“ستيف جوبز”: ما الجديد في حياة الأسطورة؟!
رشا حسني

أنا مهتم بسير أبطال العصر الحديث الذين غيّروا عالمنا من وراء شاشات الكمبيوتر” هكذا كانت إجابة السيناريست الشهير آرون سوركين ” Aaron Sorkin” صاحب الأوسكار عن أفضل فيلم مقتبس “الشبكة الاجتماعية – The Social Network 2010” عن سؤاله عن سبب كتابته فيلم يتناول حياة “ستيف جوبز Steve Jobs 2015 – ” بعد فيلم تناول سيرة مارك زوكربرج مخترع موقع الفيسبوك. تتجلّى أهمية تلك المقولة أثناء مُشاهدة أحداث الفيلم المأخوذة عن كتاب يحمل نفس الاسم للمؤلف “والتر إزاكسون Walter Isaacson ” ومن إخراج ” داني بويل Danny Boyle ” الحائز على الأوسكار عن فيلمه “المليونير المُتشرد Slumdog Millionaire 2008 – ” ، فهي بمثابة المفتاح الذي يفتح لنا باباً لنُشاهد ونُفسر الفيلم من خلاله. الفيلم من بطولة الممثل الأيرلندي ” مايكل فاسبندر Michael Fassbinder”، “كيت وينسلت Kate Winslet”، “سيث روجن Seth Rogen”، “جيف دانيالز Jeff Daniels”، “مايكل ستيلبارج Michael Stuhlbarg” و “كاثرين واترستون Katherine Waterston “.
ستيف جوبز ليس مجرد شخص مشهور بل هو أيقونة عالمية، هو شخص غيّر شكل العالم بدون مبالغة، أحدث تطورّاً هائلاً على مستوى تكنولوجيا الكمبيوتر والتواصل، ملايين من ساكني الكرة الأرضية يحملون بصمة ستيف جوبز في أيديهم، يمارسون أغلب أنشطة حياتهم إلىومية من خلال أحد اختراعات جوبز، لذا فكان التصدِّي لصنع فيلم عن حياة ذلك الأسطورة ليس بالأمر السهل، خصوصاً وأنه يحمل بين طياته تحدياً واضحاً، فلابد للفيلم أن يأتي بجديد عما أتت به سوابق الأعمال عن جوبز سواء التسجيلية أو الروائية، جديداً يدفع المُشاهد الذي عاصر جوبز واستخدم ابتكاراته التكنولوجية ويعرف عنه الكثير لأن يُشاهد عملاً جديداً يحمل اسمه. بالطبع يعتبر وجود أسماء سوركين وبويل ومجموعة من الممثلين المحترفين المشهود لهم بالموهبة والتمكُّن، ضمانة لجودة العمل ولكنها ليست بالضمانة الكافية.
خاض سوركين التحدي وبالفعل قدّم جديداً ولكنه فقط على مستوي الشكل وليس المضمون. فقد اختار سوركين أن يسرد الفيلم كما لو كان مسرحية، فقسمّه بطريقة واضحة إلى ثلاثة فصول تدور في ثلاثة أزمنة مختلفة تتناول ثلاثة أحداث عملية هامة في حياة ستيف جوبز يتخللها مشاهد حوارية مُطولة. الفصل الأول تدور أحداثه عام 1984 في إلىوم الذي يعلن فيه جوبز عن الكمبيوتر الشخصي “آبل ماكنتوشApple Macintosh ” والفصل الثاني تدور أحداثه عام 1988 في إلىوم الذي يعلن فيه جوبز عن جهاز “نكست Next” الذي ابتكره كرد فعل بعد طرده من شركة آبل، أما الفصل الأخير فتدور أحداثه عام 1998 في إلىوم الذي يعلن فيه جوبز عن جهاز أحدث نقلة نوعية وتكنولوجية في عالم الكمبيوتر وهو “آبل آيماكApple IMac “.

