عامٌ لأفلام الخَيال العلمي
محمد موسى

جهزّت إستديوهات هوليوود للعام السينمائي 2015، الذي ستزداد ضراوة المنافسة فيه بعد جوائز الأوسكار الشهر القادم، مجموعة أفلام ضخمة الميزانيات، ينتمي مُعظمها إلى أفلام الأجزاء المتعددّة، الوصفة الأمينة الوحيدة الناجحة اليوم في عاصمة السينما في العالم. يغلب على أفلام هذا العام، العودة القوية لموضوعة الخيال العلمي، عبر اتجاهين إنتاجين: أحدهما أعمال جديدة بقصصها وشخصياتها، تواصل تأصيل حضور هذا النوع من السينما في مجمل الإنتاج السنوي لهوليوود، (وكما شهدنا العامين الأخيرين في أفلام مثل: “غرافيتي” و”إنترستلير”). والآخر عن طريق أجزاء جديدة تتكئ على أسماء وسمعة مجموعة من أشهر سلاسِل أفلام الخيال العلمي في تاريخ السينما الأمريكية. فهناك جزء جديد منتظر من سلسلة “حرب النجوم” يخرجها جاي جاي أبرامز، وآخر من سلسلة “جيراسيك بارك”، سيكتفي مخرجها الأصلي ستيفن سبيليبرغ بالإنتاج تاركاً الإخراج لـ “كولن ترفرو”. كما سيعود النجم أرنولد شوارزنيجر إلى سلسلة “تيرمينتور”، (التي رفعته إلى مَصافّ نجوم الصف الأول في السينما الأمريكية ومنذ أن لعب بطولة الفيلم الأصلي في عام 1984 تحت إدارة المخرج جيمس كاميرون) في فيلم جديد يحمل عنوان “جينزيز”، ويُخرجه ألن تايلير.
إلى جانب الأفلام السابقة، سيتجّه الانتباه هذا العام إلى أفلام خيال علمي بقصص جديدة، تصل إلى المتفرج بدون تركة الأجزاء المتعددّة والشخصيات المعروفة. فيعود النجم جورج كلوني إلى عالم الفضاء، وبعد فيلمه الناجح “غرافيتي”، ليقدم قصة رحلة جديدة إلى مجاهيل هذا العالم في فيلم “عالم الغد”، الذي يخرجه براد بيرد. كما سيعرض في الشهر القادم (فبراير) فيلم “صعود جوبيتر” للمخرجين آندي وآنا ويشونسكي. ومن عوالم روايات الصبيان المعروفة “الضالين”، يستوحي فيلم “متمرد” للمخرج روبرت شونكيته حكايته، والذي سيعرض في شهر مارس القادم، وترتيبه الثاني في السلسلة السينمائية التي تُقدِّم عوالم من المستقبل.

كذلك سيشهد هذا العام عرض أجزاء جديدة، لأفلام حققت في الأعوام القليلة الماضية إيرادات كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم. فيُعرض حالياً في أمريكا وأوروبا الجزء الثالث، وربما الأخير، من فيلم “ليلة في المتحف”، وينتظرنا هذا العام عرض الأجزاء الثانية من الأفلام الكوميدية: “تيد” و”بيجت بيرفكت”. ويعود النجم توم كروز إلى سلسلة “المُهمة المستحيلة”، التي وصلت إلى جزئها الخامس. وسيعرض جزء سابع من سلسلة “السرعة والغضب”، وجزء رابع وعشرون من سلسلة التحرّي البريطاني “جيمس بوند”، وسيغيب النجم ماثيو ماكونهي عن الجزء الثاني من فيلم “ماجك مايك”، وبعد أن قام ببطولة الفيلم قبل عامين، وشكّل جزءاً من العودة القوية للنجم إلى الأدوار الكبيرة، التي توجّها بفوزه بالأوسكار العام الماضي عن فيلمه ” دالاس بايرز كلاب “. وستحظى الأفلام المستوحاة عن القصص الكارتونية بحصة كبيرة كالعادة في جدول العروض لهذا العام. هذه ستأتي هذا العام بتنويعات مُختلفة، بعضها يجمع الأبطال الخياليون في أفلام مشتركة، وأخرى تواصل تقديم مغامرات مُنفردة جديدة لهذه الشخصيات الخياليّة.
