فيليب عرقتنجي: ضغط الواقع يدمج الوثائقي بالروائي
بيروت – الجزيرة الوثائقية
وقع المخرج فيليب عرقتنجي مجموعة من أفلام انتقاها من أربعين فيلما من أعماله، أنتجها منذ أواخر السبعينات وحتى اليوم، ووثقها في خمسة أقراص مدمجة (دي في دي)، بينما يترقب الجمهور نزول فيلمه الجديد “الميراث” إلى السوق أواخر آذار (مارس) المقبل.
يتناول عرقتنجي موضوعات أفلامه من الواقع، يعتمد في عرضها على المزج بين الرواية والتوثيق. هو ميال إلى الرواية، يجدها في وقائع كثيرة من الحياة، لكنها تعتمد على الأحداث الحقيقية فتبدو توثيقية. ولذلك، يظهر عرقتنجي وكأنه خط لنفسه منهجا جديدا في عالم السينما. يتحدث عرقتنجي ل”الجزيرة الوثائقية” عن ذلك: “على صعيد التوثيق، هناك مدارس متعددة، أما لوني التوثيقي فلم يجد له مكانا معينا في مدرسة منها لأن الصيغ التي كنت أعتمدها استندت إلى تجارب ذاتية”، وهو لا يروي رواية خيالية من خارج الواقع كما فيلمه الأول “البوسطة” الذي يقول عنه: “الوحيد من الأفلام الذي كان روائيا بالكامل هو فيلم البوسطة، وهو قريب من الحقيقة، وهو ليس عالما خياليا بحتا”.

ويتحدث عرقتنجي عن ضغط الواقع، وتطورات الأحداث التي لا تنقطع، حتى إذا شاء البحث عن موضوع رواية لفيلم من أفلامه، بدا توثيقيا حيث “لا يمكن تلافي الوقائع الكثيرة الحاصلة في حياتنا والتي تفرض نفسها بقوة على موضوعات أعمالنا“، كما قال.
ويضيف: “كنت أحب أن أعمل أفلاما روائية، وأنا أحب اختراع القصص، ولكن الواقع اللبناني كان أصعب من أي خيال، ومهما تصورت من أشياء، فعندما تأتي إلى الواقع اللبناني يفرض الواقع عليك ما الذي يجب أن تتصوره. الحالة على الأرض في لبنان ضاغطة ومؤثرة حتى أصبحت هي الرواية. وفي الواقع هناك أشياء أكبر من التي يتخيلها العقل. بمعنى أن المواد التوثيقية هي أكبر من الرواية ومن الخيال”.
كما اعتمد في رواياته على فهم الواقع فهما اجتماعيا ثقافيا معمقا، فسبر في كل رواية خطا أمسك به مسارا طويلا لقضايا اجتماعية، ولخص بها أحداثا تاريخية هامة، مثل “من عيون الأمهات”، و”الميراث”، و”أرض الانسان”، و”تحت القصف”، وسواها من قصص.
عن فيلمه “من عيون الأمهات” يقول: “أول عرض للفيلم كان سنة 1998 في “المحطة اللبنانية للارسال”، ولقي نجاحا باهرا، وبيع في بلدان كثيرة، وكان موضوعا لكتاب، والفيلم يعرض أهمية الأم في العقلية الشرقية، فهي تفقد اسمها الصغير لتحمل اسم ابنها الصبي الذي يصبح هويتها، فإذا أصبح الصبي طبيبا صارت “أم الحكيم”، وإذا استشهد صارت “أم الشهيد”، وندخل بشعور الأم وآلام الحرب ونفسر كم أن المجتمع اللبناني ذكوري، لكن للأمومة فيه موقع رائد. الفيلم يطرح أسئلة، كما غالبية أفلامي، ولا تعطي إجابات بطريقة واضحة”.
ويعرض عرقتنجي الأعمال التي وقعها مؤخرا، وهي مجموعة مسجلة على خمس DVD، وفيها عشرة أفلام. بينها “من عيون الأمهات”، و”فيلم “البوسطة” الذي عرف الجمهور العربي علي. لكن هناك 40 فيلم وثائقي سابق له، وكان كثير من الأصدقاء يطلبون مشاهدة الأفلام مجددا لأنهم أحبوا الأفلام، وهذا كان من دوافع إصدار المجموعة”.

في المجموعة أيضا فيلم “تحت القصف” وهو روائي- وثائقي، نال 23 جائزة في مهرجان البندقية، وعدة مهرجانات أخرى، وجرى تمثيله مع جورج خباز وندى بوفرحات، بعد حرب 2006، وهناك “أرض الانسان”، نزل بعد وفاة الاستاذ غسان تويني، وهو وثائقي عنه، وينقل صورته قبل وفاته، يقول عرقتنجي: “أحببت أن اسجله لأنني أحب معرفة الناس، وآخذ منهم أشياء كثيرة، منها ما يريدون قوله، ومنها ما لا يريدون. وهو فيلم يدخل بعمق في الحياة الحميمة للاستاذ غسان (تويني)”.
وبداخل فيلم خامس خمسة أفلام، واحد عن بيروت منذ عشرين سنة، يقول عنه: “بينما كنت أحضره، طلبت من المنتجين تصوير بيروت كما هي مدمرة، لكي تظل الأجيال تتذكر ما الذي أحدثته الحرب عسى تتلافاها مستقبلا”.
مجموع الجوائز التي حصلت عليها هذه الأفلام هي 43 جائزة. يعلق عرقتنجي عليها بقوله: “الأفلام أحببتها، وأعدتها للذاكرة لأتذكر كيف نفذتها، وكان عمري بين 25 و28 سنة”.

“الميراث” سيعرض في لبنان في 27 آذار المقبل، وقد استغرق ثلاث سنوات ونصف السنة من العمل، منها سنة ونصف في التفتيش بأرشيف أفلام عن لبنان بين 1920، و1950، وعن مراحل تلك الحقبة بكل ما فيها، وما تتضمنه من أحداث نادرة. يقول عرفتنجي عنها: “عثرت عليها في أماكن متعددة في أميركا وفرنسا ولبنان. والفيلم يخبر عن مائة سنة من التاريخ، من خلال قصة عائلتي، فقد لاحظت أن كل أفراد عائلتي، منذ الأجداد، لم يولد واحد منهم ويتوفى في المكان عينه، وكلهم هاجروا مرة على الأقل، وشعرت أن الهجرة هي إحدى أسس هويتنا كلبنانيين، من مختلف الطوائف، وأصبحت الهجرة جزءا من هويتنا، وكلنا سالنا أنفسنا: هل نبقى في لبنان أم نهاجر؟ أم نهاجر ونعود من الاغتراب، أو لا نعود؟ وننسى هويتنا كلبنانيين. الفيلم يطرح هذا السؤال.
ويروي أنه انطلاقا من فرنسا، عمل في انحاء مختلفة من العالم على أفلام وثائقية، منها عن الزرافة في أفريقيا الجنوبية، لشركة Discovery، وفي سيريلنكا عن الآثار، وفي المغرب عن المهرج، وأفلام للأطفال في تونس ومصر ومنغوليا، وعن “المها” في المملكة العربية السعودية. هذه الأفلام توزعت بين الديسكوفري والبي بي سي والتلفزيون الفرنسي.