تخيّر سوركين طريقة سرد غير تقليدية كونها الطريقة المناسبة لتناول بعض محطات وجوانب من حياة شخصية غير تقليدية، فالموضوع أو المضمون وطبيعة الشخصية هي التي ألقت بظلالها على الشكل. لم يرد سوركين لفيلمه أن يأتي تقليدياً فلم يتبع جوبز من طفولته ثم صباه وشبابه حتى وفاته، ولكنه على العكس تخير النقاط الهامة في حياة جوبز والتي يمكن من خلالها توضيح مراحل حياته ومعاناته وصراعاته الشخصية والعملية.
يخلو سيناريو فيلم ستيف جوبز من المكوّنات التقليدية للحبكة الدرامية فلا يحتوي الفيلم على صراع مُعلن يستوجب الحل وإن احتوى على العديد من الصراعات النفسية الداخلية لأبطال الفيلم بداية من جوبز نفسه مروراً بأصدقائه ومعاونيه.
يحمل جوبز بداخله هاجساً يتمثّل في رغبته في النجاح وإثبات ذاته والوصول للمكانة التي يحلُم بها مهما كلّفه ذلك، في حين تحمل جوانا هوفمان مساعدته والتي قامت بدورها كيت وينسلت صراعاً داخلياً يتمثل في حبها لجوبز كصديق ومدى تقديرها له ولمجهوده الذي يبذله للوصول لهدفه وذلك على المستوى العملي وبين عدم رضاها عن موقفه الجائر والظالم تجاه ابنته ليزا التي لا يريد أن يعترف بها كابنة له على المستوى الشخصي والإنساني، ذاك الصراع الذي ظلّت تحمله داخلها حتى كانت المواجهة في الفصل الثالث، مروراً بصديقيه آندي هارتسفيلد و ستيف وازيناك اللذان ظلّا يحتفظان هما أيضاً داخلهم بقناعتهم عن جوبز بأنه شخص أحمق وأناني ومغرور لتتم المواجهة في الفصل الثالث أيضاً.
تدور حوارات الفيلم كله تقريباً، الطويل منها والقصير، أثناء سير الشخصيات خلف جوبز بين أروقة طرقات، ممرات وكواليس الثلاثة أحداث الرئيسية بالفيلم وهو ما حاول من خلاله سوركين أن يخلق إيقاعاً يتماشى مع إيقاع حياة الشخص الذي اخترع أو طوّر الكمبيوتر، شخص يعرف قيمة الوقت ويقدره بالثانية.
لا شك أن حياة جوبز مليئة بالدراما والتي تكفي لصنع عشرات الأفلام، حياة صاخبة مشحونة بالمنحنيات المختلفة الاتجاهات صعوداً وهبوطاً. تنبع الدراما الحقيقية لفيلم ستيف جوبز من خلال المواجهات التي يحملها كل حدث رئيسي من الأحداث الثلاثة، فمع محدودية الشخصيات وقلة عددها وتكرار وجودها في كل حدث تأتي المواجهة بين بعض تلك الشخصيات وبين الشخصية الرئيسية، تلك المواجهات التي نستقي من خلالها المعلومات عن خلفية المواجهة، ففي أول مواجهة والتي تحدث في الفصل الأول بين جوبز وأم ابنته ليزا نعرف خلفية علاقته بها ونكرانه لنسب ابنته وعدم اعترافه بها ونضع أيدينا على أول خيط ينسج علاقة جوبز بليزا، تلك العلاقة الفاترة الجائرة الظالمة، ثم تليها المواجهة بينه وبين مساعده آندي هارتسفيلد المسؤول عن برمجه جهاز ماكنتوش والتي تضع لنا اللبنة الأولي في بناء علاقته بأصدقائه ومساعديه حينما هدده جوبز بأنه سوف يعلن عن أن الخطأ التقني مسؤولية هارتسفيلد وليس مسؤوليته هو.
تخلي سوركين عن المُخاطرة التي خاضها في الشبكة الاجتماعية من حيث إظهار الشخصية الرئيسية بما تحمله من جوانب سلبية تطغي في بعض الأحيان على جوانبها الايجابية ربما لما حظي به الفيلم وهو شخصياً من ردود أفعال غاضبة.

لم يُظهر سوركين جوبز ملاكاً بالطبع ولكنه خفف كثيراً من حدة الحقيقة فبينما أظهر مشكلته مع ابنته ليزا إلا أنه أصرّ على حضورها خلال أحداث الفيلم الثلاثة الرئيسية كي يؤكد على حضورها في حياة جوبز وكيفية تطور العلاقة بينهما فنراه في الفصل الأول بعد أن يثور وينفي نسبها له ينجذب لها قليلاً عندما تستخدم ماكنتوش للرسم، أما في الفصل الثاني حينما تدلّه مساعدته جوانا على مفتاح تعامله معها يظهر لها قليلاً من الودّ أيضاً ويُحذر أمها من عواقب معاملتها معاملة فظة وإجبارها أن تهتم بمدرستها ومستقبلها الدراسي إلى أن تنتهي علاقته بليزا بالمصالحة غير المشروطة في أخر مشاهد الفيلم في إيماءة واضحة للجانب الإنساني لدي جوبز.
بينما تحضُر بصمات سوركين وبقوة في فيلم ستيف جوبز، تغيب بصمات بويل عن الفيلم تقريباً، ففي حين اجتهد سوركين كي يكون الفيلم مختلفاً على مستوى البناء والسرد، لم يبذل بويل نفس الجهد، ربما هذا هو السبب الذي جعل ديفيد فينشر يرفض الفيلم مُتعذرّاً برفع أجره إلى عشرة ملايين دولار وإصراره على إعطائه كامل الصلاحيات وعدم تدخل شركة سوني أو يونيفرسال في العمل نهائياً، فقد أدرك فينشر أن البناء والسيناريو هما البطلان في هذا العمل وأنه لن يُسمح له بتحقيق بصمته، فيما اجتهد بويل في بعض المواضع منها تصوير معظم مشاهد الفيلم بالكاميرا المتحركة Steady Cam كي يتلاءم أسلوب التصوير مع طبيعة شخصية جوبز اللاهثة والعملية. قام بويل بتصوير الفصل الأول بشريط سينمائي 16 مم والفصل الثاني بشريط سينمائي 35 مم أما الفصل الثالث فقد قام بتصويره بتقنية الديجتال وذلك رغبة منه في محاكاة الفترة الزمنية للأحداث الفعلية بتقنياتها المُستخدمة آنذاك إلى جانب رغبته في توضيح مدى الإنجاز والتطور الذي قام بها جوبز.
من يريد أن يعرف الكثير أو أن يتعرّف على ستيف جوبز ذلك الأسطورة، لن يجد ضالته أثناء مشاهدته لهذا الفيلم ولكنه سيكون بالنسبة له بمثابة الخطوة الأولي التي تدفعه للقراءة عن جوبز ومشاهدة الأفلام الوثائقية أو حوارات جوبز نفسه، أما من يُشاهد الفيلم في حدود أنه فيلم سينمائي يتناول حياة شخصية مشهورة فمن الممكن أن يحقق له الفيلم شيء من الإمتاع خاصة على مستوى طريقة سرد الأحداث وعلى مستوى الأداء التمثيلي.