عبد الرحمن ملين تجربة رائدة في مجال الإخراج

حاورته : زبيدة الخواتري
عبد الرحمن ملين موهبة مغربية متألقة بدأت نواتها الأولى في الظهور في سن مبكرة حيث لفت الانتباه وهو في سن الرابعة عشرة حين اهتم بالفن الدرامي وظهرت لديه الرغبة في ممارسة فنون المسرح فتلقى تكوينا سنة 1958 من طرف وزارة الشبيبة والرياضة وشخص مسرحية للأستاذ أحمد الطيب لعلج سنة 1959 بثانوية مولاي يوسف بالرباط والتي تعد من أشهر المؤسسات التعليمية في تاريخ المغرب ، وبعد تخرجه منها انتقل إلى المعهد العالي للسينما والتلفزيون في موسكو  والذي تخرج منه سنة 1968.
وفور التخرج التحق بالإذاعة والتلفزة المغربية فكان من رواد الإخراج المغربي في التلفزيون وعلى مستوى الأعمال الوثائقية حيث يمتلك خزانة تعج بالأعمال المتنوعة والناجحة التي أرخت لمسار مدرسة مغربية فريدة تجمع بين الموهبة والمهنية.

عبدالرحمان ملين

“الجزيرة الوثائقية” التقت في الرباط عبد الرحمن ملين وسألته أولا عن بدايته في هذا المشوار وكيف تحقق التحول من التشخيص إلى الإخراج؟
كان الفضاء السمعي البصري  خلال سنوات الستينات شبه فارغ فكان العمل متواضعا باستخدام كاميرا صغيرة بالأبيض والأسود وأول ما اشتغلت عليه هو كليب للفنان المغربي عبد الوهاب الدكالي سنة 1963 وأنا ما أزال طالبا آنذاك ، وكان أول عمل وثائقي سنة 1964 قد تم بتعاون مع المركز السينمائي المغربي ومع سليم جاي الإعلامي المغربي المقيم في فرنسا وكان يحكي مذكرات سائح مغربي في شكل رسالة من وعن عروس الشمال مدينة طنجة المغربية حيث ترافقه الكاميرا في كل جولاته التي أخذته لمآثر المدينة وكل مساء كان يكتب رسائل لأحبابه حول مشاهداته حتى انتهى  بإرسال الرسائل وركوب الطائرة. وبعدها في سنة 1965 أنجزت وثائقيا  مع التلفزيون عنوانه” أول جرس” يقود لأول فصول الدراسة  من خلال روض الأطفال إلى الجامعة ويكشف لقاء الأصدقاء وحياة التلاميذ والدراسة.

إن المتتبع لمسارك وأيضا مسار الإذاعة والتلفزة المغربية خلال فترة الستينات يلاحظ الاهتمام البالغ بإنجاز أفلام وبرامج وثائقية فما هو سر هذا الاهتمام؟
قمت خلال فترة الستينات بإنجاز العديد من الأعمال الوثائقية للإذاعة والتلفزة المغربية وهو خيار كان له ما يبرره وهو قلة الاهتمام بالسينما والفن الدرامي آنذاك وذلك راجع لضعف الإمكانيات خاصة على مستوى التشخيص ، وهكذا أشرفت على إنجاز العديد من البرامج منها معالم مغربية سنة 1968 الذي سلط الضوء على تاريخ العديد من المعالم بالأندلس ومدن كفاس ومراكش وأيضا شاركت الدكتور ربيع مبارك في سلسلة مواضيع من الأدب العالمي والتي علق عليها بنفسه وقمت أيضا إلى جانب فنانين كالعربي الدغمي والمحجوب الراجي بالتشخيص الذي كان أيضا اختصاصي في البداية وكان هناك أيضا سلسلة تاريخية سنة 1972 بعنوان إشارات ومواقف، ثم شريط صفحات خالدة ونداء التحرير سنة2000  وكلها أعمال تاريخية بذلت فيه جهدا كبيرا.

