيات المالية أو التقنية بل في قدرات الإبداع.

المخرج نبيل عيوش

ومن الأسماء التي برزت في هذا التاريخ وأصبحت جزءا من خريطة السينما المغربية خاليا وأغنت الإنتاج المحلي بأفلامها المتميزة نشير إلى نبيل عيوش، نور الدين لخماري، حكيم بلعباس، بوسيف مراد، رشيد بوتونس، إسماعيل فروخي، حسن لغزولي، ليلى المراكشي، ياسمين قصاري. كل هؤلاء ساهموا بأفلام قصيرة أخرى ثم الطويلة في ما بعد وبذلك أنعشوا السينما المغربية وضخوها بدماء جديدة متجسدة في الرؤية السينمائية لها بعد فني وثقافي.
ولم تكن أفلامهم تركز فقط على الغربة ومشاكلها بل تناقش علاقة المواطن ببلده في قالب سينمائي مقبول عند المشاهد المغربي والأجنبي على حد سواء.
فإذا توقفنا عند أفلامهم الروائية الطويلة سنجدها مثيرة سينمائيا بشكل إيجابي سواء عند حسن لغزولي في فيلمه ” طنجة” (2004) أو عند إسماعيل فروخي بفيلمه “السفر الكبير” (2004) وحتى عند ياسمين قصاري بفيلمها الجميل “الراقد” (2004) وهي أفلام حول الهوية المشتركة وليس حول الهجرة في حد ذاتها بما فيها فيلم “الراقد” التي تشكل الهجرة خلفية درامية للبحث عن المشترك الضائع فيها.
إن السينمائيون المغاربة في الداخل هم الذين اهتموا بكثرة لموضوع الهجرة (الهجرة نحو أوروبا) كظاهرة اجتماعية حيث جاءت استجابة للسياسة الأوروبية للحد منها بحيث أظهروا عواقبها ومشاكلها ك”جنة الفقراء” للمخرجة إيمان المصباحي، “وبعد” لمحمد اسماعيل أو “المنسيون” لحسن بنجلون.


إعلان