خليل المزين: الفقد هو سمة القضية الفلسطينية

حوار: تامر فتحي

خليل المزين يعد من أنشط السينمائيين وأكثرهم انخراطًا في الوسط الغزي. فلا توجد فاعلية – سواء كانت عرضًا سينمائيا أو ورشة فنية بصرية أو ورشة تصوير أو إخراج – إلا وتجد خليل حاضرًا سواء كان مشاركًا أو محاضرًا. له العديد من التجارب المميزة “ماشو ماتوك”، “منولوجات غزة”، “غزة 36 ملم”، وتجارب أخرى. شركة “لاما فيلم” التي يديرها المزين هي محطة انطلاق لابد وأن تمر عليها أي موهبة سينمائية تخرج من غزة. يبدو برأسه الحليق وكأنه حارس السر وكاهن المعبد. ومؤخرًا عُرض له في المركز الفرنسي بغزة أخر أفلامه، “خيال الحقل”، وهو فيلم كرتون مجسم (ثلاثي الأبعاد) مدته 35 دقيقة، ويعد أول فيلم رسوم مجسم فلسطيني. وعلى هامش العرض التقته الجزيرة الوثائقية وكان هذا الحوار.

خليل المزين

ماهي القصة وراء خيال الحقل وكيف تمت صناعة الفيلم؟
الأمر يعود لأيام الصف الرابع حين كان مقرر علينا دراسة قصة خيال الحقل، ومنذ ذلك الحين والقصة عالقة معي. وفي صغري كانت غزة مليئة بالبيارات والحقول وكان خيال الحقل في كل مكان، تحسه في وقفته كأنه ملك ثابت، قوي، وقوته تخيف الطيور. وعندما طلبت مني شركة زيتون فكرة لتنفيذ فيلم كرتون صغير، حدثتهم عن قصة خيال الحقل.
محور القصة الرئيسي يدور حول الفقد. والفقد هو سمة القضية الفلسطينية، منذ 1948، فقد الأرض، والأبناء، فالأسرة الفلسطينية تربي ابنها ليسقط شهيدًا دون أن يتجاوز العشرين من عمره. وفي الفيلم نرى البنت “ريم” الصغيرة التي تتعلق بخيال الحقل الذي يذكرها بوالدها والدتها اللذين ماتا في حادث لكن أحد الجنود يسطو عليه ليضعه مكانه في نوبة الحراسة كي يتسنى له النوم دون أن يلحظ قادته ذلك لنكتشف أن الاحتلال لم يسطوا فقط على الأرض بل على الخيال والأحلام أيضا.
الفيلم هو الثاني على المستوى العربي من حيث تنفيذه بتقنية الرسوم المجسمة أو ثلاثية الأبعاد، وهو الأول على مستوى فلسطين. والمشروع بالأساس بدأ كورشة عمل لتدريب 15 طالب على عمل فيلم كرتون قصير ثلاثي الأبعاد، لكن طموح المشاركين في الدورة قادنا إلى عمل فيلم طويل مدته 35 دقيقة، الكل عمل بأقصى طاقته لدرجة أن كل واحد كان يعمل 16 ساعة في اليوم مقابل 300 دولار في الشهر لمدة 4 شهور، وعلى الرغم من نفاذ الدعم المالي للمشروع لكننا واصلنا العمل دون رواتب، إلا أن عقبة كبيرة واجهتنا وهي عمل “Render” للرسوم التي نفذناها حيث لم تستوعب الأجهزة التي نعمل عليها سعة الضخمة للرسوم المجسمة. وعندما وجدنا إمكانية القيام بذلك في دبي وجدنا أن التكلفة ستصل إلى 40 ألف دولار، وحين خاطبنا البنك الدولي لاستكمال دعمه للمشروع، قوبل طلبنا بالرفض حيث أن المشروع بالأساس تنفيذ فيلم قصير وليس العكس.

لذلك اضطرارنا إلى حذف رسومات كثيرة حتى تتم عملية “Rendering” ومع ذلك جاء تنفيذ الفيلم به العديد من المشاكل وهذا في حد ذاته إنجاز. إن تنفيذ 15 ثانية من الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد يلزمه أسبوع عمل، لذا كل خطوة يلزمها تركيز عالي ودقة شديدة، و”Storyboard” محكم لأن الخطأ الواحد يعني ضياع أسبوع كامل من العمل.
لكنني سعيد بالتجربة، فالهدف هو تطوير قدراتي وقدرات المشاركين على تنفيذ فيلم من الرسوم المتحركة المجسمة، وهم أغلبهم من الشباب صغير السن، مازال وعيهم قاصرًا على إدراك عمق القصة ودلالة المشهد، لكنني  تغلبت على الأخطاء التي كانت تواجهنا بتقنيات فنية، مثل تقنية “Long Shot”.