أنجزت أيضا فيلما وثائقيا عنوانه رقصة الأفاعي فلماذا اختيار هذا الاسم وأين  يمكن أن تتجلى خصوصيته؟
جاءت الفكرة حين كنت أقوم بإخراج سهرة فنية بمدينة تارودانت المغربية وتحديدا منطقة هوارة التي تحتضن سوقها الأسبوعي كل أربعاء وبالصدفة وأنا أتجول داخل هذا السوق وجدت أشخاصا يحملون أكياسا يخرجون منها أفاعي يبيعونها وحولهم أشخاص يدققون في مدى قوة وصلابة هذه الحيوانات ومرونتها للقيام بأعمال اتضح لي بعد الاستفسار أنهم من أصحاب عروض حلقات الشوارع وأنهم يجهزون عدة الحلقة وأن هؤلاء الأشخاص هم أمهر “الحلايقية” في المغرب الذي ينتشرون في ساحات كبرى كجامع الفنا، وهكذا جاءت الفكرة فقلت لما لا أتحدث عن هؤلاء خاصة وأنك حين تزور الهند أو بلدا آخر تجد حيوانا معينا يمثل رمزا سياحيا يعرف بالبلد فقلت لما لا تكون لنا أيضا كمغاربة رموز توظف سياحيا ويمكن أن نعبر بها عن تراثنا وهويتنا .

من خلال قراءة تاريخية يمكن ملاحظة أنه اذا كانت سنوات الستينيات والسبعينيات قد لقيت اهتماما ملحوظا بالعمل الوثائقي فإنه بعد هذه السنوات وخاصة مع تعدد الوسائط والتوسع التكنولوجي أضحى الاهتمام بالفيلم الوثائقي في المغرب متواضعا خاصة على حساب الأعمال التلفزيونية التي بدأت تلقى الحيز الأكبر من الانتباه فلماذا برأيك يميل المشاهد المغربي لتفضيل العمل التلفزيوني على الفيلم الوثائقي؟

اثناء الحوار مع الوثائقية


يمكن اعتبار التلفزة بشكل عام من أهم الوسائط الاجتماعية والمفضلة أيضا عند الجمهور باعتبارها صلة مباشرة ويومية مع الناس فهي أداة تواصلية تفاعلية تتطلب إيجاد لغة مناسبة تكون مفهومة ومتداولة بين المغاربة ولعل السلسلة الاجتماعية أو المسلسل التلفزيوني كان الأقرب لأننا في الاذاعة والتلفزة المغربية حاولنا البحث عن أعمال لها صلة بالوسط الاجتماعي المحلي وبلغة عربية قريبة من المشاهد المغربي وهو ما تطلب أيضا إيجاد سيناريو مناسب وحسن انتقاء للمواضيع المطروحة حتى يسهل فهمها واستيعابها.

يمثل الإعلام السمعي البصري قاطرة للتنمية وعاملا يساعد في التعريف ببلد معين قد نجهل عنه الكثير والملاحظ أن الدراما التلفزيونية المكسيكية أو التركية مؤخرا أصبحت تغزو عالمنا العربي على الرغم من كونها بعيدة عن مجتمعنا العربي إلا أنها فرضت نفسها بقوة فأين يكمن الخلل؟
إن الأساس في التكوين التلفزيوني انطلق أعرج لغياب مجموعة من المقومات التي من شأنها النهوض به كوجود خبراء قانونيين في مجال الإدارة لذلك أخذت الأمور على مستوى المسرح والإذاعة بعفوية وحتى تكوين المخرجين في البداية لم يكن يتعدى تدريبا يدوم ثلاثة شهور أو حتى أقل بل حتى انتقاء المواضيع والبرامج لم يرتكز على أسس على الرغم من كونه النواة التي تجلب المشاهد لكنها ظلت مفقودة لأن الأسس هشة والتكوين بالنسبة للتقنيين والمهنيين كان مفقودا،  فمثلا لم تكن تجد سنة 1968 مهنة اسمها فنان أو موسيقي في الإدارة العمومية وبدأنا بالتدريج وبإرادة ملكية للملك الحسن الثاني نكافح من أجل الاعتراف بالمخرجين ودرجاتهم في سلم التوظيف وبعد سنوات من الكفاح تمكنا من تسوية الوضعية القانونية لهؤلاء.