لا تحمل أجندة الإستديوهات السينمائية لهذا العام مفاجآت كبيرة، نحو الاتجاهات الفنيّة التي ستطبع أفلام موسمها القادم. هي تأتي في كثير منها استكمالاً لما سبق من السنوات، كهيمنة أفلام السلاسِلُ، المُقتبسة عن القصص المصورة. فقائمة أفضل عشرة أفلام جلباً للإيرادات في العالم في العام الماضي (2014)، لا تضم إلا فيلماً واحداً (إنتر ستيلير)، أُنتج خارج النسق الإسلوبية المعروفة لهوليوود في السنوات الأخيرة، فيما اعتمدت الأفلام الاخرى في القائمة على شعبية أجزاء سابقة او القصص المستوحاة عنها (كفيلم “المتحولون:عصر الأنقراض” والذي حصل على الإيرادات الأولى في العالم). لم تشذّ كثير من الأعمال في القائمة ذاتها، عن الخطوط العامة للأفلام التي تنتجها إستديوهات معينة، كفيلم “ملافسينت” لشركة “والت ديزني”، والذي كرّس هوية الإستديو، بالبقاء ضمن المنطقة الإنتاجية الشهيرة له، ومواصلة إعادة تدوير قصص الأطفال الأسطورية الشهيرة وتقديمها مجدداُ الى جمهور البالغين، دون أن تستثني الأطفال من حساباتها.

الأمر المؤكد، أن هوليوود تسعى عبر ما تقدّم من أفلام في السنوات الأخيرة، أن تبتعد قدر الإمكان عن عوالم التلفزيون، منافسها اللدود القوي، عبر تقديم أفلام تعتمد على مشهديات واسعة مثيرة، تكون مشاهدتها على الشاشات الكبيرة للصالات السينمائية هي التجربة الأمثل. ليتحول الوجود في صالة سينمائية تعرض فيلماً بمؤثرات صوتية وصورية مُتقدمة، إلى ما يشبه التجربة الحسيّة التي تخاطب حواس المتفرج وتأخذه إلى حدود لم تعرفها السينما من قبل. كما أن الاتجاه الذي يُميز معظم الأفلام السينمائية الضخمة الإنتاج، هو إطلاقها بعدة “فورمات”، فإلى جانب النسخ الثلاثية الأبعاد، والعادية، تُحقّق صالات “أي ماكس” نجاحات كبيرة حول العالم، بخاصة مع الاحتفاء الإعلامي الكبير ببعض الأفلام التي قدمت على تلك الشاشات في العام الماضي. كفيلم الفضاء “إنترستيلير” للمخرج البريطاني الأصل كريستوفر نولان، والذي أكد مُعظم المختصين أن مشاهدته على شاشات “أي ماكس”، يوفر سبيل المشاهدة الأكثر قرباً من روح الفيلم.
ويبدو أن السينما الفنيّة والمستقلة الأمريكية هي الخاسر الأكبر في عالم السينما اليوم. فالإستديوهات الكبيرة في هوليوود، أيقنت أنها لا تستطيع منافسة التلفزيون على تقديم الأفلام التي تقدم شخصيات مُعمقّة وخارج المألوف السينمائي التجاري الأمريكي، بعد أن تحول التلفزيون إلى المكان الطبيعي لها، و”مختبر” لتجريب اتجاهات جديدة، وتقديم قصص متنوعة، بعضها لن يجد، بسبب جرأته، مكاناً له ضمن الذهنية المُحافظة التي تحكم هوليوود. فشهد العامين الماضيين نجاحات كبيرة لأفلام أنتجتها قنوات تلفزيونية، مثل فيلم “خلف الأضواء”، والذي تقف قناة “آج بي أو” الأمريكية خلفه. شكل هذا الفيلم ظاهرة إنتاجية خاصة من المؤكد أنها ستكرر في السنوات القادمة، فهو عُرض حصرياً على شاشة القناة التلفزيونية في أمريكا، في الوقت الذي تم عرضه في الصالات السينمائية في أوروبا والعالم (افتُتحت عروضه الدولية في مهرجان كان السينمائي). كما استقطب الفيلم نجوماً من الدرجة الأولى (مايكل ديغولاس ومات ديمون)، في تأكيد جديد بأن التلفزيون لم يعد الجزيرة المنعزلة التي يأنف نجوم السينما التوجّه إليها.