اذن هل يمكن القول أن العمل في غزة مع ندرة الموارد وقلة الإمكانيات يثقل من خبرة صانع الأفلام وتجعله يفكر في صنع بدائل من خلال ما هو متاح والموجود؟
– ضعف الإمكانيات في غزة تجعل من المخرج مصمم ديكور، والمصور مدير تصوير دون الاستعانة أحيانًا بمساعد واحد. أيضا نواجه مشكلة أكبر وهي قلة الممثلين وبخاصة الممثلات، ففي غزة يوجد ممثلتين أو ثلاثة، فكيف هو الحال لوكان الفيلم يحتاج إلى ست أو عشرة ممثلات. ومع ذلك لا نتوقف هنا في غزة عن عمل الأفلام، لكن خروج الفيلم هو المحك الحقيقي سواء كانت ميزانيته كبيرة أو صغيرة، فقلة الإمكانيات لا تغفر رداءة الفيلم.


مؤخرًا شهدت السينما الفلسطينية تألقًا ملحوظًا على المستوى العالمي مع ترشح “خمس كاميرات مكسورة” وفيلم “عمر” لجوائز الأوسكار، فكيف تقيم تجربة السينما الفلسطينية؟

– أولًا السينما الفلسطينية هي عالميًا “سينما نخبة” – أي أنها سينما لا يعنى بها سوى المشغول بالهم الفلسطيني، أو بمعنى أخر المشاهد المطلع على الشأن الفلسطيني. هي سينما غير تجارية، لا تعنى بالإيرادات أو الجمهور بشكله العريض. ثانيا لا توجد سينما فلسطينية صرف لأن السينما تصنف حسب جهة الإنتاج، وأغلب الأفلام – إلا لم يكن كلها – التي صنعها مخرجون فلسطينيون هي انتاج أجنبي تام أو مشترك، اللهم إلا فيلم “عمر” فهو انتاج فلسطيني تمامًا. وهذه أمر مزعج لأن الفيلم الفلسطيني حين يكون انتاجه فلسطينيًا تماما فإن هذا يعني حرية أكبر لصانع الفيلم مما يعني تطوير أكبر على المستوى الفني، فالممول أحيانًا قد يفرض أجندته الخاصة بشكل مباشر أو غير مباشر مما يجعل السينما الفلسطينية حبيسة كليشيهات القضية الفلسطينية.

لكن الملاحظ أن بعض الأفلام تجنح إلى اختزال التفاصيل المتشابكة للقضية الفلسطينية والاختلافات الإيديولوجية بين الفصائل وذلك من أجل كسب مشاهد غير مطلع على الشأن الفلسطيني – أو بمعنى أخر كي لا يتوه المشاهد غير الفلسطيني؟
– لا يمكن لأي عمل فني أن يصل للعالمية – وأقصد بالعالمية أن يتواصل معه مشاهد مكسيكي، هولندي، أمريكي أو أي جنسية أخرى ولا أقصد الجوائز– إلا إذا كان عملًا إنسانيًا. إذا كان العمل قاصرًا على رؤية معينة أو محمل بأيديولوجيا مسبقة أو شعارات فجة فمصيره الموت والاندثار.

اسرائيل انتبهت لهذا الأمر وخاطبت العالم كضحية. لذا لابد أن نتجه للعالم ونتحدث حديث الإنسان للإنسان وليس خطاب الفصيل السياسي.

وماهي مشاريعك الفنية الأخيرة؟

– أعمل على فيلم روائي طويل بعنوان “ساوند مان” وهو يدور حول الاضطهاد والعنف الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية بشكل مستمر، وعن جرائم الشرف تحديدًا وذلك من خلال قصة حدثت بالفعل. هناك ظاهرة غريبة في مجتمعاتنا عموما وهي أن جرائم الشرف يتم التعتيم عليها، فمن حين لأخر تجد أن فلانة ماتت حرقًا وهي تعد الطعام أو أنها سقطت من سطح البيت وهي تنشر الغسيل. وهذه كلها امراض اجتماعية لابد من مواجهتها فنحن هنا في غزة نعيش تناقض كبير. فهو مجتمع منفتح على مستوى العالم الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي، لكنه في الواقع مجتمع مغلق ويعاني من الكبت.


إعلان