إذا كانت الوضعية القانونية والإدارية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية تمت تسويتها فإنه بالمقابل هناك شركات متعددة للإنتاج السمعي البصري لم يتم الحسم فيها وسرعان ما تراجعت أو أنهت مسارها لأنها لم تقو على المنافسة بسبب هيمنة مؤسسات كبرى ، فهل يمكن التسليم بأن لسان الحال يقول إن البقاء للأقوى فقط تجاريا وماديا ؟
ذهبت للمركز السينمائي  وعرفت أنه في المغرب هناك ترخيص لأكثر من 169 شركة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني وطبعا قبل اعتمادهم وضعوا كل ما يلزم من إجراءات لكن القلة القليلة هي التي نجحت في الاستمرار وهي التي تمثل بالأساس أصحاب رؤوس الأموال وقد يكونون عبارة عن شركات قد لا تتعامل مع الهيئات الخاصة للمراقبة  والتي تقتضي إسناد الأمور لأهل الاختصاص أوعلى الأقل التعامل معهم إنسانيا ، فحنى تحصل على النتائج المرجوة يجب أن توفر الظروف المناسبة أمام من يشتغل معك وتعطيه امتيازات تجعله مرتاحا وبالتالي فعطاؤه سيكون أفضل.

اثناء احد افلامه

تعتبر المملكة المغربية من أكثر بلدان العالم العربي اهتماما بالمهرجانات فطيلة السنة يمكن أن ترى جميع المدن المغربية تحتفي بمهرجانين أو أكثر منها الوطني ومنها الدولي لكن لا نرى أن الأعمال السينمائية المغربية استطاعت أن تستفيد من هذا الأمر فنادرة هي الأعمال التي حازت جوائز أو حتى حققت مجرد شهرة على المستوى العربي والعالمي لذلك فهل الخلل في هذه المهرجانات التي لا تسطر أهدافا واضحة أم في الأعمال السينمائية المغربية ذات المستوى الضعيف؟
يمكن القول بأن كثرة المهرجانات قد تشكل في بعض جوانبها هدرا للمال العام لأن مجرد المقارنة مع أعمال أجنبية تبين ضعف المستوى لذلك يجب إنجاز أعمال نخرج بها للخارج وليس فقط متداولة وطنية بل في بعض الأحيان نجد أنها حتى وطنيا غير متداولة . والنجاح في ذلك يقتضي إعطاء وسائل للتعبير فنيا لأن التطور يزداد ويجب معرفة آليات استغلال السينما لإعطاء جمالية وهو ما لم نصل اليه، وهو ما يستدعي وجود أشخاص مهنيين متمكنين وملمين بأبجديات السينما والتلفزيون ، ويجب أيضا إيجاد مدارس متخصصة ذات مستوى عالي.

ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الفيلم الوثائقي اليوم؟
إن الفيلم الوثائقي هو في الأصل رسالة تعريف بوسطنا وحياتنا وطرق عيشنا وفي المغرب هناك العديد من المواضيع التي لا تزال خاما لم يسبق لأحد تسليط الضوء عليها والوثائقي في هذا الإطار صيانة للهوية وتوثيق لها فالمخرج يجب أن يعمل بكل حرية وأن يلم أساسا بالجوانب التي نتطلع إليها نحن كمغاربة وليس ما يطلبه الأجانب لأن نظرة الأجنبي وخلفيته وتكوينه ليست مشابهة للمغربي وبالتالي فالاحتياجات مختلفة وكذلك التعبير عنها يجب أن يكون مختلفا ويأخذ بعين الاعتبار ما هو جديد ومميز ولا أعتقد أن ذلك سيتطلب أموالا طائلة فكثيرة هي الأفلام الحائزة على جوائز عالمية لم تكن تنتمي لدول متقدمة أو غنية ولكنها نجحت لأن شرط التميز والإبداع لا يرتبط بأي حواجز وطريق العمل والنجاح سيكون هو الأبقى.
.

 


إعلان