ياسين المغربي يذهب إلى سوريا
أمستردام – محمد موسى
لم يُخبر ياسين الإدريسي أمه عن نيته في الذهاب الى سوريا، لعمل فيلم عن الحرب المستمرة هناك. هو أخذ حقيبته واتجه إلى إسطنبول في صيف عام 2012، ثم إلى الحدود السورية التركية، أي الطريق نفسه الذي يقطعه معظم الجهاديين في طريقهم إلى سوريا كما يذكر المخرج نفسه.

وجهته ستكون مدينة سراقب في شمال سورية، حيث يسكن صديق سوري له تعرف عليه عن طريق الإنترنت، واتفقا معا على مهمة تسجيل يوميات الثورة في المدينة، في “سراقب”، المدينة التي مرت عبر جميع تحولات الثورة السورية، من سقوط سلطة النظام السوري، ثم تدميرها على أيدي قوات ذلك النظام، والآن تواجه حرباً جديدة، ضد داعش وحركات متطرفة أخرى، يثير بطشها رعب الناس في معظم مناطق سوريا المُحررة. سيسجل ياسين يوميات الحرب والموت والتشبث بالحياة لمجموعة قليلة من سكان المدينة، وليقدم بعضا من تلك اليوميات في فيلمه التسجيلي “ياسين يذهب إلى سوريا”، والذي عرض مؤخراً ضمن البرنامج التسجيلي الهولندي “دوك 2″، الذي يعد أكبر منصة تلفزيونية لعرض الأفلام التسجيلية في التلفزيون الهولندي.
يعرف ياسين في قرارة نفسه أن أمه وعائلته في المغرب سيرفضان ذهابه إلى مناطق مشتعلة، تثير صورها التلفزيونية خوف وجزع المشاهدين في كل مكان، هناك على ما يبدو أسباب أخرى جعلت ياسين يحيط مهتمة بالكتمان، فهو ذهب إلى هناك، بدون تغطيات أو حماية مؤسسات إعلامية غربية أو عربية، هو حجز بطاقة على حسابه الخاص كما يكشف، ولا يعرف في البلد الذي توجه إليه إلا صديق إنترنت، تواصل معه بالصدفة، عندما كان مشغولاً بتتبع أخبار سورية لشهور طويلة، وليقرر بعدها أن الجلوس أمام شاشة التلفاز بدأ يأكل روحه، وأن عليه أن يفعل شيئاً، بوجه عنف وصل إلى وحشية غير مسبوقة.
يسجل ياسين في مشاهد من تركيا، يومياته هو نفسه، مخرج شاب، يستعد لمهمة لا يعرف كل أبعادها أو عواقبها، يشرك ياسين وكما فعل في فيلمه الأخير (فيلم إيراني)، (عرض هذا العام في عدد من المهرجانات السينمائية الأوربية)، مشاهديه في العملية الفنيّة الخاصة بالفيلم نفسه. في مشهد من فندق في مدينة إسطنبول التركية، يرتدي ياسين زي الصحفيين الحربيين، يحدق قليلا في المرآة. هناك رهبة لا تخطؤها العين في ملامح المغربي الشاب. فالصحفيون مستهدفون من معظم أطراف النزاع في سوريا اليوم، وياسين ومصوره المغربي، لا يملكان خبرات أو إمكانيات صحفيين غربيين، ووجودهما هناك كعرب ومسلمين، ممكن أن يطرح أسئلة ويثير شكوكا، خاصة مع تزايد أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا.

عندما وصل ياسين إلى الحدود السورية، كان صديقه السوري في انتظاره وسيدخلان معا سوريا ويتوجهان إلى سراقب، حيث سيبحث المخرج عن قصص وصور من الأمكنة المنكوبة. تفتح صداقة المخرج مع ابن المدينة، بما يتمتع به هذا الأخير من سمعة طيبة بين الناس حصل عليها كنتيجة لدوره في الثورة وتنظيم الحياة المدينة بعدها، الأبواب للفيلم للدخول إلى بيوت عديدة، فيقابل نساء ورجالا يروون قصتهم مع الثورة. كما ستكون الكاميرا قريبة عند وقوع أحداث مفاجئة في المدينة، فعندما تقصف طائرات بشار الأسد حي في المدينة، تصل إشاعة عن مقتل شخص تعرفه العائلة التي كانت تستضيف ياسين ورفيقه المصور، وتبدأ نساء العائلة بعفوية كبيرة بتذكر سيرة الرجل المصاب.
يعود المخرج إلى المدينة السورية في عام 2013، وبعد عام على زيارته الأولى والتي انتهت سريعاً بسبب تفجر العنف وقتها. الكثير تغير في المدينة في غياب المخرج، البيت الذي استضافه في زيارته الأولى وكان ينبض بالحياة، هجره أهله بحثا عن الأمان في بقعة أخرى في سوريا. والمدينة الآن تحارب عدواً جديدا ًيحمل بدوره أكثر الشعارات حماسية. يصور المخرج نقاشاً علنيا ًبين أعضاء من الجيش السوري الحرّ. عندما يدعو أحد القادة المحليين لدولة علمانية في سوريا، ينتفض زميل له، ويؤكد لذلك القائد وللمجموعة بأن سوريا إسلامية. لا غرابة أن التنظيمات الإسلامية المسلحة تملك الكثير من الشعبية. يبحث المخرج في زيارته الثانية عن قصص جديدة تعكس ما مرت به المدينة في فترة غيابه، فيعثر على فنان تشكيلي محليّ، يتخصص الآن بتزيين وتصميم قبور الشهداء. في المقبرة تلك سيقابل المخرج صبياً لا يتجاوز العاشرة. عندما يسأله المخرج لماذا هو هناك، يُشير إلى قبر، يقول هذا لوالدي الذي قتلته قذيفة مدفعية.

الذي يميز هذا الفيلم التسجيلي هو الدينامية الخاصة التي تنشأ بين المخرج العربي الشاب والسوريين الذين قابلهم. فهي تختلف قليلا عن تلك في أفلام مخرجين غربيين قدموا أفلاماً عن سوريا. لا يحتاج السوريون لكثير من الشرح في هذا الفيلم، ولا يضعون أقنعة. بدوا أكثر راحة وتلقائية في حديثهم للمخرج العربي. رغم وفرة الأفلام التسجيلية عن سوريا إلا أن قلة منها فقط نفذت من قبل مخرجين سوريين أو عرب. يعجز المخرج بالنهاية عن مواصلة رحلته. بدت التجربة أكثر من قدرته. هو يشرك المتفرج في محنته أيضا. هو خائف ولا يخجل أن يعترف بذلك، أو أن يكون أول المنبطحين على الأرض عندما تدوي أصوات النار. في النهاية يقرر المخرج أن يغادر سوريا، عندما يكتشف أنه أصبح حملاً زائداً على مستضيفه، وأن الحفاظ على سلامته بدأ في إرهاقهم. هذه التفاصيل ستترك طعماً حادا غير مُتوقع عند معظم من يشاهد الفيلم، ولتتحول لأفضل إنجازات الفيلم، أي نقل هذا الأخير للكابوس المستمر هناك منذ ثلاثة أعوام، ليس فقط على السوريين، ولكن أيضاً للذين يقفون خلف الكاميرات عندما يصورون العنف المتواصل هناك.