. حتى لا يخسر مهرجان السينما المغربية إشعاعه !!!

أحمد بوغابة / المغرب

تتواصل فعاليات الدورة 15 للمهرجان الوطني للسينما المغربية بمدينة طنجة والتي ستستمر إلى حدود مساء يوم السبت القادم. تعرف هذه التظاهرة نفس الحماس المتعدد والمختلف، الحاد أو المسالم، تُجاه الأفلام المعروضة، سواء القصيرة منها أو الطويلة، وهو انعكاس طبيعي لحيوية الإنتاج وللتناول السينمائي المُعبر عنه من مُختلف الأجيال. ويظهر ذلك جليا خلال النقاشات الرسمية إبان الندوات الصحفية الصباحية اليومية أو أيضا – إن لم نقل الأهم – النقاشات الحرة على الهامش في الفضاءات التي تستقبل المجتمع السينمائي المغربي بكل تجلياته الفكرية والفنية. وهذه النقاشات الدائرة حول الأفلام خلال مدة المهرجان هي بمثابة الشرايين المحيطة بالسينما والتي تغذيها بالأفكار والآراء كيفما كانت طبيعتها. والأجمل، أن هذا النقاش يساهم فيه أيضا السينمائيين المحترفين والصحفيين والنقاد الضيوف من الأجانب، فهم محايدون ولهم نظرة مغايرة وغير “متورطين” في “حساسيات” ما وبالتالي فمساهماتهم جد غنية لجميع الأطراف للاستفادة منها لمن يرغب في ذلك. وسنقف أسفله إلى بعض من ملاحظاتهم القيمة.

… مدير المركز السينمائي يحيي شخصية مصطفى استيتو
وكانت الدورة الحالية – كما جاء في نص سابق بالأسبوع الماضي – قد افتتحت يوم الجمعة الأخير، 7 فبراير، بحفل جد هام لقيمته المعنوية حيث العادة هو تكريم مجموعة من الفنانين في مهن التشخيص أو الإنتاج أو الإخراج بينما تم التركيز هذه السنة على إسم واحد وهو السيد مصطفى استيتو الذي غادر المركز السينمائي المغربي مع مطلع السنة الجديدة الحالية بعد أزيد من 40 سنة من الخدمة لصالح هذه المؤسسة التي لم يعرف سواها في حياته المهنية وقدم لها خدمات قانونية وهيكلية واجتماعية في ذات الوقت الذي كان يخدم السينما الوطنية ويبني أسسها بنفس طويل سيذكر له التاريخ لعقود من الزمن هذه الملحمة التي لا يعرف قيمتها إلا مَنْ واكب عن كثب مسيرته في الإدارة والسينما.

لجنتا التحكيم في صورة جماعية واحدة

ونظرا لهذه القيمة الاستثنائية التي يتمتع بها السيد مصطفى استيتو، فإنه من الطبيعي والمنطقي أن يتم تكريمه في المهرجان الوطني للسينما المغربية كأهم محطة سنوية في الحقل السينمائي المحلي، وأن تكون الكلمة في هذه المناسبة بلسان مدير المركز السينمائي المغربي نفسه السيد نور الدين الصايل. إنه اعتراف علني ورسمي بكون مصطفى استيتو وشم تاريخ السينما بالمغرب.
وكانت كلمة السيد نور الدين الصايل جد معبرة وذكية في رسالتها حيث استهل كلامه بأنه لن يتحدث عن تاريخ هذا الرجل وما أنجزه وإنما عن المستقبل، وكأنه يقول لا أوافقكم أن تعتبروه جزء من الماضي انتهى والسلام، وعليه أن ينعزل، بل فضل الحديث عن المستقبل. تلميح واضح لا غبار عليه أن مصطفى استيتو لم ينته بوصوله سن التقاعد مادام يتوفر على معرفة عميقة بالقانون الإداري والتنظيمي في السينما والسمعي البصري، يعني بضرورة استثمار رصيده في أفق أرحب. وبذلك فهو ينتقد من يعتبر وصوله إلى مرحلة التقاعد الإداري الرسمي يعني نهاية المطاف. أو بصيغة أخرى، فهو قد وجه دعوة مفتوحة لكي يبقى مصطفى استيتو في عمق السينما المغربية خاصة وأن خريطة المؤسسات والشركات والهيئات المستقلة والخصوصية في حاجة لمثله.
لكي يؤكد السيد نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، على ما سبق من كلامه ويبرهن على احترافية مصطفى استيتو، الكاتب العام للمركز إلى حدود بداية السنة الجارية، توقف عند ثلاث محطات التي جمعته به منذ كان نور الدين الصايل رئيسا للمؤتمر الدائم للوسائل السمعية البصرية في حوض المتوسط المعروفة اختصارا “كوبيام” (copeam) إلى أن أصبحا يشتغلان معا في مؤسسة واحدة هي المركز السينمائي المغربي حيث النقطة الأساسية التي التقا عليها هي الإنتاج وتطويره. 

