مهرجان “فجر” سينما الواقع الاجتماعي

ندى الأزهري – طهران

حين تذهب لحضور مهرجان ” فجر” السينمائي في طهران، فلن يكون هذا لمشاهدة الأفلام العالمية كما تفعل في أي مهرجان آخر. إذ على الرغم من المسابقة المخصصة لبعض احدث الإنتاجات العالمية المختارة “بعناية” تراعي محظورات عدة، فإن تلك المكرسة للأفلام الإيرانية تبقى الأكثر اثارة للاهتمام. فهنا وهنا فقط، وفي مسابقات الفيلم الوطني تتاح مشاهدة أفلام إيرانية لن تتوفر في مكان آخر، أفلام متنوعة المستوى تعكس حال السينما الإيرانية كما أحوال المجتمع اليوم.

ملصق المهرجان

“فجر” الذي يعقد في الفترة الواقعة ما بين الأول والحادي عشر من فبراير من كل عام،  يواكب احتفالات إيران بانتصارات الثورة الإسلامية. في الدورة الثانية والثلاثين الأخيرة، عرض أكثر من ستة وستين فيلما جديدا في مسابقات الفيلم الوطني منها 25 عمل أول. إنه خيار متعدد وصعب أمام القادم لايام معدودة، فالدورة الحالية تغلي بالأفلام، بالكلام، بحضور السينمائيين والنقاد و المهتمين بالسينما الإيرانية وبالطبع وقبل كل شيء بالجمهور… حيوية سينمائية عائدة إلى ملامح تغير في المناخ العام في إيران، سياسي بالطبع.
ثمة عروض مخصصة فقط للأجانب من مدراء مهرجانات دولية ومسؤولي برامج تلفزيونية والقليل القليل من الصحفيين. يأتون إلى المهرجان المكان الأنسب للإطلاع على السينما الإيرانية، سواء بمشاهدة العروض المخصصة لهم أو في التجول في سوق الفيلم والتلفزيون الذي يعقد في نفس الوقت. اما العاملون في المجال السينمائي والصحافي الإيراني فتخصص لهم العروض في صالات مجاورة من نفس المبنى، فيما تتم العروض الجماهيرية في دور السينما التجارية في المدينة.
نقدم هنا عرضا لأفلام شابة صمد بعض أصحابها أمام اسماء مكرسة في السينما الإيرانية شاركت في مهرجان فجر الأخير مثل رخشان بني اعتماد وداريوش مهرجوي وكمال تبريزي ورضا مير كريمي وبهروز أفخمي….
سينما الواقع
تتنوع مواضيع السينما الإيرانية في مهرجان فجر، لكن الأفلام التي تتناول الحرب العراقية- الإيرانية والأفلام الدينية تشكّل قاسما مشتركا. هذا العام طغت الأفلام المستوحاة من الحياة الواقعية لا سيما لدى الشباب الذين شاركوا في أعمالهم الأولى أو الثانية. بعض هؤلاء “مأخوذ” بالسينما الاجتماعية كما يقول ولا يستطيع صنع غيرها، يستوحي المحيط  الذي يجذبه عن وعي أو لا وعي بحيث يشكّل كل حدث في يومه مصدر وحي له. فيلم “مع الآخرين” لناصر ضميري، طرح كعدة أفلام أخرى، قضايا الحمل والإنجاب ومعاناة الأزواج المحرومين من زينة الحياة الدنيا. هنا، إمرأة تعاني من اجهاضات مستمرة ما يشعرها باليأس ويسبب أزمة في حياتها الزوجية. أما “بضعة أمتار مكعبة من العشق” الفيلم الأول لجمشيد محمودي، فيناقش موضوعا حساسا في إيران: المهاجرون الأفغان. في معمل صغير يعمل أفغاني مع ابنته المراهقة، يقع صابر الإيراني في حبها. حب معقد له نتائجه الماساوية التي تقترب كثيرا من الواقع.

