نجم الجزائر.. فنان فمتشدد

ضاوية خليفة

يقوم فيلم رشيد بن حاج الجديد “نجم الجزائر” على مجموعة من الأحداث التي يحركها “موسى”، الشاب الفنان الذي لا يحلم سوى بتوفير حياة كريمة لعائلته والزواج من حبيبته سلمى تمثيل “صونيا كونيناف” التي تواصل تألقها فنيا، وإيجاد من يرعى موهبته الفنية، إلا أنه يجد نفسه مثقلا بمسؤوليات تكبره بكثير في عالم لا تحكمه الضوابط العقلانية وتسوده الفوضى الاجتماعية والانفلات الأمني.

موسى وسلمى بطلا فيلم "نجم الجزائر"

ف”موسى” أو كما يسميه صاحب رواية “نجم الجزائر” بمايكل جاكسون الجزائري ينتمي إلى عائلة جد متواضعة ماديا، ينام أفرادها بالتناوب، لا وجود لقنوات التواصل بينه وبين والده، يجد نفسه مرغما على التكفل بأكثر من عشرة أفراد، يتعرض لتمسكه بالغناء إلى التهديد من قبل الجماعات الإرهابية التي صنعت لنفسها خطا وهميا، أوهمت الناس به بل أجبرتهم على الالتزام به، وأخذت تمارس عليهم كل أشكال العنف والتعصب باسم الدين وهو بريء منها، فأمام المسؤولية التي وجد نفسه مجبر على تحملها دون أي مقدمات، كانت كاميرا “رشيد بن حاج” تتنقل وتنقل البيئة الداخلية والخارجية التي أسست ومهدت لمشروع “موسى” الإرهابي، وهي ميزة العمل حيث يعود المخرج في كل مرة ليقدم لنا سببا جديدا سيجعل فيما بعد بطله الفنان أمير جماعة مسلحة، ومع أن الإنسان ابن بيئته، لم تتضح طيلة 102 دقيقة وهي مدة العرض، الصورة أو جغرافيا المكان بشكل سليم ولم يتمكن المخرج من رسم خطورة الوضع بالحي الذي يقطنه موسى، لا سيما وأن بعض الأحياء الشعبية كانت مسرحا للأزمة بل عرفت بشدة التعصب أكثر من غيرها.

بالرغم من أن “موسى” الذي انتقل من الغناء بالأعراس إلى الحفلات والنوادي الليلية، لم يجد أي دعم لا مادي ولا معنوي لموهبته إلا من بعض الإعلاميين الذين آمنوا بخصوصية النوع الموسيقي الذي يؤديه بامتياز، كان دائم التفاؤل بحياة ومستقبل أفضل، غير أنه وكلما رأى بصيص أمل أتاه من يوقف تلك الأحلام ليعيده إلى نقطة الصفر، تهديدات يومية من هنا وهناك، مشاكل عائلية لا يقوى الشاب الضعيف كما قدمه المخرج “رشيد بن حاج” لا صاحب الرواية “عزيز شواق” على مواجهتها، فملامح شخصية “موسى” في الفيلم ليست نفسها في العمل الروائي، ولا تعكس حيوية الشباب الجزائري، فلم يحافظ بن حاج على كاريزما “موسى” مثلما تضمنه النص الأصلي المكتوب، مع العلم أن “عزيز شواق” شارك المخرج كتابة السيناريو.

