إرهاب في الصحراء العربية
أمستردام – محمد موسى
تتنوع موضوعات السلسلة التسجيلية “هذا العالم”، والتي تُعرض على شاشة القناة الثانية لهيئة الإذاعة البريطانية ( بي بي سي)، من متابعات لتأثيرات الأحداث والتحولات السياسية العاصفة في الحياة اليومية لناس العاديين، الى التركيز على قضايا إجتماعية ذات أبعاد تتجاوز المحلي الى العالمي، كتجارة المخدرات، والسِمّنة المفرطة في مناطق من العالم لم تكن تشكو من هذا الداء من قبل. السلسلة، التي تعد المنصة الجديدة لعرض الأفلام التسجيلية في “بي بي سي”، إفتتحت موسمها لعام 2013، بفيلم صادم بعنوان “هل مات إبني هباءً”، عرض في شهر مارس الماضي، ورافق فيه أب بريطاني قرر السفر لمدينة البصرة في جنوب العراق، حيث قُتل إبنه الجندي الشاب في الحرب الأخيرة، للتحقيق في ما آل اليه المشهد العراقي، وليطرح أسئلة عن الدور البريطاني، وإذا كانت الحرب، قد حملت تغييراً ما لحياة العراقيين. الشرق الأوسط سيحضر في حلقة جديدة للبرنامج عرضت في شهر أبريل، حملت عنوان ” تاريخ سوريا مع دان سنوو “، وفيها حققت السلسلة نجاحاً لافتاً في كسر الطوق الذي كانت تفرضه الحكومة السورية، على تغطيات المحطات الغربية هناك، وبعد سنة من الثورة الشعبية، إذ تمكن البرنامج التسجيلي من الإنتقال بين مناطق سوريا المُقسمة، لينجز من هناك مقابلات قيمة كثيراً مع مسؤوليين سوريين محتجبين بشكل كبير عن الإعلام، وسوريين من طبقات مختلفة، منهم من أبناء الساحل السوري، في إطلالة، كانت نادرة وقتها، ضمن برامج تتناول الحدث السوري.
السلسلة عادت مؤخراً، وبعد إجازة الصيف، بحلقة مثيرة كثيراً عن العملية الإرهابية على محطة الغاز الجزائرية في شهر يناير الماضي، والتي أدت لقتل حوالي 40 من العاملين في المحطة، إضافة لمعظم المجموعة المهاجمة، التي تصنف ضمن المنظمات الإسلامية المتطرفة الناشطة في الصحراء الجزائرية والأفريقية، وترتبط بعلاقات مع تنظيم القاعدة. من المرجح إن الموضوعة لم تكن لتستأثر بإهتمام هيئة الإذاعة البريطانية، لو يكن من بين القتلى والمحتجزين وقتها، بريطانيين واوربيين وأمريكيين، من الذين يعملون في محطة الغاز تلك. هذا ليس إتهاماً من أي نوع لصانعي الفيلم، لكنه يُفسر الزواية التي قاربوا بها الموضوعة في عملهم، وهي المِحّنة التي مرت على المحتجزين الاوربيين، مع غياب او ندرة الإشارات لزملاء هؤلاء، من الجزائريين العاملين في المحطة نفسها، والذين كانوا على قارب الخوف والموت نفسه!

يجمع الفيلم التسجيلي، الذي حمل عنوان “إرهاب في الصحراء”، شهادات من بعض الناجين، ويستعيد ساعة بساعة، تفاصيل العملية الإرهابية، من إنطلاقها، في فجر يوم بارد في السادس عشر من شهر يناير، وحتى نهايتها بعد تدخل قوة جزائرية خاصة لمكافحة الإرهاب، والتي يُعرف عنها قسوتها الشديدة ورفضها المطلق لمفاوضة الإرهابيين. الفيلم يقدم مشاهد نادرة من أفلام صورها محتجزين جزائريين، من العاملين في محطة الغاز، لعملية الاختطاف بهواتفهم النقالة ، وفيها يظهر محتجزين اوربيين مقيدين، بعضهم سيترك الصحراء جثث في نعوش خشبية، فيما سينجو بعضهم ليروي حكايات عن تفاصيل الإحتجاز. كالبريطاني الذي إحتجز رهينة لأيام، والذي روى كيف آلمه رؤية أحد طباخين محطة الغاز الجزائريين وهو يُهلل للمجموعة الإرهابية المسلحة ثم شماتته بزملائه الاوربيين. هناك إعتقاد بإن عاملين في المحطة ساعدوا الإرهابيين في السيطرة السريعة على الموقع ( لم تكشف السلطات الأمنية الجزائرية لليوم عن نتائج تحقيقها الخاص للعملية الإرهابية). في مقابل صورة “الخائن” او “القاتل” الجزائري، هناك صورة إخرى سيتم الأشاره لها لجزائريين من المحطة، قاموا بتهريب اوربيين، ووضعهم في غرف صغيرة او تحت مكاتب، وخاطروا بحياتهم من أجل زملائهم في العمل.
يُقدم فيلم “إرهاب في الصحراء” مقابلة مهمة مع جورج جوفي، وهو خبير بريطاني في شؤون الجماعات الإرهابية في الجزائر. سيضيء الخبير بعضا من خفايا تاريخ هذه الجماعات، والتي تملك معظمها ماضي إجرامي مُقزز، بدأ في زمن العشرية السوداء التي مرت على الجزائر في سنوات التسعينات من القرن الماضي. فالجماعة التي قامت بعملية المحطة الأخيرة، إنتقلت من خطف أبرياء مدنيين، ثم المطالبة بمبالغ فديّة كبيرة، قبل عشر سنوات، الى خطاب إسلامي مُتطرف للغاية، ومبالغة في عمليات السرقات والخطف، الأمر الذي جعل تنظيم القاعدة نفسه ينتقدهم في رسالة عامة قبل سنوات. جورج جوفي سيتطرق الى حزم الجيش الجزائري والذي يصل الى القسّوة مع هذه الجماعات المسلحة، فالمؤسسة العسكرية المهيمنة في البلد ترفض تماماً اي مفاوضات مع جماعات مسلحة. القائد الذي سيقود عملية محطة الغاز مثلاً، هو واحد من أكثر قادة الجيش إثارة للجدل، هو شخصية غامضة كثيراً، لا يظهر في المناسبات العامة أبدأ، وليس له أي صور فوتغرافية عامة.
على خلاف بعض أفلام السلسلة الإخرى، إختار فيلم ” إرهاب في الصحراء ” إسلوب الريبورتاج التلفزيوني التقليدي، وإتكل على خبرة البي بي سي الكبيرة في تقديم التقارير التلفزيونية ونشرات الأخبار، بتحويل القصص الإخبارية الى موضوعات مثيرة، تستحوذ على إهتمام شعبي كبير ( نشرات الأخبار على “بي بي سي” تحظى بنسبة مشاهدة عالية). الفيلم يركز بعاطفية كبيرة على المعاناة الإنسانية للضحايا وعوائلهم، في مقابل تضخيم فعل المجرم او الإرهابي، كما إن إسترجاع تفاصيل العملية ساعة بساعة، سيمنح هذا الفيلم إثارة اضافية، خاصة إن التفاصيل تلك، سترويها شخصيات عاشت التجربة القاسية، ونجت من الموت، بسبب مجموعة من المصادفات، وأحيانا بفضل عمال جزائريين عاديين، رفض بعضهم أن يظهر في الوثيقة التلفزيونية بصورته وإكتفى بالصوت فقط، خوفا من إنتقام من مجموعات مسلحة ، مازالت تُثير الرعب في الجزائر.