وفي الإتجاه ذاته، أعلنت شركة “نيتفليكس” الأمريكية لتوفير المحتوى التلفزيوني والسينمائي عبر الإنترنت، بأنها ستقوم بإنتاج مجموعة من الأفلام السينمائية في الأعوام القادمة. يُشكِّل دخول هذه الشركة، والتي حققت أعمالها التلفزيونية الحصرية نجاحات نقدية وجماهيرية كبيرة، خطوة مهمة في دفع السينما المُختلفة في أمريكا، والتي لا تملك حظوظ نظيرتها في أوروبا، فالحكومة الأمريكية غائبة بشكل يكاد يكون كامل عن دعم السينما في البلد، على خلاف الحال في أوروبا، التي تعتمد السينما الفنيّة فيها على معونات صناديق الدعم السينمائية. ليس من المعروف إذا كانت “نيتفليكس” تخطط لعرض أفلامها القادمة في الصالات السينمائية، أم إنها ستكون حصريّة بخدمتها على الإنترنت، لتغدو إحدى الوسائل العديدة لجذب زبائن جدد لخدمة الشركة عبر تقديم محتوى لا يتوفر عند المنافسين.
ومن المنتظر أن يواصل نجوم ومخرجي السينما التوجّه إلى التلفزيون، لتقديم أعمال هناك. فتم الإعلان في الأشهر الأخيرة عن أعمال جديدة قادمة لمخرجين ونجوم أبرزهم المخرج الإنكليزي ستيف ماكوين، والأمريكي وودي آلن، والذي على الرغم من انشغاله الكبير بالسينما (فيلم واحد كل عام تقريباً)، سيجد الوقت لإخراج مسلسل كوميدي لشركة “آمازون”. وهذه الأخيرة تملك خططاً كبيرة في عالم الترفيه، كما من الصعب تخمين وجهتها القادمة، خاصة بعد أن حققت الأعمال التلفزيونية التي قدمتها الشركة عبر خدمتها لمشاهدة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية على نجاحات كبيرة أيضاً، تقلّ قليلاً عما حققته منافستها “نيتفليكس”، لكنها كافية لمواصلة إنتاج الأعمال الحصرية المُختلفة بروحها عما تنتجه القنوات الأمريكية العملاقة.
يُقلق حال السينما الأمريكية المستقلّة كثيرين، منهم المُخرج الأمريكي المعروف ديفيد لينج، والذي كشف قبل نهاية العام الماضي عن حزنه لما وصل إليه هذا الاتجاه في السينما في بلده في السنوات الأخيرة، وحذّر أن التلفزيون ربما يقود إلى نهايتها. تختلف المنافسة التي يمثلها التلفزيون اليوم للسينما عما كانت عليه قبل عقود. فلم يعد التلفزيون يشكل تهديداً للسينما بالمعنى المتعارف عنه، أي توفيره وسيلة “متدنية” للترفيه، وجعل المتفرج لا يبارح بيته عبر إغراقه بالتفاهات، فالتلفزيون ينافس السينما المستقلة الفنيّة اليوم بجديّة غير مسبوقة، عبر تقديم أعمال تلفزيونية رائعة، تفهم روح السينما والعناصر التي تنسج هويتها المميزة، بخاصة ما تقدمه قنوات مُعينة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عقد من السنوات. استفادت كثير من هذه الأعمال من الزمن الطويل المتاح لها على الشاشة، لبلورة معالجات متأنية لقصصها وتعريفات مستفيضة لشخصياتها، الأمر الذي لا يتوفر دائماً للسينما. وهنا لا بد من ذكر إن المخرج ديفيد لينج نفسه سيعود إلى التلفزيون في العام القادم (2016)، إذ سيقدم جزءاً جديداً من مسلسله المعروف “توين بيكس”.