مهرجان “كلميم” يتخصص في الحقوق والحريات

حوار لضاوية خـليفة

اتجه المغرب بعد الصحوة التي عرفها على مستوى الصناعة السينمائية من إنتاج سنوي ذي كمية ونوعية للأفلام إلى التأسيس لمهرجانات وطنية ودولية متخصصة، منها ملتقى “كلميم” الدولي للفيلم الوثائقي الذي أسدل منذ أسابيع ستار دورته الثالثة ويحضر طاقمه لرابع دورة، المهرجان الذي يشرف عليه مركز الجنوب للفن السابع أكثر ما ميزه هذا العام هو الاتفاقيات التي أبرمها مع بعض الشركاء والمهنيين بغية التفتح على تجارب جديدة والارتقاء بهذه التظاهرة إلى مستويات عالية والاحتفاء بالفيلم الوثائقي من منظور خاص وقضايا الإنسان وحقوقه في مقدمة الاهتمامات وفي نفس الوقت الترويج للتنوع الثقافي والحضاري والسياحي الذي تزخر به المنطقة، كل هذه النقاط وأخرى ترد كاملة في هذا الحوار الذي خصنا به “نبيل غزة” مدير مركز الجنوب للفن السابع ورئيس ملتقي “كلميم” الدولي للفيلم الوثائقي بالمغرب.

نبيل غزة

كيف تقيمون ثالث دورة من المهرجان سواء من ناحية الأفلام المعروضة، مضمون الندوات والإقبال الجماهيري والى أي مدى انسجمت تيمة الدورة والبرنامج العام ككل ؟

في البداية يطيب لي أن أتقدم إلى الموقع الالكتروني للجزيرة الوثائقية بأسمى عبارات الشكر والتقدير كونه منح لنا مساحة للتعريف بمهرجان “كلميم” للفيلم الوثائقي ومن تم مركز الجنوب للفن السابع الذي يرعى هذه التظاهرة السينمائية الفتية والتي ضمت في عامها الثالث نخبة من السينمائيين خاصة الشباب منهم والذين قدموا أعمالا مميزة عن قضايا المرأة وعمالة الأطفال ومواضيع ذات صلة محاولين بذلك التوثيق لبعض السلوكيات والمظاهر الموجودة في مجتمعاتهم في طبعة حملت شعار “السينما الوثائقية رافعة للنهوض بالحقوق والحريات”، وبالتالي كان الانفتاح هذه المرة على قضايا مهمة وتجارب سينمائية قيّمة وواعدة في الصناعة الوثائقية، كما تميزت هذه الطبعة بعرض إصدارين “أوائل وغرائب السينما المصرية” للناقد “محمد لغريسي” و “الوثائقي أصل السينما” للدكتور “بوشعيب المسعودي”، هذا وقد شكلت بعض الأنشطة الموازية خاصة تلك المقامة بفضاء اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان ومؤسسات تربوية أخرى مناسبة جيدة لمقاربة تيمة الدورة وتقويم صورة المرأة في الانتاجات السينمائية العربية من مواقع مختلفة حيث جمعت الندوات والعروض بين مهنيين وصحفيين ومخرجين من داخل وخارج المغرب، الأمر الذي جعل الأشغال تتميز بعمق في الطرح وموضوعية في التحليل لواقع السينما العربية والعلاقة القائمة بين السينما الوثائقية وحقوق الإنسان باعتبارها حقوقا كونية ومكتسبات إنسانية، وفي الأخير خلص المتدخلون إلى أن صناع الأفلام الوثائقية في الكثير من الحالات ينجحون بفضل نضالهم من أجل الحريات والحقوق وبدون سيناريو مسبق في توثيق لحظات تاريخية لا تتكرر ولا تستطيع الذاكرة الإنسانية أن تحتفظ بكل تفاصيلها، هي إذن ميزة هذه الأفلام التي باستطاعتها تغيير واقع الإنسان لفترة من الزمن، وهنا تكمن أهمية السينما الوثائقية في دعم ونشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال التوعية وتوثيق الواقع، فعلى العموم الدورة الثالثة كانت خطوة هامة للمهرجان وستدفعنا أكيد للعمل أكثر على تطويره حتى يكون في مصاف المهرجانات المغاربية والعربية الكبرى.

ملتقى كلميم للفيلم الوثائقي إلى غاية دورته الثالثة يواصل العمل على نفس المواضيع، هل تتجهون بذلك إلى التخصص في قضايا المرأة، والطفل، الحقوق والحريات مثلا ؟

لجنة تحكيم الدورة الثالثة

مركز الجنوب للفن السابع من خلال أنشطته ومهرجانه السنوي الذي يعكف حاليا على التحضير للدورة الرابعة يحاول في كل مرة طرح وإثارة قضايا اجتماعية ظلت إلى وقت قريب من الطابوهات على مستوى المملكة المغربية،  فالواقع يظهر أن هناك ضعف في إقبال السينما والمهرجانات بشكل خاص على التخصص  في الأفلام الوثائقية التي تعنى بحقوق الإنسان مقارنة بمواضيع أخرى، وللمساهمة في تجاوز هذا الطرح أو الواقع تحمل مركز الجنوب للفن السابع إلى جانب مهرجانات تعد على رؤوس الأصابع بالمملكة مسؤولية تنظيم مهرجان دولي سنوي متخصص في هذا الصنف بهدف إثارة النقاش صوتا وصورة، وبهذا نكون قد ساهمنا في ترسيخ ثقافة الحوار وتشجيع مقاربة النوع وحقوق الطفل وتوظيف ثقافة الصورة وجعلها أداة للتربية والحوار على كل المستويات طبعا بما يخدم قضايانا الوطنية والعربية والإفريقية والإنسانية بشكل عام.

