ملتقى مخرجي الأفلام التونسية: احتفاء وبعد؟

وسيم القربي – تونس

انعقدت الدورة الثالثة لملتقى مخرجي الأفلام التونسية في العاصمة تونس، وقد كان هذا الملتقى بمثابة فرصة للاطلاع على المنتوج السينمائي في تونس الذي تم إنجازه سنة 2013. الملتقى كان بمثابة الاحتفاء بالسينما الوطنية غير أنّه كان أيضا بمثابة المرآة لتقييم الذات في ظلّ عدم جدوى المساحيق اليوم في بلد الثورة: تونس…
ملتقى مخرجي الأفلام: آلام أم أوهام؟
بالتعاون مع مجموعة من الجمعيات السينمائية ووزارة الثقافة والمركز الوطني للسينما والصورة والجامعة التونسية للسينمائيين الهواة ومجموعة من الهياكل، نظمت جمعية المخرجين التونسيين الدورة الثالثة لملتقى مخرجي الأفلام والتي تحرص من خلاله للاحتفاء بالسينما التونسية عبر عرض الانتاجات السينمائية الحديثة بمختلف أجناسها، وقد خصصت هذه السنة جوائز لمسابقات الفيلم الطويل والفيلم القصير والفيلم الوثائقي. كما حرصت الجمعية لإشراك كل الفاعلين في الحقل السينمائي ومحاولة جعل هذه التظاهرة بمثابة فضاء للقاء وتبادل الآراء واحتكاك المهنيين بالجمهور المتعطش للمنتوج السينمائي المحلي. كما سعت الجمعية المنظمة من خلال هذا الملتقى إلى عرض الأفلام قصد تقييم جماعي للموجود في الساحة التونسية وتمكين السينمائيين الشباب من إبراز أعمالهم. غير أنّ ما يمكن ملاحظته هو أنّ عرض الأعمال كان يتطلب بدوره انتقاء من طرف لجنة مختصة باعتبار أنّ الاحتفاء بالمنتوج المحلي إيجابي غير أنّ ذلك لا يعني النزول تحت الخط الأحمر باعتبار أنّ تجاوزه ينذر بتحطيم الملتقى في حدّ ذاته.

عمار الخليفي

كما تمّ ضمن هذا الملتقى تكريم عمار الخليفي مخرج أول فيلم تونسي بعد الاستقلال بعنوان “الفجر” سنة 1966، ويعتبر الخليفي رائد السينما التونسية حيث أخرج في ما بعد مجموعة من الأفلام الروائية مثل “صراخ” و”التحدي” و”المتمرّد”… وهي أفلام تعلقت أساسا بالتاريخ الوطني التونسي والملاحم النضالية ضد الاستعمار الفرنسي آنذاك.
في نفس الإطار تم تنظيم مائدة مستديرة حول “دور ونفعية النقد السينمائي” وكانت بمثابة الفرصة للتفكير في مستقبل السينما وعلاقته بالنقد السينمائي من خلال الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي والمجلات السينمائية التي تصدر بين الفينة والأخرى…
وقد تكوّنت لجان التحكيم كما يلي:
– لجنة الأفلام الطويلة: كل من المخرج عبد اللطيف بن عمار والمخرج معز كمون والممثلة سندس بلحسن.
– لجنة الفليم القصير: الممثلة نضال قيقة والمخرج محمد دمق ورئيس الجامعة التونسية لنوادي السينما رمزي العموري.
– لجنة الفيلم الوثائقي: السينمائية عائدة الشامخ والسينمائي من جامعة السينمائيين الهواة فتحي بن سلامة والسينمائي بلال بالي.
وكانت الجوائز كالتالي:
• الفيلم القصير:
– جائزة افضل أول عمل روائي قصير: “بوبرنوس” للمخرج بديع شوكة.
– تنويه لجنة التحكيم: “يد اللوح” للمخرجة كوثر بن هنية.
– جائزة أفضل فيلم قصير: “حفيلي” للمخرج لطفي محفوظ.
• الفيلم الوثائقي:
– تنويهات: “أزول” لوسيم القربي و”النجاح” لشيراز بوزيدي و”صب الرش” لسمير الحرباوي.
– جائزة أفضل أول عمل وثائقي: “أولاد عمار” لنصر الدين بن معاطي.
– جائزة أفضل شريط وثائقي: “القرط /جمل البروطة” لحمزة العوني.
• الفيلم الروائي الطويل:
 – جائزة أفضل شريط روائي طويل: “باستاردو” لنجيب بالقاضي.

يُذكر أنّ تسمية لجان التحكيم قد قوبلت بنوع من التململ من طرف السينمائيين وصل إلى حدّ سحب بعض السينمائيين لأفلامهم من الملتقى احتجاجا على ضعف اللجان والتزاما بمبادئ وإيمانا بمواقف خاصة من ناحية أخرى. ولعلّ ما استرعى الانتباه هو أنّ حفل الاختتام كان باهتا إلى أبعد الحدود، وقد حضر وزير الثقافة الذي كرّم المخرج الطيب الوحيشي الذي عرض فيلمه “طفل الشمس” لأول مرة في تونس.

