PK مخلوق فضائي يحطّ في الهند .. بلد العجائب

ندى الأزهري

فيلم يثير الجدل في الهند، الاحتجاج والغضب، التظاهر و إحراق ملصقات الفيلم  أحيانا، و بحسب جريدة هندية،  فإن ثمة “حرب افتراضية” قامت كذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الملايين تتدافع لرؤيته.
 الممثل النجم عامر خان يقوم بالدور الرئيسي في” PK”. 

 مخلوق فضائي على شكل إنسان إنما مع بعض تفاصيل مميزة: أذنان أطول من المعتاد مثلا، عينان لامعتان ببريق غريب… يهبط ليكتشف الأرض وعالمها العجيب فيحطّ به المقام في… الهند! و يالهول ما يكتشف وما يقع عليه بصره من تناقضات مثيرة!
 في مكان ساحر غني كشبه القارة الهندية حيث تتعايش ثقافات وأديان وأعراق متعددة، لن يكون مستغربا في شيء كثرة  ما سيثير حيرة هذا المخلوق بل  ذهوله. لكن تركيز الفيلم على النواحي الدينية  وممارسات أتباع الديانة الهندوسية بالذات أثار احتجاج الحركة القومية الهندوسية و لجوء ناشط فيها إلى العدالة في دلهي. لكن المحكمة العليا رفضت الاتهامات التي تصف الفيلم بأنه ” دعوة إلى كراهية مجموعة ( محددة)”.

أيضا اغتاظ البعض  من قصة الحب التي ربطت بين مسلم باكستاني وفتاة هندوسية من الهند وربما من تلك القبلة بينهما فوق جسر على قناة في بروكسل، وهو أمر غير معهود في السينما الهندية حيث “الايحاء” بالقبلة هو الأكثر شيوعا. 
هذا الجدال والاعتراض لم يمنعا الفيلم الذي أخرجه راج كمار حيراني أن يكون من أكثر الأفلام التي حققت الإيرادات في تاريخ السينما الهندية ( 99 مليون دولار بعد حوالي شهر ونصف من عرضه). كما بلغ الإقبال عليه درجة اتُّهمت معها دور عرض باللجوء إلى أسلوب البيع بالسوق السوداء وتعليق لافتة” كامل العدد” بعد عشر دقائق من فتح كوة البيع وهذا لتسهيل بيع البطاقات بأسعار مبالغ بها .
بلد العجائب

تحط عربة الفضاء بـه في إقليم راجستان، في هذا القسم  من الفيلم  تتمّ أول مواجهة مع لا أخلاقية البشر وشرورهم فتسرق منه ميداليته التي توصله بعالمه الفضائي.. تبدو الشخصية هنا بعينينها شديدتي اللمعة بخضرتهما الزجاجية وأذنينها النافرنين ، وعضلاتها المفتولة والمنفوخة، بريئة في نظراتها ساذجة في سلوكها وهي ترى العجب في بلد العجائب وفي هذه المخلوقات التي أمامها والتي تعجز عن فهمها.
في القسم الثاني يتغير المكان ليصبح العاصمة دلهي بكل فورانها وصعوبة الإحاطة بها حتى لساكنيها فكيف لهذا المخلوق ” البريء”؟
 الشخصية  تثير التعاطف  طوال الفيلم بحركاتها الساذجة واندهاشها و سذاجتها أمام المكر البشري… إنما يفهم سريعا أن الهدف من الفيلم والذي حقّق له كل هذا الإقبال الجماهيري ، ليس دراسة الشخصية، فهي على أية حال مفتعلة وأي فعل صادر عنها مقبول سلفا نظرا لغرابتها. الهدف  كان إبراز تناقضات البلد والممارسات فيه، الدينية منها على وجه الخصوص.
PK لا يفهم الناس المفتونين بطقوسهم، المشغولين بها. فهو لا يستطيع التمييز بين الهندوسي والمسلم والمسيحي والسيخ و الجايين… ولا يفهم لما يطالب رجال الدين أتباعهم بدفع الفلوس ويندهش لهذه المواجهات التي تحصل بين ” مؤمنين” و”مؤمنين”! ويذهب بكل براءة إلى مستشفى الولادات ليرى هل ثمة فروق في هذه المخلوقات الجديدة تحدد  انتمائها الديني منذ الولادة؟ كل هذا يتم في إيقاع سريع، لاهث يستغني بالصورة أحيانا عن أي حوار.
وتُميّزُ الفيلم بضعة مشاهد ذات دلالات  قوية.  فحين يراقب البطل الناس في مراكز العبادة يحاول التصرف على شاكلتهم للتقرب منهم. لقد لحظ في الكنيسة أن الناس يقدمون النبيذ وهو لا يفهم فيما بعد  لما قام بعضهم بمطاردته لضربه حين حمل زجاجة من النبيذ وذهب بكل نية حسنة لتقديمها في المسجد! و المشاهدون لا يكفون عن الضحك، مواقف كتلك امتلأ بها الفيلم فهو اعتمد الكوميديا لتمرير خطابه القاسي تجاه الممارسات الدينية واستثمارها لظاهرة الخوف من الإله لدى الفرد كي يحقق البعض أرباحه وسيطرته.

 

ولم يوفر الفيلم أي دين لكنه ركزّ على ظاهرة ” الغورو”( رجل دين مؤثر وله أتباع) في الديانة الهندوسية، كما لعب على وتر حساس في الهند وهو العلاقات الهندية الباكستانية عبر قصة الحب التي جمعت بين الباكستاني والفتاة الهندوسية (الصحافية التي ساندت رجل الفضاء في صراعه مع البشر وشرورهم) و أظهر السيناريو الباكستاني كشاب مخلص أخلاقي، ما يناسب العلاقات الحالية بين البلدين كما علق ناقد بمكر.
الفيلم لا ينكر الأديان ولا الرب بل كان على العكس حريص على القول بأن الإله بريء من تأويلات عباده والدين بريء من سلوكهم. وهو لا يمكنه أصلا سوى مسايرة المشاعر الشعبية في هذا الخصوص. المسايرة كانت كذلك في اعتماد الخلطات السحرية للفيلم الهندي الشعبي من قصة حب رومانسية مع الاستعانة بالموسيقى و ببضعة أغان ورقصة على الأقل مع  كاميرا تلهث وراء أبطالها.

 عامر خان من الممثلين الذين يقال هنا أنهم يفكرون جيدا قبل قبول الدور. وهو، كما صرح في مقابلة لجريدة هندية لا يبحث عن المضمون الاجتماعي أو الرسالة التي يقدمها الفيلم بل عن الشخصية التي يجسدها ويعبر عن ذلك بقوله” الكاتب والمخرج هما من يريد قول رسالة ما وأنا أنضم إليهما”. وفي معرض رده على الاحتجاجات التي طالت الفيلم اعتبر أن لابد أن تحتج مجموعة ما على كل فيلم” وأن هذه هي الديمقراطية و”من له رأي فليكن ومن لم يحب الفيلم فليس عليه مشاهدته”.
 اتهم الفيلم أيضا بأنه لم يركز على أحوال المسلمين، ولو بيّنها كما فعل مع الهندوس” لكانت فتوى ربما ستقضي عليه” كما علّق أحدهم!


إعلان