تتويج فيلم وثائقي سوري لطلال دركي

زبيدة الخواتري
يقول الكاتب “آلان توران ” في كتابه “هل من الممكن أن نعيش مع بعضنا لبعض” أن التاريخ ليس فقط رصدا لقصص نجاح ولكن أيضا سقوط وتراجع المجتمعات باعتبار الفشل والتراجع محطة مهمة يمكن استغلالها لاسترجاع القوة والعودة من جديد ، وهو ما حصل مع المخرج السوري طلال دركي الذي حصل مؤخرا على جائزة أفضل فيلم وثائقي أجنبي ضمن فعاليات الدورة الثلاثين لمهرجان السينما الأمريكية المستقلة .
وقد توج المخرج بجائزة “سانداس” عن فيلمه “العودة الى حمص” والذي يحكي قصة عبد الباسط الساروت ورفاق دربه والمواجهات التي يقومون بها في اطار مواجهتهم للنظام السوري حيث يكشف في البداية النزوح للحوار وللطرق السلمية لحل المشكل ومن تم الانتقال لمرحلة أخرى وهي حمل السلاح الذي تتعالى أصواته ايذانا بدق طبول الحرب لتتحول مدينة حمص و معها جزء مهم من تاريخ العرب والتاريخ الانساني من مدينة هادئة مبتهجة لمدينة متحركة غطاها ضباب العيار الناري ، ولوث سمعها صوت الصراخ ، وسال دمعها مع دماء الشهداء كبارا وأطفالا ممن رسموا صورة جعلت العالم يقف وقفة انسانية صارخة ضد الظلم وأبشع أنواع العنف الذي من الممكن أن يتعرض له انسان.
ووسط زخم كل الأحداث يرفض عبد الباسط التراجع حتى بعدما قتل العديد من الأبرياء وهجر البقية المدينة هربا من الموت وحاملين معهم آلام فراق الأحباب و بقايا هجرة جاءت قصرا جعلتهم يغادرون الذكريات والأحلام والمكان الذي يحمل كل ما يمكن للإنسان أن يملكه ويجعله يعيش سعيدا من بيت وعمل وقوت وحتى جيران وأهل وفراق ليجد نفسه في نهاية المطاف مخيرا بين أمرين أحلاهما مر الأول هو البقاء في حمص ومعها الوطن وهو ما يعني الشعور بالخوف والموت في أي لحظة أو الخيار الثاني وهو الهجرة لمكان مجهول بدون أدنى فكرة عن المصير المحتمل شعور يمزج بين الشعور بالغبن والظلم والخوف من الحاضر والمستقبل .

في المهرجان

لكن وسط كل هذه الخيارات يقرر عبد الباسط ورفاقه البقاء في أرض المعركة وعدم رفع راية الاستسلام يقررون القتال والمقاومة بكل السبل حتى آخر رمق ، وهو خيار صعب لكنه شجاع لأنه وعلى الرغم من كونه ظاهريا يعكس نهاية قد تكون حتميا وبسبب ظروف الحرب هي الموت لكنه باطنيا يحمل رغبة أقوى في الحياة ، هي فقط الحياة أو الممات معنى ينم عن رغبة دفينة في البقاء والحفاظ  على الكرامة وصيانة الوطن والاستعداد للاستشهاد من أجله وهي تضحية خالدة وحده التاريخ سيحفظ مكانها ويوثقها للأجيال القادمة ويجعلها رسالة واضحة تتكرر عبر صفحات الماضي والحاضر ، فالربيع العربي الذي كانت سورية واحدة من البلاد التي عاشتها هو استمرارية وليس قطيعة وبداية لمرحلة جديدة وليس أبدا ايذانا بالنهاية لأنه وان حمل بين طياته الألم فهو أيضا يقدف باقة من الأمل في غد جديد أفضل فالدماء السورية التي سالت جراء الحرب التي حررت البلد وأعادت له استقلاله سيعيدها الحاضر عاجلا أم آجلا ويمحو عبرها السحابة السوداء ايذانا بشمس يوم جديد ،لكن في انتظار ذلك اليوم يستمر مسلسل العنف والدمار والتشريد الذي جعل الأطفال بدون مدارس والمرضى بدون دواء ولا راحة والمواطن بدون أدنى حقوق للمواطنة وحرية التعبير وأبسط سبل العيش ففجأة وجد كل الأبواب مغلقة فقد عمله ومنهم من ترك دراسته وفارق أحبابه على حين غفلة وبدون سبب مقنع فقط ذهبوا ضحية للجهل والطمع والعنف والارهاب وأبشع سبل القمع التي حولت الخلاف البسيط لاختلاف جعلته لا يعطي اعتبارا حتى للقواسم المشتركة التي جمعت ذات يوم أبناء نفس البلد سورية وهي اليوم تفرقهم وتعصف بهم وبتاريخ مشرق وجميل يذكر حمص التاريخ والحضارة والعمران في فيلم وثائقي يعيد من خلال حمص الاعتبار لسورية التي ترفض الاستسلام.


إعلان