“السلام عليك يا مريم” .. سلامٌ على فلسطين !

إسلام السّقا

يُنافس فيلم “السلام عليك يا مريم” للمخرج الفلسطيني الشاب باسل خليل، من مواليد مدينة الناصرة لأب فلسطيني وأم بريطانية، على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان توزيع جوائز الأوسكار 2016 يوم 28 فبراير القادم. فاز باسل خليل بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه الذي شارك في فعاليات مهرجان سيرفينيانو السينمائي بإيطاليا، بينما نال الفيلم جائزة المهر القصير في مهرجان دبي 2016، بالإضافة لكونه قد ترشّح لجائزة مهرجان كان السينمائي للفيلم القصير. الفيلم الذي يقوم ببطولته كل من ماريا زريق، هدى الإمام، شادي سرور، روث فرحي ومايا كورين، يحمل معضلة كوميدية بالأساس.

يضطر اليهود الذين يلتزمون دينيا بعدم استخدام الأجهزة الالكترونية في يوم السبت للحصول على مساعدة من الراهبات اللاتي يلتزمن بقسمهن الديني بعدم الكلام. يتعامل الفيلم مع طرفين محددين، المستوطنين اليهود الثلاثة والراهبات المسيحيات الخمس، يضطر كل طرف منهم لكسر التزاماته الدينية من أجل التخلُّص بأسرع وقت ممكن من الطرف الآخر، وإنهاء الأزمة التي بدأت باصطدام سيارة عائلة المستوطنين بتمثال “مريم العذراء” الماثل أمام دير “راهبات الرحمة” المنعزل في منطقة غير مأهولة كما يبدو من الفيلم الذي يمتّد شريطه ليصل 14 دقيقة.

يعتبر فيلم “السلام عليك يا مريم” فيلمًا عن القوانين الصارمة للدين فيحمل تساؤلًا حول أهمية تلك القوانين الدينية في حياة المرء، وإلى أي مدى يجب علينا الالتزام بها، طارحًا هذه النقطة الجدلية للنقاش. عرض المخرج المستوطنين اليهود بوصفهم يهودًا فقط، لا كيهود مستوطنين يؤمنون بالاستيطان والاحتلال، بينما عرض الراهبات المسيحيات بوصفهن راهبات فحسب، فنقطة الخلاف والتعقيد قائمة بالأساس على خلاف حول التعاليم الدينية بين ديانتين، وهو أمر كان من الممكن أن يتم تصويره في أي بقعة في العالم لا علاقة لها بفلسطين.

فما الذي يميز هذا الفيلم فلسطينيا رغم عدم تطرّقه لمسألة الاحتلال لا من قريب ولا من بعيد. ربما يعود السبب لإدراك باسل خليل أن وجود الاحتلال كعنصر مؤثر في الفيلم كان من شأنه أن ينهي الفيلم قبل أن يبدأ. فالمستوطن في الفيلم يحاول الاتصال بأي طرف من الممكن أن يوفِّر المساعدة، يرفض أصدقاؤه تقديم الخدمة، بينما تتعثّر محاولاته الأخرى للحصول على مساعدة من قبل شركات نقل العربات، لكن ماذا لو اتصل المستوطن بجيش الاحتلال؟ فهم في نهاية المطاف في خطر محدق كما نفهم، وسيكون الجيش، بنظرة واقعية بحتة، على استعداد مباشر وفوري لنقلهم.

ترفض الراهبة المسئولة عن الدير أن يدخل المستوطن بسلاحه، فتقوم بسحبه منه وإفراغ رصاصاته وكأنها تعلم جيدًا ما تقوم بفعله وسط اعتراض والدة المستوطن على هذا الفعل، لكنه اعتراض لا يتخلّله خوف أو قلق. وعندما يطلب المستوطن الاتصال بشركة لنقل العربات تقوم الراهبة الصغيرة “ماري” بالاتصال بشركة عربية، فيرفض المستوطن الكلام ويطلب منها الاتصال بأخرى يهودية، فتنفذ الراهبة فورًا ما يطلبه وكأنها طرف آخر محايد، حيث يغيب الفلسطيني العربي من المشهد ومن خاطر المخرج تمامًا، فالأمر هنا محض ورطة بين ديانتين، ليس للأمر علاقة بالاحتلال أو الفلسطينيين.

يُبرِّر باسل خليل عدم عرضه لقضية الاحتلال في فيلمه بأنها قضية يعرفها الجميع “من الذي يريد مشاهدة فيلم عن موضوع يعرفه مسبقا؟” محاولًا بذلك الخروج عن “حالة تصدير العنف الحاصل” كقضية أساسية والبعد عن “الولولة” على حدّ تعبيره، فيما يخص الوضع الفلسطيني الخاص والبحث أكثر عن حالتنا كأفراد نحب الحياة والضحك.

برع “خليل” في إدارة طاقمه من الممثلين بشكل كبير، كما عزّز ذلك بجمالية الصورة والألوان مرفقًا كل ذلك بسرد سلس للأحداث احتملتها مدة الفيلم القصيرة بكل أريحية. ينتهي الفيلم باجتماع كل شخصياته في غرفة واحدة وهي الغرفة التي تحتوي سيارة قديمة تابعة للدير عاطلة عن العمل، لتقوم الراهبة ماري بمساعدة المستوطن بإعادة تشغيلها وإصلاحها من خلال موقف لم يخلُ من الكوميديا، وأداء بارع من المستوطنة العجوز المقعدة على كرسيها المتحرك.وكأن السينما الفلسطينية قدّمت ما يكفي مما يمكن أن نطلق عليه “بكائيّات” فيما سبق، قبل حتى أن نناقش فكرة التعبير عن مئات القصص التي يبدو من الأجدر تنفيذها ولا تحمل هذا الكم الادعائي من كوميديا الحياة اليومية في فلسطين المحتلة حتى وإن أراد تناولها بقالب كوميدي بحت، فلا يمكن أن يكون الفلسطيني مهمّشًا حتى في أفلامه إلى هذا الحد، فلو كان “السلام عليك يا مريم” ترنيمة للفرح والدعوة للاطمئنان، فلا يمكن إلا أن نقول “السلام عليك يا فلسطين” كترنيمة للحزن والتوجس حول مستقبل السينما فيها.

هذه السيارة التي قام الرب بإلهام مسؤولة الدير من أجل منحها للعائلة اليهودية بعد قيامها بالصلاة داخل الكنيسة. إلا أنه يبقى من غير المفهوم حالة الوداع الحميم التي نالها المستوطنون بعد موجة الأحداث المتتابعة والتي حملت في طياتها كرهاً متبادلًا بين الطرفين، فوقفت الراهبات مبتسمات تودِّعن العائلة اليهودية بحماسة كبيرة وهم يستقلّون سيارة الدير التي تحمل فوقها تمثالًا للسيدة مريم، بينما قرّرت الراهبات الذهاب لإكمال صلاتهن، وبقيت سيارة المستوطنين على حالتها الأولى مصطدمة في تمثال “مريم” أمام باب الدير.

يمتلك الفيلم فرصة للفوز، وإن فعلها فسيكون الأول عربياً من ناحية الترشيح والفوز عن فئة الفيلم القصير لجوائز الأوسكار. يعمل باسل الآن على كتابة سيناريو الفيلم الطويل الأول له في مسيرته الفنية، والذي أعلن أنه سيكون فيلمًا كوميديًا. فقط لنأمل أن يكون فيلمًا كوميديًا فلسطينيًا بالدرجة الأولى.


إعلان