انحسار الحدود

شريف عوض

“زانج زينج” التي تنتظر أوراق إقامتها في إيطاليا

 تشغل الهجرة القسرية أو الطوعية، إن كانت هي لأسباب اقتصادية أو سياسية أو استعمارية، ضمائر مبدعي الفيلم الوثائقي على اختلاف أساليبهم البصرية والسردية في تقديم العديد من الحقائق التي تحتاج إلى تغيير في عالمنا. فقد تعددت هذه المشاهد اللا إنسانية التي تتناقلها شرائط الأخبار العالمية حول القوارب التي تحمل مهاجرين غير شرعيين قادمين من أنحاء مختلفة في إفريقيا ومتجهِّين إلى أوروبا عبر سواحل البحر الأبيض المتوسط أو آخرين مثلهم من بورما يبحرون عبر المحيط الهندي لعلهم يستطيعون الولوج إلى تايلاند أو أي دولة في الجوار.

لكن السينما الوثائقية تفاجئنا بأنه في حالة وصول هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضي الأحلام ، فإنهم قد لا يلاقون القبول في المجتمع الجديد فلا يستطيعون الانصهار في  نسيجه … وهذا ما يكشف عنه فيلمين من الأفلام الوثائقية للمشاهدين .

المخرجة الصربية الكرواتية ” إيفا راديفويفيتش”

الفيلم الأول هو “انحسار الحدود” Evaporating Borders للمخرجة الصربية الكرواتية ” إيفا راديفويفيتش” التي ولدت في يوغوسلافيا السابقة وتعيش الآن في نيويورك لكنها ترتبط بجذورها الأوروبية وخاصة بجزيرة قبرص حيث قضت فيها جزءاً كبيراً وهي طفلة مع أهلها المهاجرين. تقوم المخرجة من خلال تصوير متميز وتعليق بصوتها الحالم بتحليل الحياة اليومية وبعض تجارب طالبي اللجوء إلى هذه الجزيرة المتوسطية.

 يبدأ الجزء الأول من الفيلم الذي يقدم لنا، مع سرد بصوت إيفا، المناظر الجميلة على الشواطيء وداخل شوارع  قبرص، وبساطة الحياة اليومية التي تبدأ بكبار السن وهم يفتحون نوافذهم لاستقبال أشعة الشمس أو فتح محلاتهم الصغيرة لكسب العيش. لكنه في أنحاء أخرى من الجزيرة الهادئة تقع العديد من الأحداث الناجمة عن المشاكل المنبثقة بين القبارصة وكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء والإقامة من الدول العربية مثل فلسطين والعراق.

تلتقي المخرجة مع بعض المهاجرين ثم في وقت لاحق مع المسؤولين الحكوميين الذين يرفضون طلباتهم للإقامة. والسبب: أن القبارصة قلقون من بعض العرب والمسلمين الذين قد يجلبون معهم أيديولوجيات متطرفة إلى مجتمعهم المسالم مما قد يهدد هويتهم الوطنية وعاداتهم التي  تعود جذورها إلى اليونان وتركيا. تستكمل المخرجة حواراتها مع بعض الطلاب الأفارقة الذين يستكملون دراستهم في مدارس ومعاهد قد لا تؤدي بهم إلى مستقبل مشرق وبعض السيدات المهاجرات من سيريلانكا واللاتي ينتظرن البتّ في أوراق الإقامة فيجبرن على المبيت المؤقت في معسكرات مخصصة لللاجئين. ومن جهة أخرى، نرى مظاهرات الجماعات اليمينية التي تندد بالسماح لمزيد من “الأغراب” بالاستيطان في قبرص التي اختفت فيها الأصوات التي كانت تدعو يوماً ما لتوحدها مع اليونان.
**

المخرجان الإيطاليان ميشيل سيتوني وجيويزي بوتشيري

“المستقبل، كل هذا حتى الآن كبير جدا” Future It’s Far Too Big  هو الفيلم الوثائقي الثاني عن الهجرة وهو من إخراج الإيطاليين ميشيل سيتوني وجيويزي بوتشيري اللذين يقدمان قصتين لشاب وشابة عاشا لسنوات في إيطاليا ولكنهما لم يحصلا على الإقامة النهائية داخلها بحسب القانون الإيطالي.  “الشاب هو “ريه” ، الذي ولد في إيطاليا لعائلة فلبينية، وهو يعيش الآن في روما مع والديه وشقيقته كما أن لديه صديقة إيطالية ويدرس بالجامعة حتى يصبح مخرجاً سينمائياً. أما الشابة فهي “زانج زينج” التي ولدت بالصين ثم انتقلت في سن العاشرة مع والديها إلى إيطاليا. ورغم تخرجها في الجامعة، لا تزال “زانج زينج” تبحث عن عمل ومستقبل ملموس في روما.

كما يتضح من متابعة المخرجين لمعاناة الشابين، نرى أن “ريه” و”زانج زينج” مجرد نموذجين ضمن مليون شخصاً ينتمون إلى الجيل الثاني من أصول تعود إلى الشرق الأقصى والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، الذين يحاولون الحصول على حياة وحقوق طبيعية كي يعيشون في إيطاليا بأوراق إقامة مؤقتة رغم كونهم من أبناء أو بنات مهاجرين شرعيين، حيث لا ينظر لأحوالهم بنفس الطريقة وفقاً لبعض القوانين الإيطالية الحالية.

 في الفيلم، اختار المخرجان الجمع بين التصوير الخاص بكاميرتهما المحمولة والمتحركة على دوام تتابع “ريه” و”زانج زينج” مع المزج  مع لقطات من كاميرا الهواتف المحمولة الخاصة بـ”ريه” و”زانج زينج” من أجل إعطاء الفيلم رؤية حية وحديثة تعكس مدى التحديات والمشاكل اليومية التي يواجهها الشاب والشابة من أجل السعي إلى اكتساب بقية حقوقهم الاجتماعية والسياسية داخل المجتمع الإيطالي أو خارجه. في نهاية الفيلم ، تقرر “زانج زينج” السفر لاكتشاف بلدها ومسقط رأسها الأصلي “الصين”، بينما يحاول “ريه” أن يواصل دراسته بعد أن انفصل عن صديقته الإيطالية.


إعلان