“منطقة معارك” بين سوريا وأوكرانيا
محمد موسى
جمعت إحدى الحلقات الأخيرة للبرنامج التسجيلي التلفزيوني الأمريكي المعروف “خط المواجهة”، بين الصراع الدائر في سوريا وأوكرانيا، فقدمت فيلمين تسجيلين قصيرين من كلا المنطقتين الملتهبتين. واصل الفيلمان الجديدان تقاليد البرنامج التسجيلي بمتابعة قصص إخبارية من التي تناولها في حلقاته السابقة، وحتى الإعتماد على المراسلين وصناع الأفلام ذاتهم لمتابعة ما كانوا قد قدموه في السنوات السابقة، فظهر المراسل السوري محمد علي مجدداً وهو يحقق في قصة حصول الجيش السوري الحر على أسلحة وتدريب أمريكيين، وقدم نتيجة عمله في فيلم ” سوريا: تسليح المعارضة”، فيما واصل البريطاني جيمس جونز، بحثه في الوضع الأوكراني المُعقد، وطريق الا رجعة، الذي يبدو إن الأزمة هناك قد وصلته في فيلمه “معركة أوكرانيا”.

وهذه ليست المرة الأولى التي تجمع حلقة واحدة من برنامج “خط المواجهة”، بين قصتين إخبارتين مُختلفتين، هذا وإن كان التقليد في السنوات الأخيرة في البرنامج الأمريكي الذي يقدم على قناة “PBS” الحكومية ويبلغ عمره ما يقارب الثلاثين عاماً، هو تقديم فيلم تسجيلي طويل يستحوذ على زمن الحلقة. لكن رغبة البرنامج في إضفاء طابع الآنية على ما يقدمه، تقوده أحيانا الى التفاعل السريع مع الأحداث المُتصاعدة في العالم. وهو الأمر الذي يُعَّد جزءاً من هوية البرنامج وتميزه، فهو لا يمكن أن يُصنف فقط كبرنامج إخباري تلفزيوني، يقارب القصص الإخبارية التي يقدمها بإسلوبية تسجيلية ويجعلها تمر عبر سلسلة عمليات فنيّة تقربها من الأفلام التسجيلية، بل إن الغالب في ما يقدمه هو أعمال واضحة بهويتها وشروطها التسجيلية المعروفة، وأهمها المسافة النسبية التي تأخذها من الأحداث، وجهدها البحثيّ وهمومها الجماليّة.
مَّرَ برنامج “خط المواجهة” بتغييرات كبيرة في العقد الأخير، شملت بنيته الفنيّة وأيضاً الإسلوب الذي إنتهجه للحصول على الأفلام التي يعرضها في حلقاته. فبعد أن كان في سنواته الاولى يكاد يكون نسخة للبرنامج الأخباري الشهير “ستون دقيقة” والذي يقدم على شاشة قناة “CBS “، إستبدل البرنامج بعد عقد من إنطلاقه مذيع الإستديو، الذي يظهر ويُقدم المواد التي ستظهر في الحلقة، بالمعلق الذي يستهل البرنامج بصوته فقط، ويكتفي بتقديم عام للموضوعات المقدمة، بعدها يترك صانع الفيلم نفسه يقود المتفرج كما يشاء. كما إختار البرنامج ومنذ سنوات، ولإعتبارات مالية ولوجستية، عن الإشراف المباشر الكامل على تنفيذ قصصه الإخبارية، ليعتمد أحياناً على مراسلين مستقلين لتنفيذ هذه القصص وتسليمها الى القناة المنتجة، والتي ولتمتعها بإستقلالية لافتة ( تعتمد على تبرعات الأمريكيين وعلى معونات الحكومية الأمريكية التي لا تتدخل في سياساتها التحريرية)، تكون قادرة غالباً على تقديم وجهات نظر، لا تجد دائماً مساحة على شاشات القنوات التجارية الأمريكية.

