” عائلة بيلييه”.. بين الدموع والابتسامات والغناء

ندى الأزهري – باريس

في أسبوعه الأول جمع مليون متفرج، وفي الأسابيع التالية تربع في المركز الأول على لائحة الأفلام الأكثر مشاهدة في فرنسا إلى أن أزاحه الفيلم الأمريكي ” تيكن 3″ (Taken 3) في الأسبوع السادس. نسخه التي عُرضت في 915 صالة فرنسية جذبت أكثر من خمسة ملايين مشاهد حتى اليوم.
“عائلة بيلييه (الحَمَل)”(La famille Bélier)  للفرنسي ايريك لارتيغو. خلطة ” سحرية” من العواطف المحلاة بروح المرح والظرافة تهافت الفرنسيون عليها. كوميديا اجتماعية تمس القلوب وتبعث الضحكة حتى في مواقف يحزرها المشاهد، لكنه يحبها ويطالب بها شرط ألا تكون مبالغة.

الشابة ذات الثمانية عشر ربيعا حملت الفيلم على أكتافها فقد مثلت وغنت واستخدمت لغة الإشارة. “لوان ايمرا” جاءت من البرنامج التلفزيوني”The voice” و كانت وصلت إلى الدور نصف النهائي. بصوتها الذي تميزه بحة جميلة تلعب في هذا الفيلم دور الناطقة الوحيدة في أسرة من الصمّ البكمّ ما يجعلها مترجمة لا غنى عنها للعائلة.
الأسرة تسكن الريف وتعمل باستثمار الأرض الزراعية وتبيع منتوجاتها في السوق المحلي. والفتاة موزعة بين المدرسة والحقل والبيع ومرافقة والديها عند كل ضرورة تتطلب وجودها، كزيارتهما الطبيب مثلا. ضمن مشاغلها التي لاتتوقف يأتيها اقتراح يقلب كيانها، فأستاذ الموسيقى يسعى لاقناعها بكسب امتحان القبول في الغناء الذي تنظمه إذاعة فرنسا ما سيسبب ابتعادها عن أهلها والذهاب للعيش في باريس. فكيف ستقنعهم بل كيف ستقنع نفسها بالتخلِّي عن دورها الحيوي لدى أسرتها؟

الفيلم يتابع هذا الكفاح الشخصي للوصول إلى ” المجد” وقبله الاستقلالية، ويلعب السيناريو على هذا الموضوع المحبب لدى الناس بحيث يشعر المشاهد أن امتحان الشخصية هو امتحانه هو. هذا المشاهد الذي يحلو له دائما أن يرى بطله يتغلب على الصعاب ويصل إلى مبتغاه باستحقاق. وهو هنا يتابع البطلة في مشاغلها، يتشارك معها حين تأخذ دروس الغناء يوميا عند أستاذها، ويتحسر حين تقطعها بسبب مسؤولياتها، وعندما تتجه بغنائها ونظراتها في الفحص ليس نحو لجنة الاستماع بل نحو أبويها، اللذين لايسمعانها ولكنهما يتفاعلان معها بكل ذرة من أحاسيسهما، تترقرق الدموع في عينيه وقد تنهمر كذلك… المشهد النهائي هذا قلب الجمهور رأسا على عقب، بيد أنه كان كبقية المشاهد التي دأب فيها المخرج على الموازنة بين الضحك والبكاء والابتعاد عن المبالغة في العاطفة والتحكم في الانفعالات، هذا التفاعل مع الشخصيات جاء أيضا من أسلوب المخرج في التعامل معها بحميمية. وقد تماشى  المكان في ألفته وصفائه مع شخصياته، فاختير التصوير في الطبيعة الخضراء الزاهية.

كما لعب الطقس دوره في الحدث فالشمس ساطعة أغلب الاوقات ولكن الأمطار الغزيرة لا بد منها من حين لآخر. وقال المخرج أنه اختار الريف لتصوير السيناريو،  كدلالة على قسوة الحياة فيه وصعوبة المعاش اليومي ولدعم فكرة أن العائلة شجاعة لا تتراجع رغم إعاقتها عن تحديات اليومي.
جاء الأداء اللافت للشابة متفوقا على أداء الأم ( الممثلة الشهيرة كارين فيارد) الذي بدا مبالغا به فبدت أحيانا في لغة الإشارة التي تستخدمها وكأنها لا تسيطر على حركاتها التي انفلتت في كل الاتجاهات، هذا برغم تدرب الممثلين على الحديث بتلك اللغة وتواجد أستاذ لها في مواقع التصوير.

 

الفيلم الذي تتابع معه السينما الفرنسية نجاحاتها الجماهيرية بعد ” المنبوذون” عام 2013 الذي اقترب عدد التذاكر المباعة من عشرين مليون، و” ماذا فعلنا بحق الإله؟!” في العام الماضي الذي تجاوز عدد مشاهديه الاثني عشر مليون، يعيد السؤال مجددا في فرنسا عن أسباب نجاح ذلك النوع من الكوميديا الاجتماعية  وتفوقه على الأفلام الأمريكية في السوق الفرنسية. ولعل ما يفسر الإقبال على  فيلم رقيق كهذا هو مجيئه في سياق اجتماعي اقتصادي سياسي محبط للفرنسيين، فأدخل شيئا من البهجة في قلوبهم، وأثار مشاعر من التآلف والحنين نحو أجواء حميمية باتت أكثر فأكثر بعيدة من متناولهم.
قد لا يمكن إنكار المشاعر التي يثيرها الفيلم لدى المتلقي، ولا تعاطفه مع الشخصيات والأحداث واستمتاعه معظم الوقت، وليس كله، بسرد سلس وسيناريو حمل هفوات سرعان ما تنسى، وأغان “ميشيل ساردو” مغني المنوعات الفرنسي المعروف جدا… لكن الفيلم لا يعدو كونه صالحا لقضاء وقت لطيف دون أن يترك أثرا عميقا بعد مشاهدته. إنه من تلك الأفلام التي قد تستمتع بها حين مشاهدتها لكنك تنساها بمجرد خروجك من قاعة العرض. فهي لا تثير الأسئلة ولا تدفع للتأمل.

اتفق معظم النقاد الفرنسيين، مع الجمهور في إسباغ الإعجاب على الفيلم وإن بنسبة أقل، فنال من النقد الإيجابي ما حصده الفيلمان المذكوران أعلاه. ولكن في موجة الإعجاب هذه انطلقت بضعة أقلام لتصف الفيلم بأنه” تراكتور يندفع بخط مستقيم ويتابع سيره بإصرار وفعالية دون أن يعبأ باي نوع من الرهافة”، أو أخرى قاسية كقولها انتبه هذا ليس بفيلم بل ” بلدوزر” وهذه ليست بعائلة بل ” قطيع يجب الهرب منه”!


إعلان