“بلاد الصلحاء” خفايا علاقة المغاربة بالأولياء
زبيدة الخواتري
يعد فيلم ” بلاد الصلحاء” الذي تم تقديمه مؤخرا في اطار البرنامج الثقافي لمدينة الثقافة والفنون بآسفي المغربية واحدا من الأفلام الوثائقية التي تتوخى التعريف بغنى الموروث الثقافي المغربي، وطرح السؤال حول ظاهرة الزوايا والأضرحة…

ويقع هذا العمل الذي تجاوز تصويره مدة ثلاث سنوات في ثمانين دقيقة، وقد قام بإخراجه المخرج المغربي صلاح الجبلي الممثل والفنان المسرحي وأيضا المخرج والمنتج لعدد من الأفلام السينمائية القصيرة مثل “نقطة نظام ، وسفر” وقد كتب نص هذا الفيلم محمد شويكة. ويمثل العمل خارطة طريق بالنسبة للمهتمين بالتاريخ الاجتماعي والأنطربولوجي وأيضا علم الاجتماع باعتباره يرصد مجموعة من الظواهر المرتبطة بالاعتقاد وتكوين الفكر الجماعي الذي يتخذ الجانب الروحاني فيه حصة الأسد، وهكذا تتجول عدسات الكاميرا بين أرجاء المغرب شمالا وجنوبا شرقا وغربا لتعرف بمختلف الأولياء والصالحين وببركاتهم والخصال التي ميزتهم عن غيرهم تكريسا للمقولة السائدة ” اذا كان الشرق بلاد الرسل والأنبياء فالمغرب بلاد الأولياء”.
الفلم كتابة سردية توثيقية بالصورة والصوت للعديد من الأضرحة، معززا عمله التوثيقي هذا بأرقام وإحصائيات، ستشكل مستقبلا أرشيفا للباحثين في تاريخ”المقدس” في المملكة المغربية، ومرجعا لكل تحليل سوسيولوجي والأنتربولوجي والسيكولوجي، لكون الفلم لم يقف عند تصوير الزخارف العالقة بالجدران أو التمائم وما إليها من الرموز التي يتكئ عليها “المقدس” والأسطوري، ولكنه دعم عمله بأرقام وإحصائيات وشهادات من داخل الأضرحة ومن خارجها، وهو ما أضفى على هذا العمل الفني/الوثائقي قيمة علمية استرعت اهتمام المتتبعين والمختصين بالخصوص…

الفلم الذي يغطي ثمانين دقيقة من العرض، كان نجح في استثمار الموروث الموسيقي في تعامله مع المؤثرات الصوتية، إذ تم توظيف الأهازيج الشعبية الخاصة بكل منطقة يوجد بها ضريح من الأضرحة، وكذا الرقصات المعبرة عن الحالة وذات الدلالة الجسدية المرتبطة بتخصص هذا الضريح أو ذاك… وقد نفذ الفيلم من خلال جولة الكاميرا داخل الضريح وخارجه وفسح المجال للمعنيين للحديث للخاصية التي يتميز بها كل ضريح، فلكل ولي خاصية يلجأ اليه العبد من أجلها ويأتي عادة في حالة نفسية سيئة قوامها اليأس والاحباط والانهيار الكلي الذي قد يصل بالبعض حد الانتحار أو القيام بسلوكات غير طبيعية وبمجرد الزيارة يتحقق المنى وهو الراحة النفسية ومنهم من تقضى حوائجه ، وهي أمور يختلط فيها المقدس بالمدنس فالحكمة الالهية بالمقابل تقتضي الدعاء وعدم الشرك بالله واللجوء اليه دون سواها وأساسا دون وسيط حتى لو كان وليا صالحا عرف بورعه وتقواه فموازين القوى والحساب لايعلمها الا الله ، كما أن حقيقة هذا العبد أو ذاك لا يمكن الجزم بها الا من الله لأنه المضطلع على سرائر النفوس ومصائرها.
وبالاضافة للحوارات التي تتخللها الفيلم مع عامة الناس من زوار ومريدي الأولياء كان هذا العمل مناسبة للانفتاح على مجموعة من العلوم كالأنطربولوجيا والسوسيلوجيا دون نسيان الجانب التاريخي حيث تضمن هذا الفيلم الوثائقي وقفات مع مؤرخين وباحثين من مشارب علمية عديدة للوقوف على ظاهرة الأولياء والصلحاء في بلاد المغرب هذا الموروث التاريخي الغارقة جذوره في أعماق التاريخ والذي لازال موجودا ليومنا هذا يتوارث عبر الأجيال.
ودون أن نخاف مجانبة الصواب لابد أن نخلص لكون هذا العمل الذي شد أنظار المشاهدين في مدينة آسفي سيعرف نجاحا أثناء عرضه جماهيريا، كما سيشكل أرشيفا للمهتمين بهذا الجانب سواء في الداخل والخارج، وهو إلى جانب ما سبق يكشف عن المجهودات التي بُدلت من أجل اغناء النص قبل تحويله إلى سيناريو…