… حفاظا على مكاسب المهرجان وإشعاعه
لا داعي لتكرار ما سبق أن تطرقنا إليه في نصوص سابقة عدة حول أهمية المهرجان الوطني للسينما المغربية بعد استقراره بمدينة طذجة حيث أصبحت لديه هوية واضحة ومعروفة داخليا وخارجيا. ووقفنا في السنوات الأخيرة إلى جانبه لكونه يشكل جزء من ثقافتنا السينمائية ضد من كان يسعى لقبره بشتى الوسائل. وخضنا معارك إعلامية من منطلق الإيمان بضرورة الحفاظ على كل ما هو إيجابي في هذا المهرجان. لكن، لا بد أن نتوقف عند الدورة الحالية (الدورة 15) التي ستشكل منعطفا في مسيرته إذا لم يتم استدراك هفواته. نتمنى أن تكون عابرة في هذه السنة فقط بسبب عدم وجود كاتبا عاما بعد مغادرة السيد مصطفى استيتو للمركز السينمائي المغربي.

استيتو بين صايل والعربي اليعقوبي

إن المهرجان الوطني للسينما المغربية هو الأكثر تنظيما في المغرب من بين كل المهرجانات (أستثني المهرجان الدولي لمراكش نظرا لخصوصيته) وأكد ذلك في دورته الحالية أيضا (في مجملها) حيث يتوفر المركز السينمائي المغربي على أطر محترفة كفأة في التنظيم والعرض والمعرفة بشؤون السينما وأهلها. كما يتعاقد مع شركات أخرى محترفة أذكر خاصة شركة الأمن التي تأقلم موظفوها مع المهرجان ويعرفون الآن جميع الوجوه الفنية وبالتالي لم تعد هناك مشاكل على مستوى التنظيم. لكن هذه السمفونية المتجانسة الجميلة تنظيميا شوشت عليها عناصر أخرى نذكر منها شركة تم التعامل معها هذه السنة تكلفت ببعض الجوانب في اللوجستيك الذي لم يكن في المستوى. ليس شاشة كبيرة خارج القاعة هي التي ستعطيها المشروعية خاصة وأن تلك الشاشة ليست لها وظيفة إعلامية على الإطلاق وغيرها من المشاكل التي خلقتها تلك الشركة عند اللقاء السينمائي المهني لليوم الثاني من المهرجان بأحد الفنادق. وهذه الشركة هي التي جرت المهرجان الدولي لأقطار حوض المتوسط بتطوان إلى مشاكل كثيرة وخربته وكادت تقضي عليه خاصة في الدورات الثلاث الأخيرة (تطرقنا إلى ذلك بالتفصيل في نصوص سابقة). فهل تسعى هذه الشركة تخريب المهرجان الوطني من الداخل بعد أن عجز “أصدقاؤها” في محاربته بشتى الوسائل تحت يافطة “وصيتها القانونية”؟ إنني أثق في ذكاء المدير العام السيد نور الدين الصايل واحترافيته لكي لا يسمح لها بالعمل على ما عجز غيرها فيه.
وتجرني ملاحظاتي للكلام على نشرة المهرجان التي هي المعبر وصوت هذه التظاهرة طيلة مدة انعقاده. وعليه فإن هذه النشرة، التي لا تتجاوز أربع صفحات، ينبغي أن تكرس نفسها للضيوف وأخبارهم وأنشطتهم وخاصة للأفلام المشاركة وأصحابها والأخبار السينمائية التي هي مفيدة للجميع عوض أن تضيع ثلث الصفحة الثانية بالفرنسية لشخص يدعى محمد باكريم الذي ينشر نرجيسيته بثرثرة لا يقرأها أحد سواي وربما إثنين أو ثلاثة أشخاص (لقد قمت باستطلاع قصير عفوي سألت من يقرأها فلا يهتم بها أحد) حرام أن تضيع تلك المساحة لغرض فيه “إن”؟؟!! ولم أفهم أيضا “حكمة” إعطائه تقديم الأفلام لكي يستدعي المخرج ثم يقول “فرجة ممتعة”. فهل هذا هو النقد السينمائي هو “العالم”؟ أعتبره هفوة وعثرة كبيرة في الدورة 15. إن صلاحية استعماله انتهت (périmé) حتى ولو كان يتوهم العكس.

