“خط ساخن”.. أسوار العنصرية تخنق المهاجر الأفريقي في دولة الاحتلال
يكشف الفيلم الوثائقي الإسرائيلي ” خط ساخن” للمخرجة “سيلفانا لاندسمان” عن الوجه العنصري الداخلي لدولة الاحتلال، من خلال تصوير الظروف الشاقة التي تعمل فيها منظمة “خط ساخن”، وهي منظمة غير حكومية لرعاية المهاجرين واللاجئين، تتخذ تل أبيب مقرا لها، وتعتمد في تمويلها على الدعم الذي تتلقاه من المنظمات الخارجية.
ويركز الوثائقي على عمل المنظمة التي تبذل جهودا غير عادية في مجتمع ينظر إلى المهاجرين من غير اليهود بنظرة عنصرية مقيتة، خاصة أن إسرائيل تشهد قدوم مهاجرين من بلدان إفريقية مثل إثيوبيا والسودان وساحل العاج وأوغندا وغانا وغيرها. وبالتالي تصبح المشكلة أكثر تعقيدا، إذ أن المهاجر أسود أفريقي، ولا يعتنق الديانة اليهودية، في مجتمع منغلق متدين لا يقبل الآخر.
رهاب الغرباء.. صورة نمطية عن المهاجرين السود
في أحد أهم مشاهد الفيلم تظهر “سيجال روزين”، وهي منسقة مجموعة “خط ساخن” وناشطة سياسية أيضا، فنراها مع مجموعة من النساء والرجال من جنوب تل أبيب في ندوة عامة، يناقشون موضوع المهاجرين الذين أصبحوا يتركزون في منطقتهم بوجه خاص، ونرى كيف يعبر السكان بأشد الألفاظ قسوة عن رفضهم التام لوجود المهاجرين الأفارقة بينهم وفي دولتهم عموما، بدعوى أنهم يخشون على بناتهم من الاغتصاب، وعلى بيوتهم من السرقة، وعلى أنفسهم من التعرض للقتل في الشوارع.
تحاول “روزين” مناقشتهم بعقلانية وإقناعهم بأن هؤلاء القادمين من الخارج لهم أيضا حقوق إنسانية، وأنهم يبحثون عن فرصة للعمل، وتتساءل كيف تكون إسرائيل مجتمعا يقول إنه قام لإنقاذ المضطهدين من اليهود، بينما يمارس التفرقة على الآخرين ويتجاهل مآسيهم الإنسانية.
تترك المخرجة الكاميرا تتجول بشكل حر، تتوقف أحيانا أمام الموظفات اللواتي يعملن لحساب “خط ساخن”، وتراقب وتسجل تعاملهن مع المهاجرين للبحث في قضاياهم ومشاكلهم التي تتلخص أساسا في العمل والسجن وتحويل الأموال.
محاكمة المتسللين.. عنصرية يرعاها القضاء في دولة الاحتلال
بالرغم من أن الدولة الإسرائيلية قد وقعت على اتفاقية حماية اللاجئين وضمان حقوقهم الإنسانية، فإنها ترفض الاعتراف بهم بل تعتبرهم متسللين. وهذا هو اللقب الذي يصف به القانون الإسرائيلي المهاجرين ويحظر تشغيلهم بتهمة أنهم من “المتسللين”.
ويذكر التعليق الصوتي في الفيلم، أن هناك نحو 60 ألف حالة من الذين دخلوا إسرائيل عن طريق التسلل عبر الحدود، كلهم جاءوا من إفريقيا عبر سيناء المصرية. ويروي بعضهم في الفيلم كيف يتعرض الكثيرون منهم للاختطاف من جانب قبائل البدو في سيناء، ويُطلب منهم دفع فدية مالية ضخمة ويتعرضون للتعذيب بأشكال مختلفة مثل الصعق بالكهرباء، والحرمان من الطعام والشراب.

بعض هؤلاء المهاجرين يموت من التعذيب والتجويع، وبعضهم الآخر يُقتل على أيدي حراس الحدود على الجانب المصري، وبعض ثالث ينجح في الفرار والتسلل إلى داخل إسرائيل. وهم في معظمهم قد فرّوا من جحيم الحروب الأهلية والصراعات العرقية، ورغم ذلك وبدلا من منحهم حق اللجوء والعمل، فإن سلطات الاحتلال تعتقلهم وتحكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح من سنة إلى ثلاث سنوات.
هنا يأتي دور “خط ساخن”، فتوكل محامين للدفاع عن المعتقلين والعمل على إطلاق سراحهم، وتمارس الضغوط على السلطات من أجل الحصول لهم على تصاريح مؤقتة بالعمل.
وفاة في المعتقل.. شاب إيفواري يطلب جثمان زوجته
يرصد الوثائقي حالة إنسانية لشاب من ساحل العاج، يروي كيف تسلل مع زوجته إلى إسرائيل، واعتقلا في سجنين مختلفين، وقيل له إن زوجته ماتت جراء الجروح التي أصيبت بها أثناء مطاردتها من حراس الحدود الإسرائيليين، وهو لم يرها منذ أن اعتقلا أثناء التسلل، وبعد إطلاق سراحه، أراد أن يتسلم من سلطات الاحتلال شهادة وفاة زوجته وجثتها، ويقول إنه يرغب في العودة إلى ساحل العاج، ولكن يتعين عليه أن يُطلع عائلة زوجته على ما يفيد بوفاتها كما يجب أن يُسلمهم جثتها، لأنهم ينتمون إلى قبيلة أخرى تعادي لقبيلته، وسوف يفتكون به إذا لم يتمكن من إثبات وفاة زوجته.

