مأزق الأفلام الهندية والأوسكار !
ندى الأزهري – نيودلهي

على الرغم من كون الهند البلد الأكثر إنتاجا للأفلام في العالم، فإن السينما الهندية لم تنل إلى اليوم جائزة الأوسكار المخصصة لفئة “أفضل فيلم أجنبي”.
بيد أن الأمر لا يتعلق بالكم، ولا كذلك بالكيف. فالجوائز ليست مؤشرا موثوقا في دلالته على قيمة الفيلم. إنما هكذا جرى العرف بتحميل الجائزة أكثر مما تحتمل، و بدخول الجميع في لعبتها أحيانا. اليوم وقد قدمت دول فيلمها المرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي في الأوسكار الذي ستعلن نتائجه بداية العام القادم، هي مناسبة لإلقاء نظرة على ما يجري في بلد يتجاوز إنتاجه السنوي من الأفلام الألف وخمسمائة فيلم.
في الهند ثمة لجنة تحكيم منبثقة عن اتحاد الفيلم الهندي تختار الفيلم الذي ستقدمه للأوسكار. بعد اجتماع سبعة عشر عضوا برئاسة المخرج أمول بليكار ومشاهدة ما بين ثلاثين إلى أربعين فيلما وقع الخيار النهائي على” المحكمة” للمخرج شايتانيا تامهاني. يلقي الفيلم نظرة مقربة على اختلال النظام القضائي الهندي حيث لا تُعدّ مدة بقاء القضايا في المحاكم بالسنوات بل بالعقود، وحيث ينتظر المتهمون النظر بقضاياهم على أحر من الجمر. بأسلوب يقترب من الوثائقي، يبدي الفيلم الواقع القضائي من وجهة نظر مغن وموسيقي شعبي وناشط اتُهم، بسبب كلمات أغانيه الملتهبة، بكونه الدافع وراء انتحار عامل صرف صحي في مومباي. يطرح الفيلم، الذي صُوّرت مشاهد كثيرة منه في المحكمة، تساؤلات عن المسؤول عما يحصل، وهل تُنتهك القوانين والقواعد بسبب الناس أم النظام أم القضاة أم المحامين؟ يهاجم الفيلم المسؤولين من حيث تعذيبهم لهؤلاء الذين يطرحون أسئلة غير مريحة أو مرغوبة. حوار قوي وآداء لافت للممثلين حفّزا اللجنة لا ختيار هذا الفيلم لتمثيل الهند.
“المحكمة” ناطق باللغة الماراتية (ولاية مهاراشترا وعاصمتها مومباي)، لكن تلك لم تكن لغته الوحيدة فهناك أيضا الهندية والإنكليزية اللغتان الرسميتان في الهند والكوجاراتية. نجح الفيلم المأخوذ عن واقعة حقيقية في جذب النقاد ووصفته صحيفة هندية بأنه الفيلم “الأفضل” لهذا العام ولا يجب تفويته، كذلك أحبّه الجمهور. هو العمل الروائي الأول لمخرجه الذي كتب له السيناريو أيضا. تامهاني شاب في الثامنة والعشرين من عمره قضى أوقاتا يراقب المحاكم قبل كتابة السيناريو، وصرّح لصحيفة هندية بأن “بعض القصص أغرب من الروايات، ولو رأيناها في فيلم لوصمناه بالسوء”!.
لقد تفأجا باختيار فيلمه لتمثيل الهند في الأوسكار وكتب على صفحته في الفيسبوك ” لقد منَحَنا الفيلم عند كل منعطف في رحلته أكثر مما كنا نتوقع، واختياره هو بمثابة مفاجأة حقيقية لفيفيك (غومبير، بطل الفيلم) ولي، فتوقعاتنا ظلت منخفضة”، متابعا “ثمة شيء من الحكمة في ألا تتوقع الكثير”.

