طنجة.. كرنفال للفيلم المغربي
طنجة ـ المصطفى الصوفي
تستعيد مدينة طنجة المغربية، ألقها السينمائي والإبداعي، باستضافة عدد من المهرجانات المحلية والوطنية والدولية، التي تحتفي في أبهى مشاهدها بالسينما، كشكل من أشكال الحلم والجمال.
وخلال هذا العام تستضيف مدينة البوغاز الدورة الـ 16 من المهرجان الوطني للفيلم، والذي يعقده المركز السينمائي المغربي بالتعاون مع شركاء عدة، وبرعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس من 20 إلى 28 من شهر فبراير الجاري، وهي دورة تحمل الكثير من المتغيرات والمفاجآت وبخاصة، أنها الدورة الأولى التي تعقد في عهد المدير الجديد للمركز السينمائي المغربي صارم الفاسي الفهري، والذي عين مؤخرا، خلفا للمدير الأسبق نور الدين الصايل، هذا الأخير يعتبره الكثير من المتتبعين، مهندسا حقيقيا للسينما المغربية في علاقتها بالعربية والدولية، ولإشعاع ونجاح مختلف دورات هذا المهرجان، والذي عمل على تطويره، وفق خطة واستراتيجية تنبني في العمق على الرقي والنهوض بالقطاع السينمائي المغربي، وجعل السينما أكد مكونات التنمية الثقافية والدينامية الاقتصادية بالبلاد.
وإذا كان المهرجان الوطني للفيلم، الذي كان يقام بالتناوب بين عدد من المدن المغربية، بعد ان استقر في مدينة البوغاز، خلال شهر فبراير من كل سنة، يعرض مختلف الأفلام الجديدة، والتي لم تكن كثيرة بما يكفي، وهو رهان دخله المركز السينمائي المغربي، من خلال صندوق دعم الانتاحات السينمائية، بمبالغ مهمة، وذلك من أجل تحقيق كم مهم من الأفلام كل عام، إلا إنه خلال الفترة الأخيرة سن عملية لانتقاء الأفلام المزمع مشاركتها في هذا الاحتفال، وذلك تحت إشراف لجنة اختيار مختصة، الأمر الذي يقطع الطريق على أفلام أخرى للمشاركة، وإمكانية تتويجها، وبخاصة أن الجوائز ترصد لها مبالغ مالية مهمة، بل ان تتويج أحد الأفلام خلال فعاليات المهرجان، يكون محفزا قويا للمخرجين ونقطة تفضيلية في سجل المخرجين والممثلين والمنتجين، على اعتبار أن هذه التظاهرة السينمائية، تعد أكبر احتفال سينمائي وطني جماعي، للحكم على الأفلام والمخرجين وتتويجهم.
![]() |
الوثائقي..(الريف 58-59: لنكسر جدار الصمت)
|
وبالنسبة للأفلام الروائية الطويلة التي تقدمت للمشاركة في المسابقة الرسمية لهذه الدورة، للظفر بأحد الجوائز، فقد فاق عددها الثلاثين، حيث تم اختيار 15 فيلما فقط، من أجل التنافس على جوائز المهرجان، ويتعلق الأمر، بأفلام (نصف سماء) لمخرجه عبد القادر لقطع، و(إطار الليل) للمخرجة تالا حديد، و(جوق العميين) لمحمد مفتكر، والذي كان شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي الـ 14 للفيلم بمراكش شهر نوفمبر الماضي من غير أن يحصل على أية جائزة، وفيلم (رهان) لمحمد الكغاط، و(عايدة) لمخرجه إدريس المريني، و(الحمالة) للمخرج سعيد الناصري، فضلا عن (الحمالة) لسعيد الناصري، و(الفرّوج) لعبد الله فركوس، و(دالاس) لمحمد علي مجبود، و(الوشاح الأحمر) لمحمد اليونسي، ثم (الأوراق الميتة) لمخرجه يونس الركاب، و(كاريان بوليود) لياسين فنان، و(خنيفسة الرماد) للممثلة والمخرجة سناء عكرو.
كما يشارك في فعاليات هذه الدورة الفيلم الوثائقي اليتيم من بين أفلام وثائقية عدة تقدمت للمشاركة، وهو (الريف 58-59: لنكسر جدار الصمت) لمخرجه طارق الإدريسي، والذي يسلط الضوء على فترة مهمة من التاريخ النضالي الوطني شمالي المملكة، والتي يطلق عليها أهالي المنطقة اسم (عام إقبارن) أو عام (الخوذات العسكرية). حيث يسعى طارق الإدريسي من خلال هذا الفيلم، إلى تكسير جدار الصمت والهدوء والخوف، في منطقتي (آيت بوخلف) و(آيت ورياغل)، التي شهدت أحداثا دامية، وذلك في قالب إبداعي مشوق، يروم من خلاله تقديم جزء من الحقيقية التاريخية المغيبة.