أبرم المهرجان هذا العام عقود شراكة مغربية ومصرية، ما هو الجديد الذي قد يضيفه لكم هذا التعاون وكيف ستستفيدون منه لتطوير مهرجانكم مستقبلا ؟

ملصق الملتقى

يولي كل من المركز والمهرجان لمثل هذه المبادرات أهمية بالغة كونها تسمح بتقريب وتعميق العلاقات مع المؤسسات التي تعمل في نفس المجال، وهذا الاهتمام فعلا ترجم هذه السنة على شكل اتفاقية بين ملتقى كلميم الدولي للفيلم الوثائقي وشركة “ميديا فيجين” للإنتاج الفني والإعلامي بمصر، هذا التعاون سيسمح لنا باستضافة سينمائيين ومبدعين من البلدين تجسيدا لفلسفة الانفتاح والتواصل مع مختلف الثقافات إقليميا ودوليا، إذ سيتم استقبال دول شقيقة وصديقة كضيوف شرف في كل دورة، بالإضافة إلى مشاريع ثنائية من شأنها تطوير المهرجان وتفعيل هذا التعاون لبلورة التبادل العلمي والمهني والسينمائي بين البلدين وإعطاء نفس جديد لأنشطة المؤسستين، أما عن الجانب المغربي فقد تم التوقيع على بروتوكول تعاون بيننا وبين مهرجان بصمات لسينما الإبداع بالرباط حيث سنسعى معا لإبراز الثراء والتنوع الفني والثقافي المغربي بكل تجلياته وفي كل أشكاله من خلال تبادل الوفود والزيارات خلال التظاهرات التي ننظمها سواء بالملتقى الدولي للفيلم الوثائقي الذي ينظم بكلميم أو مهرجان بصمات لسينما الإبداع الذي يقام بالرباط، وكما سبق وذكرت تأتي كل هذه الخطوات اهتماما منا بضرورة تطوير الأداء وبلوغ الكثير من الأهداف إيمانا بأهمية الصورة في بناء وتقوية شخصية الفرد ودور الثقافة السينمائية في مساعدته على اكتساب ثقافات العالم وخلق فرص التبادل الثقافي بين المهنيين ومختلف الفاعلين في الحقل السينمائي.

كيف تحاولون التأسيس لمهرجان يهتم بالحقوق والمرأة في بلد يتمتع بمهرجانات سينمائية ذات نوعية ومتخصصة في نفس التيمة، وكيف ستعملون على فرض أنفسكم في الساحة وصنع الاختلاف ؟
قد يكون مهرجان “كلميم” الدولي للفيلم الوثائقي المهرجان الوحيد الذي يختص في أفلام حقوق الإنسان.

فعدم اهتمام باقي المهرجانات السينمائية بالمغرب بهذا الموضوع والتيمة وراء تخصصنا اليوم، وبالمقابل يسعى هذا المهرجان الذي يستلهم روحه من المضامين الدستورية المتصلة بإقرار الحقوق الثقافية وحرية الإبداع الفني للأفراد، وإبراز تنوع مكونات روافد الهوية سنة  بعد أخرى إلى ترسيخ الشراكة والتعاون مع المركز السينمائي المغربي واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان و كذا وزارة الثقافة، ومؤسسات أخرى تعمل على ضمان استمرارية هذا الموعد السنوي الذي تحتفي فيه كلميم بإبداعات السينمائيين من مختلف دول العالم، وهو ما يجعله يكتسي أهمية ثقافية وإعلامية بالغتين كونه يضيف قيمة نوعية إلى المشهد الثقافي الوطني العام وبصمة في روحها الدفاع عن الحقوق والحريات، كما أن إدارة المهرجان تطمح لجعل هذه الدورات فرصة للتلاقي فكريا والتفاعل فنيا وثقافيا بين مختلف المبدعين، وهذه هي خصوصية هذا المهرجان الذي يسير بخطى ثابتة وأهداف واضحة المعالم.

هل يتمتع المهرجان بدعم وتمويل مقبول، وما هو تصوركم ورؤيتكم لهذه التظاهرة بعد سنوات ؟

في البداية كانت لدينا بعض المخاوف لكن كان علينا اتخاذ القرار بالتخصص في وثائقي حقوق الإنسان الذي اعتبره شخصيا مغامرة وفقنا فيها، لكن الآن بفضل الخبرة والتجربة التي اكتسبناها أصبحنا واثقين من اختياراتنا، بل نتطلع لمواصلة ما بدأناه منذ سنوات حتى يكون ملتقى “كلميم” صرحا سينمائيا وثائقيا يصاحب السينما العربية في عملية نقلها من واقعها اليوم إلى واقع جديد أكثر جرأة وطموحا وتفتحا، ونسعى لبلوغ ما هو أفضل ونطمح لما هو أحسن بغض النظر عن بعض الاكراهات اللوجيستيكية التي سوف لن تمنعنا من تحقيق كل الأهداف المسطرة مسبقا واختصار الوقت لتحقيقها، فالأمر يتعلق أساسا بحلم ندافع عنه ونناضل لأجل تحقيقه.


إعلان