وصف معلق حلقة “منطقة معارك” ، المراسل السوري محمد علي ب “مراسلنا”، لكن ليس من المعروف إذا كان المراسل الحربي السوري هو واحد من مجموعة المراسلين المستقلين الذين يعملون مع البرنامج التسجيلي او اذا كان يراسل القناة الأمريكية حصرياً، في كل حال من الأحوال، تحول هذا السوري الى أحد وجوه التغطيات الإعلامية للثورة السورية، لمشاهدي البرنامج من الأمريكيين وغيرهم ( هناك نسخة من القناة الأمريكية تتوجه الى المشاهد البريطاني). فهو قدم في العامين الأخيرين مجموعة من الأفلام التسجيلية القصيرة والمتوسطة الطول، لعل أبرزها فيلم “الجبهة السورية الثانية”، والذي كشف فيه وقتها عن تنامي نفوذ حركة داعش في سوريا، والتوتر، والذي وصل الى القتال الفعلي، بين قوى المعارضة السورية والحركة المسلحة الجديدة.
يعود محمد علي في فيلمه التسجيلي الجديد والذي حمل عنوان ” سوريا: تسليح المعارضة “، الى سوريا للتحقيق عن الأخبار التي تفيد بتلقي المعارضة السورية لأسلحة وتدريب عسكري من قوات أمريكية خاصة، لمساعدتها في حربها ضد الحكومة السورية. تشير المرونة التي يتحرك بها المراسل السوري الى العلاقة التي أسسها مع الجيش السوري الحرّ، والأخير يعود في هذا الفيلم الى الواجهه الأعلامية، وبعد أن تراجعت أخباره ونشاطاته لصالح بطش الحركات الأسلامية المُتطرفة. يقدم الفيلم سلسلة العمليات الأمنية الإحترازية لترتيب وصول “محمد علي” لمقابلة قادة الجيش السوري الحرّ، والذين سيقرون بالمساعدات والتدريب الأمريكيين. تذكي السهولة التي طبعت تصريحات قادة الجيش السوري الحرّ عن تعاونهم مع الحكومة الأمريكية الشكوك بأن الفيلم ربما تم إستغلاله من قبل هؤلاء كجزء من الحرب الإعلامية ضد النظام السوري، فلا ريب إن أخبار التسليح الأمريكي للجيش السوري الحرّ ستفعل فعلها بين أتباع النظام السوري. يكشف الفيلم القصير أيضاً عن الأزمة التي تواجه الجيش السوري الحرّ، أي نقص الأسلحة والعتاد الحربي، فمعظم ما يتم إستخدامه الآن هم مما تم الحصول عليه من الجيش السوري النظامي أثناء المعارك المتواصلة منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

منح الوضع المختلف لأوكرانيا الصحفي والمراسل البريطاني جيمس جونز، حرية أوسع من تلك التي توفرت لزميله السوري، لجهة تحركه بين طرفي النزاع المتصارعين في البلد، دون المخاطرة بالتعرض للقتل وكما يحدث للمراسلين في سوريا. يكمل جيمس جونز ما كان قد بدئه في أفلامه السابقة عن أوكرانيا، ومنذ الإنفجار الذي حدث هناك ومطالب الإستقرار من الهيمنة الروسية. تشير الثقة التي منحها أوكرانيين للمراسل البريطاني الى ما يتمتع به هذا الأخير من سمعة، فهو يحصل على فيلم فيديو صوره أوكراني لإبنه المراهق أثناء المواجهات الدموية مع السلطات هناك، ففي وسط المواجهات العنيفة تلك، تتصل أم الفتى بالأب للإطمئنان على الزوج والولد. يكذب الزوج ويخبرها إن الأصوات التي تسمعها في الخلفية هي لجهاز التلفزيون، فيما يخبر الصبي امه بأنه يحبها وإنه بخير، رغم إن جثث رفاقه من الأوكرانيين كانت على بعد أمتار قليلة فقط منه.
يسافر المراسل البريطاني الى شرق البلاد، حيث يعيش أغلب الأوكرانيين من الأصول الروسية. هناك ستروى قصصاً مُختلفة عن تلك التي قدمت في النصف الأول من الفيلم، فالحركة الشعبية والسياسية التي تريد الإستقلال لأوكرانيا، هي وحسب هؤلاء، فاشية ولا تقيم إعتبارات لتاريخ البلد او علاقته مع روسيا. يختلف المُستوى الفنيّ للفيلم الأوكراني عن مثيله للفيلم السوري، فيقدم الأول مشاهد مُتقنة ، كما يحقق الفيلم في إتجاهات عديدة ويشرك ناس من طبقات مختلفة، فيما يكتفي الفيلم السوري بلقاءات مع رجال ملثمين، ومن الجيش السوري الحرّ فقط، والذين سيقدون شهادات من الصعب التحقق في مصداقيتها.