إجحاف في حق الفيلم الوثائقي
ويرى العديد من المتتبعين أن اختيار فيلم وثائقي واحد، للتباري في هذا المهرجان من بين عدد من الأفلام التي قدمت ترشيحها، ومنها(قراصنة سلا) لمخرجته مريم عدو والبريطانية روزا روجرز، و(جدران ورجال) لدليلة النادر، و(هرقل ضد هيرميس) لمحمد ولاد محند، يعد إجحافا في حق الإبداع والفيلم الوثائقي، الذي أصبح يفرض ذاته في المغرب بشكل كبير، وذلك لسحره وجماله وقوته، وأيضا من خلال الاحتفاء به، بعدد من المهرجانات المحلية أو الوطنية أو الدولية بالمغرب، ومن أبرزها المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، والمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بزاكورة جنوب البلاد، ومهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بأصيلة، ومهرجان الفيلم الوثائقي والتربوي ببوزنيقة وغيرها.
وقد تم اختيار هذه الأفلام تحت إشراف لجنة أكاديمية ونقدية متخصصة، وضمت مدير المركز السينمائي المغربي، بصفته رئيس المهرجان ولجنة التنظيم، ورئيس الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام المخرج محمد عبد الرحمن التازي، ورئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما خليل الدمون، وممثلين عن اتحاد المخرجين المؤلفين المغاربة إدريس الإدريسي، والغرفة المغربية لمنتجي الأفلام جمال السويسي، الذي كان ترأس الدورة الأخيرة من مهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بمدينة أصيلة، والذي منح جائزته التي حملت اسم جائزة الجزيرة الوثائقية للفيلم الفلسطيني(ناجي العلي في حضن حنظلة) لمخرجه الفلسطيني فائق جرادة، وسيناريو الدكتور الحبيب الناصري رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة.
تنافس ورهان
وفي هذا السياق يعتبر فيلم الروائي الطويل (إطار الليل) لمخرجته تالا حديد، من بين أبرز الأفلام المرشحة للظفر بأحد جوائز المهرجان، وهو من تشخيص خالد عبد الله، ماري جوزي كروز، فدوى بوجوان، حسين شطري، ثم ماجدولين الإدريسي، زهرة هندي، وسمير الحكيم، فنبيل المالح.
![]() |
تالا حديد مخرجة بريطانية المولد، عراقية الأب ومغربية الأم
|
ويحكي هذا الشريط قصة البطلة عائشة، ابنه منطقة الأطلس، بيعت في ظروف غامضة، ورغم ذلك فهي تتميز بشخصية قوية وعزيمة كبيرة، حيث تبحث لها دائما عن حلول، وهي بين مخالب المجرم عباس وصديقته نادية. في الفيلم سيلتقي الثلاثي بزكريا، وهو كاتب من أصل عراقي مغربي، ترك كل شيء وراءه بما في ذلك حبيبته (جوديت)، يسافر بحثا أخيه المفقود، يلتقي الأربعة في رحلة طويلة، تأخذهم عبر أنحاء المغرب، وإلى إسطنبول التركية، وسهول كردستان وغيرها من المناطق، ما يحول الفيلم إلى سفر مشوق مليء بالمفاجآت.
أما الفيلم الثاني، فهو(رهان) لمخرجه محمد الكغاط، حيث البطلة أسماء الخمليشي، تقوم إلى جانب مراد الزاوي، وربيع القاطي، وإيمان المشرفي، ورشيدة السعودي، ومحمد الحراكة بدور مميز، في قصة رومانسية ومسلية. في الفيلم يقتسم مروان وفؤاد نفس الشقة، ويشغلان محلا تجاريا مختصا في صناعة نوع من الحلويات. مروان شاب ماكر يعشق التسلية والحياة و يستمتع بها إلى أقصى حد، وهو في ذلك على النقيض تماما من صديقه فؤاد، حيث في أحد الأيام، بينما الصديقان يبحران في عالم الشبكة العنكبوتية، يقعان في صفحة واحدة من المشاهير، فيدخلا معا في رهان، أن يقنع مروان ياسمين بقبول دعوته للعشاء.. وتلك حكاية جديدة لاكتشاف عالم العشاق والحالمين.
15 فيلما قصيرا و(دوخو) الأوفر حظا
ويخصص المهرجان الوطني للفيلم، أيضا مسابقة من أجل تكريم الأفلام القصيرة، حيث تم اختيار هذه السنة كذلك 15 فيلما، من بين 54 شريطا قصيرا تقدمت للمشاركة في المسابقة الرسمية. ولعل ابرز الأفلام المختارة فيلم (دالطو) للمخرج لعصام دوخو، وهو المرشح بالفوز بالجائزة الأولى، وبخاصة أن هذا الشريط، كان تألق بشكل ملفت خلال الدورة ال 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وتوج بالجائزة الكبرى لمسابقة أفلام سينما المدارس، التي ترأسها المخرج المالي المخرج الموريتاني عبد الرحمان سيساكو، وضمت اسماء دولية وازنة كالممثلة الفرنسية انا جيراردو، والمخرجة والممثلة الايطالية ايلسا سيدناوي، والممثل الفرنسي كاسبار أولييل، والمخرجة والسيناريست الأمريكية زوي كاسافيتس.
