هوليوود تعاني من المنافسة


محمد موسى

“لعبة الجوع” صُور في ولاية شمال كارولينا، “ذي لون ريجير” انجز في ولاية كولورادو، الفيلم الضخم بميزانيته “اينتر ستيلا”، والذي ستنطلق عروضه في العام القادم، صُور في كندا. هذه عينة قليلة فقط من أفلام هوليوودية ضخمة الإنتاج من عام 2013، فضلت الإبتعاد عن ولاية كاليفورنيا، حيث إستديوهات السينما الأمريكية التقليدية العملاقة في مدينة هوليوود وإختارت التصوير في دول مجاورة وولايات أمريكية غير معروفة بعلاقتها التاريخية بالسينما، والأسباب هي الخصوم الضريبية والتسهيلات اللوجستية التي تحصل عليه إستديوهات السينما هناك. سلطات مدن أمريكية، وفي ظل أزمة إقتصادية خانقة تخيم على البلد منذ أعوام طويلة ولا تبدو إنها في طريقها للإنتهاء قريباً، تحاول عبر أموال وشهرة السينما، المساعدة بدفع عجلة الإقتصاد البطيئة فيها. ولاية كاليفورنيا تَخسَّر في كل عام من مكانتها، كولاية السينما في الولايات المتحدة الأمريكية. إسطورة هوليوود تتعرض لهَّزات جديدة.

لم يَّعد الخطر على هوليوود وولاية كاليفورنيا هو التنافس الخارجي فقط، والذي بدا قبل سنوات، إنه قادم من  مناطق مثل الشرق الأوسط، كبديل غير متوقع عن الأراضي الأمريكية، فالثورات العربية عرقلت كثيراً نمو الصناعة السينمائية في دول عربية عدة، كانت قد إستثمرت ملايين الدولارات في بناء إستديوهات سينمائية وتعديل قوانينها لجذب الشركات السينمائية الأمريكية وغيرها للتصوير في بلدانها. حتى المغرب والأردن، والتي بقيت بعيدة عن نار الربيع العربي، تأثرت بشكل او بآخر بما يَّحدث في المنطقة. في الفيلم التسجيلي ” مغوي ومَتروك “، والذي عرض في نهاية العام الماضي، يزور النجم أليك بالدوين وزميله المخرج الأمريكي جيمس توباك، وكجزء من سعيهم للحصول على تمويل لمشروع فيلم، ممثلون  دول عربية في مهرجان كان السينمائي. الموظفون الرسميون العرب أكدوا عن إمكانية  أن تقوم دولهم بالإشتراك في إنتاج الفيلم، من أجل  جذب الشركة المنتجة للتصوير في تلك البلدان. وحتى مع الشعبية التي نالتها بعض الدول العربية قبل أعوام كمواقع تصوير رخيصة بخبرات محلية جيدة، بقيت معظم الأفلام المصورة في تلك الدول في حدود الأعمال التي يكون فيها الشرق الأوسط كخلفية للقصص المُقدمه، مع إستثناءات قليلة للغاية.

ليست شركات السينما وحدها التي إختارت التصوير في ولايات أمريكية اخرى بعيداً عن هوليوود. التلفزيون الأمريكي بدوره إكتشف المزايا الإقتصادية للتصوير في ولايات أمريكية اخرى، بعضها غير معروف عنه أبداً أي تاريخ في توفير المحيط الجغرافي لتصوير أعمال تلفزيونية او سينمائية. مسلسل “بريكينغ باد”، والذي يُعد واحد من أنجح المسلسلات التلفزيونية في العقد الأخير، صُور في ولاية نيو مكسيكو. الفائدة التي يجنيها إقتصاد ولاية ما بسبب تصوير مسلسل فيه، تفوق بكثير تلك الخاصة بالأفلام. فالمسلسلات مثل المسلسل المذكور، عُرف عنه بَذخه الإنتاجي، إذ إقترب المبلغ المصروف على كل حلقة من حلقاته ذلك الذي يُنفق على أفلام من فئة الأفلام المتوسطة الإنتاج. كما توفر المسلسلات بحلقاتها وأجزائها العديدة، مصادر للدخل تطول لبضعة سنوات.

تُحذر شركة FilmL.A، وهي شركة غير ربحيّة تقوم بتنظيم عمليات التصوير في ولاية كاليفورنيا، إن الولاية وإستديوهات السينما والتلفزيون في هوليوود، ستخسر كثيراً مع تصاعد شعبية أمكنة إخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا لم تقم إدارة الولاية بخطوات سريعة، أهمها خفض الضرائب المفروضة على التصوير فيها، وهو بالضبط ما تفعله ولايات أمريكية عديدة لجذب شركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني اليها. موقع شركة ” FilmL.A” على شبكة الإنترنيت، يُقدم إحصائيات عديدة عن الصناعة السينمائية والتلفزيونية، منها عن أعداد الأعمال المصورة في كاليفورنيا، والتي انخفضت بنسبه 10% في العام الماضي وحده. هذا الإنخفاض يقابله تصاعد الأعمال المصورة في ولايات مثل جورجيا، التي تقدم تخفيضات ضريبية على الأعمال المصورة فيها بنسبة ثلاثين في المائة. هذه الولاية بالتحديد تجذب منذ أعوام منتجيين أمريكيين للتصوير فيها، حيث صورت في العام الماضي فقط الأفلام التالية: الجزء الجديد من “الغبي والأغبي”، الجزء الجديد من سلسلة “السرعة والغضب”، فيلم “بالكاد قاتل”، والذي يلعب بطولته الممثل صامويل جاكسون.

ليس الخطر الذي تواجه هوليوود هو أعمال متفرقة تختار أن تترك عاصمة السينما في مناسبات قليلة، بل  يأخذ شكلاً جدياً، عندما تقوم ولايات امريكية بتشييد بنية تحتية لصناعة سينمائية وتلفزيونية قادمة. فالأفلام والمسلسلات شجعت على تطوير قدرات المهنيين المحليين، كما ساعدت على نمو دورة إقتصادية مرتبطة بالنشاط السينمائي، يأخذ صوراً عديدة، منها إنتقال مشتغلين في السينما نهائياً الى الولايات التي تشهد نمواً في عدد الافلام المنتجة فيها، ليكونوا قريبين من أمكنة العمل الجديدة، إنتقال هؤلاء يعني غالباً إصحاب عوائلهم معهم. كما إن هذا الإنتقال لا يقتصر على المهنيين، نجوم التمثيل، بدوا يعوا إن العمل لم يَّعد متركزاً في هوليوود، الأمر الذي يجعل السكن في المدينة الصغيرة بغلوه وإفتقاده للحريات، ليس بالأهمية التي كان يَّحملها في الماضي.

هناك الى جانب الفوائد الآنية للإنتاج السينمائي في مدن معينة على إقتصاديات الأخيرة، إخرى بعيدة المدى، تتمثل في تحويل تلك المدن وبالخصوص الأمكنة العامة التي صورت بها مشاهد من تلك الافلام، الى مزارات دائمة لعشاق السينما، وما يعنيه هذا للسياحة في تلك المدن. هناك مواقع خاصة على شبكة الأنترنيت مثلاً، تُقدم معلومات مُفَصَّلة عن مواقع تصوير أفلام أمريكية عديدة من فترات تصل الى قرن كامل، أحيانا مع صور حديثة لتلك الأماكن. كما تُنظم في مدينة نيويورك وغيرها رحلات سياحية خاصة تقتفي أثر أفلام شهيرة، مارة على معظم المواقع التي صُورت فيها تلك الافلام.


إعلان