الوزير يكرم الطيب الوحيشي

هذا الملتقى وبالرغم من قلة الإمكانيات التي تجلّت فإنه يعتبر جسرا للانتقال نحو تحويله إلى مهرجان وطني شرط توفير الإمكانيات اللازمة لتكون هذه التظاهرة احتفاء حقيقيا بالسينما التونسية في ظلّ عزيمة الأعضاء المنظمين التي عاقت جهودهم غياب الدعم.
الأفلام الوثائقية: الفاعلية…
مثلما غاب الدعم للملتقى، غابت قاعات السينما في تونس حيث أنها بلغت حالة رثة يصعب التكهن بمصير العديد منها التي نخشى أن تتحول إلى مجرّد بناءات مهجورة تروي جدرانها الصامتة آلامها. وفي حين تعكس الإنتاجات السينمائية لسنة 2013 تراجع وركود السينما في تونس بسبب تواصل السياسة الثقافية المنحازة إلى أساليب بالية  حيث تشير آخر إحصائيات وزارة الثقافة إلى وجود 24 قاعة سينمائية في حين لا تتجاوز القاعات الفاعلة اليوم عدد أصابع اليد الواحدة.
عبر كل هذا، مثلت الأفلام الوثائقية الاستثناء حيث ظهرت على الواجهة مجموعة من الإنتاجات الوثائقية من طرف مجموعة من الشباب والمستقلين التي صوّرت عدساتهم مجموعة من التيمات لعلّ أبرزها:
– الحراك الثوري: عالجت مجموعة من الوثائقيات صورا من الثورة التونسية وانعكاساتها على غرار فيلم “الحي يروح” لأمين بوخريص الذي رصد مخاطر المصور الصحفي في ثورات الربيع الديمقراطي وفيلم “صب الرش” لسمير الحرباوي الذي عاين مجموعة من الشهادات لأحداث استعمال “الرشّ” من قبل الداخلية التونسية وهو ما ساهم في فقدان مجموعة من الشباب المحتج لنعمة البصر…
– المرأة: ويمكن أن نذكر فيلم “سيدة” لإيناس بن عثمان التي سلطت الضوء على معاناة امرأة تعيش الفقر المدقع غير أنّها بالرغم من ذلك تقاوم لتجعل حياة أسرتها سعيدة، كما يمكن أن نذكر فيلم “النجاح” لشيراز البوزيدي.

– الاجتماعي: تبرز في شريط “القرط” شذرات من صور نماذج من مجتمع الثورة وهو ما يتجلى في فيلم “أكباش فداء لأنيس الأسود.
– السياسي: فيلم “ضد النسيان” لهشام بن عمار الذي عاد بنا إلى التاريخ عبر ذكريات قمع اليوسفيين وقضايا التعذيب… كما يمكن أن نذكر فيلم “الشهيد السعيد” للحبيب المستيري الذي جمع شهادات الحنين للمناضل الشهيد شكري بلعيد.
– الهجرة: محاولة فيلم “بزار” لنجيب العبيدي من خلال متابعة أصداء أخبار المهاجرين السريين إلى جزيرة لمبدوزا الإيطالية، وكذلك فيلم “الطيور المهاجرة” لأكرم منصر الذي نقل مجموعة من صور المنفى.
– الفنّ الموسيقي: فيلم ” تونيزيك” لطارق طيبة الذي حاول الكشف على ظروف الحياة الموسيقية في تونس، وفيلم “المالوف” لمخرجه “لسعد حاجي” الذي حاول نقل العمق الثقافي للموسيقى العربية الأندلسية.
لقد جاءت وثائقيات سنة 2013 في تونس كبحث في الهوية وكشفت عن ملامح تيار شبابي جديد حاول خلق تصورات جديدة من خلال بلورة توجهات جمالية وفكرية جديدة بعيدا عن القيود المفروضة وذلك كترجمة لقلق الشاب التونسي المبدع بغية تأصيل واقع إبداعي جديد وتموقع في صلب الواجهة الإبداعية الإقليمية وهو ما ينبئ بنشأة تيار من الحساسية الجديدة.
ما نقصد بالحساسية الجديدة في السينما هو ما يعبّر عنه الناقد المغربي حميد اتباتو بـ “مجموع المبادرات المتراكمة في المجال والتي تسعى إلى القطع مع مجموع الصيغ والطرائق المألوفة عبر بلورة إبدالات جوهرية تسمح بالحديث عن إبداعية مختلفة تعبّر عن نفسها وفق تصورات جديدة، ورؤى تتجاوز ما كان سائدا وتبني رهاناتها الخاصة التي تنهض على إيجابيات التراكم السابق، وتنفتح على شرطها التاريخي الخاص لبلورة هويتها ووظائفها”.


إعلان