الهندية آرونا فاسوديف عَلَمُ السينما الآسيوية

بوليوود : من أجل مزاج رائق!

ندى الأزهري- نيودلهي

حين اكتشفت آرونا السينما الآسيوية كان ذلك في “هاواي”! حينها ” نسيتْ كل شيء عن فرنسا حيث درستْ السينما” وتفرغت للشغف الجديد. كرست للسينما الآسيوية كل وقتها وجهدها. خصصت لها دورية سينمائية كانت تصدر في دلهي للتعريف بالابداعات الآسيوية ثم سعت لتشكيل هيئة تعنى بتطور تلك السينما وبتوفير الإطار للتعاون بين أركانها. فكانت” النت باك” أو Network for the Promotion of Asian Cinema. التي ترأسها اليوم.
 تركز آرونا فاسوديف كل الأسئلة في سؤال واحد: لما تهمل دول الاطراف بعضها البعض وتتوجه فقط نحو المركز؟!  فالسينما الآسيوية هي مستقبل السينما، تقول بثقة…
في منزلها في نيودلهي الذي يمتلئ بإصدراتها السينمائية وبكثير من الكتب، كان لنا معها هذا اللقاء.

كل شيء عن “نت باك” مذكور على موقعها على الشبكة، تقولين. إنما نرغب بسماع تفاصيل خاصة منك لا سيما عن دورك في تطوير السينما الآسيوية.
 اكتشفتُ تلك السينما في مهرجان في هاواي عام 1984. كان ذلك المهرجان مع آخر في هونغ كونغ الوحيدين اللذين يقدمان السينما الآسيوية. بهذا الاكتشاف نسيت كل شيء عن فرنسا حيث درست السينما وقدمت رسالة الدكتوراه عام 1976 عن ” الرقابة في السينما الهندية”. لا أحد كان مطّلعا على الافلام الآسيوية، و لا أحد معروفا غير الياباني أكيرا كيروساوا والهندي ساتيا جيت راي. ثمة كثير من الأشياء كانت تحدث في آسيا، إنما لم نكن ندري بها. لذا قررت بعد عودتي نشر دورية سينمائية عن هذه السينما، صحيح بمال قليل لكن بكثير من الشغف.

هل كانت المشاركات في المجلة من الهند فقط؟
الكتاب كانوا من البلدان التي كنا نعرّف بأفلامها. كان هذا مثيرا. بقيت أصدر المجلة مدة 16 سنة ثم بسبب الجهود الضخمة التي كانت تحتاجها تخليت عنها لشركة كبرى كي تتابع إصدارها، لكنها أقفلتها!

في مهرجان طرابلس حيث خصصت جائزة باسمها

في آوائل التسعينات طلبت مني منظمة “اليونسكو” تنظيم مؤتمر عن السينما الآسيوية في الهند. كانت الموارد قليلة، و لم تكن تسمح بدعوة كل من رغبت من المخرجين الآسيويين. فقررت تركيز اللقاء على رؤوساء المؤسسات وصانعي القرار في تلك البلدان, مثلا مدير المركز الوطني للسينما في كوريا ونائب وزير الثقافة في فيتنام… وايضا مدراء المهرجانات وبعض الكتاب الاوربيين المهتمين بالسينما الآسيوية. وقد قررنا حينها تنظيم مؤتمر آخر في اليابان وتشكيل مركز في كل بلد  للتعارف فيما بيننا وتبادل الافلام الآسيوية. كنا لا نعرف غير هوليوود! سنتان بعدها نظمنا أكبر مهرجان للسينما في آسيا، وسجلنا “نت باك” في ماني عاصمة الفليبين كهيئة دولية، وأمست مجلتي “سينمايا” المجلة الرئيسية لها.

ثمة جوائز لنت باك في العديد من المهرجانات. كيف بدأت الفكرة وما هي معاييركم لمنح الجائزة؟

بدأنا بتخصيص جائزة النت باك وهي جائزة معنوية في مهرجان برلين عام 1994 . إنها راهنا في ثلاثين مهرجانا دوليا منها أبو ظبي، ودمشق، وطرابلس لبنان، وهذا فيما يخص البلدان العربية. ثمة لجنة من ثلاثة محكمين لا ختيار الأفضل آسيويا.

اين تتواجد في رايك السينما الآسيوية الأكثر تطورا؟
السينمائيون الشباب الأكثر اثارة للاهتمام هم في الفيليبين، فهناك تقدم لهم المساعدات وينظم مهرجان سنوي. في تايلند أيضا، كما أن السينما الكورية الجنوبية رائعة. أستطيع القول أنه في كل مكان في آسيا ثمة حركة سينمائية اليوم مثيرة للاهتمام. في أندونيسيا مثلا هناك مخرجون باتوا معروفين عالميا ولكن للأسف لا مهرجان فيها.