كان “المحكمة” قد ربح جائزة أفضل فيلم روائي هندي في جوائز الفيلم الوطني التي أُعلنت في مارس الماضي في الهند، وشارك في 19 مهرجان حاصدا 16 جائزة اثنتان منهما في مهرجان البندقية. هو الفيلم الماراتي الثالث الذي يسمى للأوسكار بعد ” نفس” عام 2004 لسانديب ساوانتس شواس، و”مصنع هاريشاندراشي” عام 2009 عن حياة دادا صاحب فالكي صانع أول فيلم هندي صامت. انتصر الفيلم في السباق نحو الأوسكار على أفلام هندية أخرى كانت فرصها قوية أيضا بحسب الصحافة الهندية في اللائحة مثل “PK” لراج كومارحيراني، و”ماسان” لنيراج غيوان الذي ريح جائزة في مهرجان كان الأخير، و”حيدر” لفيشال بهارادواج.
الهند والأوسكار
تشارك الهند في الأوسكار منذ عام 1957. كانت البداية مع فيلم ” أمنا الهند” لمحبوب خان، وبعدها شاركت بأسماء بعضها لكبار المخرجين من البنغال الغربي مثل ساتيا جيت راي (“عالم آبو” و” مترو بوليس” و “لاعب الشطرنج”) وشيام بنغال، والتامولي ماني راتنام. وكانت الأفلام الناطقة باللغة الهندية هي الأكثر عددا بين الأفلام المرشحة فقد بلغت 30 فيلما تليها تلك الناطقة بالتاميلية.
ثمة نوع من هستيريا إعلامية حول “الأوسكار”، يقول لنا ناقد وباحث سينمائي هندي، رغم أن الفيلم” يدخل” الأوسكار ولا يُسمًى فماذا سيحصل لو نجح بالوصول إلى الجولة الأولى أو الثانية؟ بل ماذا لو ربح الجائزة؟! إلى اليوم لم يربح أي فيلم هندي ولم يصل طوال هذه السنوات للائحة النهائية للفيلم الأجنبي المتضمنة خمسة أفلام، سوى ثلاثة أفلام هندية. هي ” أمنا الهند” لمحبوب خان عام 1957، و” سلام مومباي” لميرا ناير 1989 و” لاغان Lagaan” لاشوتوش غواريكر وهو من تمثيل وإنتاج عامر خان عام 2002.

و حول كيفية وصول” لاغان” للائحة النهائية حينها، كشف الممثل الشهير عامر خان لصحيفة “إنديا توداي” ( الهند اليوم)، بأن هدفهم كان آنذاك جعل أكبر عدد ممكن من محكّمي الأوسكار يرى الفيلم.
كان الهدف الأول النجاح بالوصول إلى لائحة الأفلام التسعة المختارة من ضمن عشرات الأفلام القادمة من مختلف دول العالم للتسابق على “جائزة أفضل فيلم أجنبي”، و يتطلب هذا جهودا جبارة، “هذا ما قمنا به” يقول خان. فقد سعى كونه منتج الفيلم للدعاية له وكي تجرى مقابلات معه كممثل فيه، كما اشترى صفحات كاملة من الدعاية في الصحافة الأمريكية تكلّف كل منها أكثر من 15 ألف دولار، جهود تكللت بوصول الفيلم للائحة النهائية المكونة من خمسة أفلام.
موقع ” كوارتز إنديا”، أجرى تحقيقا حول الأسباب التي تعيق فوز أي فيلم هندي الأوسكار، و كتب أنه يمكن التأثير على أعضاء لجنة التحكيم في المرحلة الأولى بالحملات الدعائية ومجموعات الضغط والحفلات والعلاقات العامة للفت الانتباه لوجود الفيلم و”تشكيل حملة حوله” كما صرح أحد المنتجين، وكشف غيتو موهنداس مخرج فيلم ” Liar’s Dice” مرشح الهند للسنة الماضية، أن “المال” مهم جدا لخلق دعاية ناجحة حول الفيلم. لكن، حين يستغرق الحصول على موازنة لتنفيذ فيلم مستقل سبع سنوات فكيف يمكن لهذا الفيلم التحمل من جديد تنظيم حملات دعائية ضخمة في الولايات المتحدة لتعريف أعضاء الأوسكار بأفلامنا؟!!” يعلق موهنداس، متابعا أن الصحفيين “يشاهدون الفيلم ويقررون أن كانوا يريدون التعريف به أم لا”، وكل صحفي يقرر العمل على 5-6 أفلام.
الدعاية لـ “لاغان” في الولايات المتحدة كلّفت اثنتا مليون دولار، وبالمقارنة فإن فيلما مثل “محكمة” بميزانيته الضئيلة لن يستطيع الوقوف بوجه المتطلبات. حتى في الهند إذ على الرغم من نجاحاته النقدية والجوائز التي حازها، لم يُعرض سوى في 15 صالة مقارنة بأي فيلم بوليوودي تفتح له حوالي ألفين دار عرض أبوابها!