وتدور أحداث هذا الشريط القصير، حول موضوع اجتماعي حالم، بطله الشاب (ادم)، ذو ال20 سنة، والذي ينتمي لاسرة فقيرة، والحالم بان يكون رساما في المستقبل، لكنه اثناء امتحانات الولوج إلى مدرسة الفنون التي لا يلجها لا
![]() |
البناء الاسر الغنية والثرية، يصطدم بعقابا وصعوبات، الامر الذي يحز في نفسية الده الذي يقدم له كل ما يمنلك من اجل ان يتحقق له حلمه.
ويشارك أيضا في المسابقة الأفلام القصيرة (دنيا ) للمخرجة جنان فاتن محمدي و (رحلة في صندوق ) لأمين صابر، و (حدود ) لعلي الصميلي وكلير كاهن و (العتبة ) لعلال العلاوي و (جدار) للمهدي الدكالي، ثم (جزيرة ليلى) لمصطفى الشعبي، و(جنة) للمخرجة مريم بنمبارك، إضافة إلى (وسيط ) لمولاي الطيب بوحنانة، و(دوار السوليما) لأسماء المدير و( غضب) لنور آيت الله، و(نقطة الرجوع) لزينب الأشهب وفؤاد عزمي، و (الطفل والخبز) لمحمد كومان، و(حوت الصحرا) لعلاء الدين الجم و( عقول فاسدة) للمهدي الخوضي.
وتم اختيار هذه الأفلام تحت إشراف لجنة محترفة ترأسها المخرج السينمائي عز العرب العلوي والممثلة مجيدة بنكيران، والناقد السينمائي عادل السمار والمخرج السينمائي حسن دحاني.
ندوة الأندية والمهرجانات السينمائية
وبالموازاة مع عروض الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، التي ستعرض بالفضاء السينمائي (روكسي)، ومنتديات مناقشة الأفلام ولقاء مخرجيها وفرق العمل، تنظم سلسة من الفقرات والأنشطة، احتفاء بالفيلم المغربي ومبدعيه، ومن ابرز تلك الفقرات ندوة وطنية حول موضوع (الأندية والمهرجانات السينمائية:الأدوار والتقاطعات)، والتي يعقدها المرصد المغربي للصورة والوسائط، وذلك بقاعة صامويل بيكيت بالمعهد الفرنسي.
ويرتقب أن يشارك في هذه الندوة الكبيرة، عدد من الخبراء والمهنيين والنقاد والسينمائيين والأكاديميين، من بينهم رئيس المرصد عز الدين الوافي، ومحمد الطالب مستشار وزير الاتصال، والمديرة الفنية للمهرجان المغاربي للفيلم الروائي القصير بوجدة، والناقد إبراهيم اغلان، ومدير المهرجان السينمائي(سبو) للفيلم القصير بمدينة القنيطرة ضواحي الرابط المختار ايت عمر وغيرهم. وسيبحث هؤلاء الخبراء تيمة الإطارات والمهرجانات السينمائية، وقضايا عدة تهم، الثقافة السينمائية والتحولات التي عرفتها، فضلا عن دورها الكبير والمؤثر في تحديث الإبداع السينمائي، في علاقته بعدد من التجارب السينمائية المتوسطية والعربية والدولية.
يشار أن الدورة ال 15 من هذا المهرجان الذي نظم أول مرة عام 1982، منحت جائزتها الكبرى للفيلم الطويل (الصوت الخفي) لمخرجه كمال كمال، هذا الأخير فاز ايضا بجائزة أحسن موسيقى وصوت، أما جائزة أحسن مونطاج فعادت للفيلم (يما) لرشيد الوالي ومحمد الكغاط، فيما آلت جائزة أحسن صورة لكمال الدرقاوي عن فيلم (سرير الأسرار)، الذي فاز أيضا بجائزة أحسن سيناريو. ونال جائزة أول أحسن دور رجالي فعادت لحسن باديدة لتألقه في فيلم (هم الكلاب) لمخرجه هشام العسري، وجائزة أول أحسن دور نسائي منحت مناصفة بين مرجانة العلوي ونادين لبكي ولبنى أزبال في فيلم (روك القصبة)، في حين كانت جائزة العمل الأول لفيلم وداعا كارمن لمحمد بنعمراوي، وجائزة لجنة التحكيم لفيلم (أراي) لأحمد بايدو.