تأسفين لعدم وجود مهرجان، كيف تقيّمين دور المهرجانات وهيئتكم في تطوير السينما؟

المهرجانات تشجع الشباب على الدخول في عالم السينما، وتوفر انفتاحا على السينما العالمية. ثمة أمور متنوعة تحدث في المهرجانات وليس فقط مشاهدة الأفلام. اللبنانية جوسلين صعب مثلا بدأت مهرجانها في طرابس(لبنان) بفضل النت باك، وتعرفنا على السينما الإيرانية وعلى مخرجين من سوريا مثل محمد ملص وأسامة محمد بفضل المهرجانات ايضا. النت باك قدمت السينما السريلانكية كذلك والمخرج راسانا فيتانا…

لا تذكرين شيئا عن السينما الهندية!
معرفتي بها قليلة اليوم. أشاهد الأفلام منذ أربعين سنة… لم أعد أحب هذا( تضيف ضاحكة)! لكن هناك جيل من الشباب يمثل السينما الهندية الجديدة منذ حوالي الأربع سنوات، الأمر المشجع أن هذا الجيل لديه المال لعمل الأفلام، فهو يعرف طرق التمويل أكثر من السابق. والحديث يتعلق بسينما المؤلف. حديثا، وقّعت الهند اتفاقية مع بعض دول أوربا للتعاون الإنتاجي. لم يحصل شيء من هذا القبيل مع دول آسيوية! هذا يؤسفني ، هم لا يرون المستقبل، إنهم أغبياء حقا! لا يرغبون بمعرفة أن المستقبل هو آسيا، فأوربا مرت بعصرها الذهبي. اليوم تشكل الهند والصين اساس الثقافة الآسيوية، علينا التعارف جيدا والسينما هي أكثر الوسائل التي تتيح معرفة العالم والشعوب. لذلك يجب توزيع الفيلم الآسيوي في كل البلدان، لكنهم لا يفعلون ذلك إلا في المهرجانات.

 في الهند لا نرى أفلاما آسيوية، في دور العرض فهل يعرضونها مثلا في التلفزيون؟

لا مكان لهذه السينما هنا! ثمة محطات مختصة بالسينما لكنها لاتقدم سوى أفلام العنف، منها مثلا سينما كيم كي دوك الكوري الجنوبي التي تعجب الشباب خاصة، إنها بالتأكيد جيدة ولكنها عنيفة. ثمة جمهور مثلا للسينما الإيرانية ونلمس ذلك من تهافت الجمهور عليها في المهرجانات. اليوم يتحدث الكل عن اصغر فرهادي ويرغب برؤية أفلامه.

هناك جمهور إنما لا عروض! الفرصة لاتتاح للناس للتعرف على افلام جيدة، ويعتقد الموزع التجاري أن لا جمهور لهذا النوع من الافلام. حتى سينما هوليوود لا مكان كبيرا لها هنا كما في بقية البلدان. إنه شأن ثقافي، فالناس يتساءلون: “من هؤلاء ولماذا يعيشون هكذا؟!” هم لا يميلون إلى السينما الأمريكية، يشعرون بقرب الأوربيين أكثر.  الأمريكيون يبدون غرباء جدا وغريبين بالنسبة للهندي العادي. وبالطبع ليس الأمر هكذا لهؤلاء الذين يسافرون ويطّلعون، لكن المشاهد المتوسط يفضّل السينما الهندية لأنه يعرفها ويجد نفسه من خلالها وهذا لا ينطبق على السينما الامريكية.

يبدو أن مهرجان السينما الآسيوية والعربية، الذي أسسته في نيودلهي، سيلغى هذا العام وربما للأبد!
أقمت هذا المهرجان في دلهي عام 1999 وبسبب مشاكل مادية والجهود الضخمة قررت نقل المسؤولية إلى نفس الشركة التي استلمت مجلتي. و للأسف توقف إصدار المجلة وألغي المهرجان! كانت أكبر حماقة ارتكبتها بتسليم المهرجان لهم!

بعد نظرة الترفع، ثمة اهتمام غربي متصاعد بسينما بوليوود على وجه الخصوص، ما رأيك؟!
أفلام بوليوود جدّ مريحة! إنها رائعة بألوانها وموسيقاها وأزيائها وقصصها الميلودرامية. يحبها الناس في كل مكان. حتى أنا أحبها وأشاهدها أحيانا لأكون في مزاج رائق! أمامها نتوقف عن التفكير ونسرح ونترك أنفسنا تنفعل معها، إنها رائعة. أنا هنا بصدد تحليل أسباب إعجاب الناس بهذه السينما. نحتاج إلى الترفيه بالتأكيد ولكن…يجب في المقابل توفر خيار آخر. أريد أيضا سينما جادة تدعوني للتفكير.


إعلان