قانونيا لا يمكن لسلطات الاحتلال ترحيل الذين دخلوا إلى البلاد، كما أنها تغمض عيونها أحيانا عمن يعملون بشكل غير قانوني، وهو نوع من استغلال العمالة الرخيصة، لكنها في المقابل تشجع كل من يبدي رغبته في العودة.
أما من لا يزال يعمل منهم ولو بموجب تصريح للعمل (يصدر مؤقتا في ظروف صعبة للغاية ولعدد محدود لم يتجاوز 6 حالات في ثلاث سنوات)، فإن البنك المركزي الإسرائيلي يرفض السماح لهم بتحويل أي أموال إلى ذويهم. فيجد المهاجر نفسه في معاناة دائمة، وهي مشكلة أخرى يتوقف أمامها الفيلم في إطار رصد المشاكل التي تواجهها المنظمة.
شخصيات ضائعة.. حين تصبح العودة أفضل خيار
تتحرك كاميرا المخرجة بين شخوص ضائعة شريدة وجدت نفسها وسط مجتمع عنصري رافض لأي شخص لا ينتمي لديانتهم، يصل اليأس بهؤلاء المهاجرين لحد تفضيل العودة من حيث أتوا، رغم كل ما يكتنف تلك العودة من أخطار تهدد حياتهم كما يعبرون لـ”روزين”.

لا تركز المخرجة على خط قصصي تتناول منه موضوع الهجرة، ويبدو الفيلم في أجزاء منه وقد خرج عن السيطرة من ناحية الإيقاع، بسبب رغبة المخرجة في ضم كل ما قامت بتصويره في سياق الفيلم، وبالتالي يشوب الفيلم بعض التكرار والإسهاب في الوصف، والتداخل في المعلومات. لكن في الفيلم ثلاثة مشاهد رئيسية ترفعه إلى مصاف الأعمال الوثائقية المؤثرة.
كفاح الحقوق.. جدل عنصري في الشارع والمحكمة ومجلس النواب
المشهد الأول سبق أن تطرقنا له وهو مشهد المواجهة بين الناشطة الشجاعة “روزين”، وبين عدد كبير من سكان جنوب تل أبيب، وتصل المواجهة إلى اتهامها بخيانة الشعب اليهودي، فهي تتعاطف مع الغرباء أكثر مما تريد أن تتفهم مشاكل أقرانها اليهود، وتقول لها إحدى النساء إنها إذا كانت تحب هؤلاء المهاجرين الأفارقة فلماذا لا تأخذهم في بيتها، وأنها تتكلم هكذا لأنها تقيم في أحد الأحياء الراقية بالمدينة.
والمشهد الثاني لمناقشة حامية تدور في الكنيست الإسرائيلي (مجلس النواب) بين مجموعة من النشطاء التابعين لـ”خط ساخن” وممثل عن الاتحاد الأوروبي وبعض المحامين المتخصصين في قضايا حقوق الإنسان، وبين أعضاء اللجنة المكلفة بوضع تعديلات على القانون الذي ينظم قضايا الهجرة ودخول البلاد.
يرغب أعضاء اللجنة في إدخال تعديل يشجع على خروج اللاجئين من البلاد، عن طريق السماح لمن يرغب في العودة بالخروج بمدخراته من مال أو تحويله قبيل سفره مباشرة إلى بلده، وتصل المواجهة الساخنة إلى حد اتهام أعضاء في الكنيست بإهدار حقوق الإنسان، رغم كل ما تدعيه الدولة من اختلافها عن الدول المحيطة بها في مجال الحريات الأساسية.
والمشهد الثالث نرى فيه أحد المحامين وهو يحاول جاهدا إقناع السلطات بتنفيذ حكم محكمة إسرائيلية بإطلاق سراح سجينة إفريقية بكفالة، لكن المسؤولين يرفضون قبول الكفالة، ويتطلب الأمر الكثير من اللغط ثم الاتصالات الكثيرة ببعض المسؤولين والقضاة، والمشهد مقصود لكشف تعنت البيروقراطية الإسرائيلية، وكيف يمكنها أن تضرب عرض الحائط بقرارات المحاكم.
قيود السلطة.. بانوراما شاملة لمعاناة المهاجر الأفريقي
الفيلم مزيج من القصص الفردية التي تقدم بانوراما شاملة من جوانب متعددة لمعاناة المهاجرين أو اللاجئين في الكيان الصهيوني، وخصوصا الجانب المتعلق بعنصرية الإسرائيليين في التعامل معهم، وصعوبة عمل المنظمات غير الحكومية في إسرائيل، والقيود التي تغلّ يدها عن تقديم مساعدة حقيقة لهؤلاء المهاجرين، وإلا اعتبرت مخالفة للقانون وتعرضت للإغلاق.
كما أنه أيضا يكشف عن الجانب الغامض من المعاناة الهائلة التي يواجهها المهاجرون الفارّون من بلادهم في سيناء، فنرى كيف أصبح أحد هؤلاء الشباب عاجزا عن السير، بسبب ما تعرض له من تعذيب أدى إلى اصابته بعجز في قدمه وساقه.