  سيناريو محبك عالجه المخرج بكل رهافة ما استدعى حصوله على جائزة ايضا. و من بين كثير من الأفلام، تميز فيلم أول للمخرج الشاب مجيد رضا مصطفوى. في أسلوب ابتعد عن السرد التقليدي يتعرف المشاهد في ” الرمان الفجّ” على زوجة شابة من الطبقة الفقيرة تعمل لدى عجوز مصابة بالزهايمر، يصاب زوجها بحادث ويغرق في غيبوبة. تتوزع مشاعر الزوجة بين حبها لزوجها وإخلاصها للعجوز الوحيدة. فيلم ممتع، رغم اهماله لبعض تفاصيل الحكاية في السرد، عن الحب والأمل والعواطف النبيلة التي يحتفظ بها الإنسان رغم رغم مصاعب الحياة.
 وكانت الحرب العراقية الإيرانية ببعدها الاجتماعي  خيار المخرجة الشابة نرجس آبيار. في “شيار 134” ، الحرب من وجهة نظر نسائية وهذا للمرة الأولى في  سينما ما بعد الحرب. الفيلم تشارك في الحصول على جائزة أفضل فيلم وتحمس له عدة نقاد والجمهور، إنه عن المرأة التي تعاني في الحرب من الفقد: ابن، زوج، أخ، اب… وهذا من خلال سرد مؤثر عاطفيا لقصة إمرأة تنتظر حدثا سعيدا، إنما ثمة امتحان كبير كان بانتظارها..
أما في ” العشاق يموتون واقفين” للمخرج الأصغر من بين المشاركين الإيرانيين في فجر شهرام مسلخي، فتبدو مآسي الحرب حتى بعد سنوات طويلة من انتهائها. مراسل حربي سابق يتعرف من صور بثها التلفزيون الإيراني على مقاتل كردي عراقي كان أنقذه من الموت ايام المعارك. يقرر البحث عن “صديقه القديم” كنوع من الوفاء. في رحلة البحث يكتشف ما خلفته الحرب من تفكك عائلي ومن متاجرة البعض بالجثث في المنطقة الحدودية مع العراق لبيعها لأهالي ملتاعين ولتحقيق ثروات من وراء هذا.

وبعيدا عن ثقل هموم الواقع ، جاء عرض الفيلم الهزلي ” رد كاربت” للمخرج رضا عطاران في وقته المناسب.
 ” رد كاربت” ( السجادة الحمراء)، هو  الفيلم الثاني للمخرج  الذي قام بالدور الرئيس. هذا إذا اعتبرنا أن هناك أدورا مرسومة، فلا سيناريو محددا باعتراف المخرج نفسه.
كانت فكرة الفيلم إظهار عشق ممثل مسرحي للسينما وتلهفه الشديد لملاقاة كبار مخرجيها، فهل أفضل من مهرجان “كان” كمكان يمكن ان يجمعه بمن يحب؟ يحمل الممثل مدخراته القليلة ويشد الرحال إلى مدينة ” كان” ومعه سيناريو على أمل تقديمه لسبيلبيرغ! يرتجل عطاران بقية سيناريو فيلمه ويصور كل ما يصادفه من أحداث أو تعليقات أو لقاءات… هذا يمكن أن يكفي نصف ساعة من الزمن، لكن الممثل المخرج الذي حمل عبء الفيلم على كتفيه استطاع جذب الجمهور الإيراني وابقائه مستمتعا لساعة ونصف. لقد أعجب بسخريته وخفة ظله و بأسلوبه في إظهار الإيراني البسيط نوعا ما أو المدّعي السذاجة فيما هذه الناحية بالذات لم تعجب بعض النقاد. أضحك الفيلم مشاهديه وأحبوه, فهو لم يكن من  تلك الأفلام الكوميدية الفجة والثقيلة التي تفتعل الإضحاك. وكان أداء عطاران عفويا وخفيف الظل. يمكن القول ان” رد كاربت” كان مشروبا مثلجا في يوم حار أو بالأحرى مع هطول الثلج في طهران وقت عرض المهرجان، ربما يفضل تشبيهه بمشروب ساخن في يوم مُثلج..


إعلان