سينما الريف حيث الفاعليات

ومن غرائب هذه الدورة وجود في كاتالوغ المهرجان إسم جمعية ضمن شركاء المهرجان وهي “الجمعية المغربية للدراسات السينمائية” وهي جمعية لا تتوفر على الوصل القانوني وغير معترف بها ورغم ذلك مازال “يتسوق” بها الشخص نفسه المدعو محمد باكريم (أنا واحد من مؤسسي هذه الجمعية التي لم تر النور بسببه. سأعود إلى الموضوع مستقبلا). أعرف أن إدارة المهرجان تدقق جيدا في كثير من النقط فكيف نجح في “التسلل” إلى هيئة وهو غير قانوني بل عمل على تأسيس جمعية أخرى جديدة ولم يتقدم باسمها.

… الوعود ثم الوعود ولا شيء إلا الوعود
في كل سنة، وفي كل دورة عند افتتاح المهرجان، يصعد عُمدة مدينة طنجة إلى المنصة ليلقي كلمته الرسمية التي يتحدث فيها عن “إنجازاته” رغم أننا في حفل سينمائي. وفي كل سنة، وفي كل دورة، يعد ب”الإنجازات” خاصة بفضاء يليق بالمدينة لكي تحتضن المهرجان الذي يكبر باستمرار. ربما ينسى بأنه يعد بوعده سنويا أو معتقدا بأن الحضور يتغير سنويا فيعيد نفس الخطاب بالوعد الذي قد يأتي ولا يأتي بل لن يأتي. فلو كان قد شرع بالموضوع منذ أن وعد به قبل ثلاث سنوات لكان قد وقف الآن شامخا بالمدينة. ولو كان اهتم بقاعة سينما “ألكسار”، التي وصل الآن سنها إلى قرن، لكانت المدينة قد استرجعت جزء من تاريخها واحتفظت بمعلمة من معالمها واستفاد المهرجان منها. وبما أن إيقاع الزمن قد أصبح سريعا وبالتالي فإن السنة المقبلة هي سنة الاستعدادات للانتخابات فقد صدرنا هذه المرة إلى سنة 2017 لعلنا ننسى الزمن.
إن طنجة تكبر، وحصلت مؤخرا بشكل رسمي على صفة “طنجة الكبرى” (متروبول) بعد الدار البيضاء مباشرة لكن مرافق الثقافة والفنون منعدمة. لحسن الحظ أن السيدة يطو برادة ناضلت لكي تنقذ قاعة الريف وحولتها إلى خزانة سينمائية وملتقى لعشاق فنون السينما فوجد المهرجان مكانه فيه… في انتظار وعود جديدة من عند السيد العمدة.   
 


إعلان