يحسب لـ “رشيد بن حاج” أنه حاول تصوير التراكم الهائل للمشاكل الموجودة في المجتمع الجزائري من طلاق، انعدام الاتصال العائلي، التحايل باسم الدين، أزمة السكن، تعنت المسؤول الأجنبي في منح التأشيرة ومساومته للشباب، وتأخر سن الزواج في فيلم واحد، لكنه بدا مرتبكا وفاقدا للتركيز في سرد ما ذكر، كما أخفق في اختيار الممثل الرئيس والمحرك الأساسي للعمل الذي لم يكن مقنعا في أدائه وتمثيله، فلم يبذل “شريف أزرو” (موسى) أي جهد أو تعبير جسدي يجعل المشاهد يرى نفسه فيه أو يشعر بمعاناته كشاب قُتلت إنسانيته على يد الوحوش البشرية، بعدما أوصدت كل الأبواب في وجهه، وضاع حلمه على يد بعض المنتجين والمتعاملين الفنيين الانتهازيين، باستثناء اللقطة الأخيرة حينما اغتال شقيقه الإرهابي حبيبته سلمى، التي كانت تمثل أمله الوحيد المتبقي في وطنه الجريح، وكأن المخرج يبرر ويقول “عندما ذهب الحب ومعه الأمل تحول “موسى” من شاب بسيط وهادئ يبعث الحياة فيمن حوله ويرى في الموسيقى حياته الثانية إلى أمير جماعة متطرف انتقم من نفسه ومجتمعه، وأخذ يمارس العنف والنفوذ على من يعترض طريقه أو يتربص به”، فمهم جدا أن تقدم السينما للمشاهد الأسباب التي تدفع بالإنسان ليصبح مجرما، تماما كالمحيط والبيئة التي غيرت من تركيبة “نجم الجزائر”، الذي فضل التزام الصمت بعد اغتياله لشقيقه عن طريق الخطأ وإلقاء القبض عليه، ليصبح بعدها الفار من السجن من المطلوبين أمنيا، هذه التفاصيل لم تأت في سياق فني ومشهد تمثيلي بل سردها المخرج كتابيا في نهاية العمل.

مخرج الفيلم الجزائري "رشيد بن الحاج"

فيلم “رشيد بن حاج” يؤكد مرة أخرى أن مثقفي و فناني الجزائر لم يتعافوا ولم يتخلصوا بعد من عقدة العشرية السوداء التي لا يزال شبحها يلاحق الكثيرين، بعدما حولت الأخضر إلى يابس، وقضت على شغف الصحفي والسياسي، وأوقفت طموح المثقف والفنان، وحولت حياة المواطن البسيط إلى جحيم، وأدخلت البلاد والعباد في دوامة، فأصبح الأخ عدو أخيه، والابن يغتال أمه وأبيه، وحتى تكتمل الصورة لما حدث في عشرية الجزائر السوداء يطمح بن حاج لتوقيع ثلاثية بعد “عطور الجزائر” و “نجم الجزائر”، مع الحفاظ على نفس التيمة والموضوع ولكن هذه المرة سيخصص عمله الثالث للأثر والتأثير الذي لحق بالطفل والناشئ جراء تلك الأحداث، في حين لم يكشف رشيد بن حاج مخرج “الخبز الحافي” – المأخوذ عن رواية المغربي “محمد شكري” – الذي اعتاد التعامل مع النصوص الأدبية والاقتباس منها إن كان سيتجه في فيلمه الجديد إلى الاقتباس أيضا.

بعدما اشتغل في “عطور الجزائر” مع مدير التصوير الإيراني “فيتوريو ستورارو”، فضّل “رشيد بن حاج” التعامل في فيلمه الجديد مع الكفاءات الجزائرية، كما أن قلة الميزانية الشحيحة -على حد تعبيره- كانت وراء هذا القرار، وعلى صعيد آخر يعد من السينمائيين القلائل الحريصين دائما على تصوير أعمالهم بالأماكن التي لها بُعد تاريخ وتراثي، ففي “نجم الجزائر” أعطى أهمية كبيرة للتراث الفني الأصيل، كما وفق في اختياره للموسيقى المرافقة للعمل من أول لقطة إلى النهاية، وعكس الكثير من المخرجين الذين يجدون حرجا في التعامل مع بعض الملاحظات أقنع تواضع المخرج الكثير في رده على وجود بعض السقطات أو الهفوات كظهور لافتات وأوراق نقدية لم تكن متداولة في تلك الفترة، وهنا اعتذر وقال إنها لم تظهر جيدا أثناء التصوير، مرجعا السبب أيضا إلى قلة التركيز، أشياء من هذا القبيل قد تحدث مع أي مخرج ولكن تختلف فقط طريقة الرد على تلك الملاحظات التي يحسن المشاهد التقاطها، و يبقى الرد الدبلوماسي والذكي الأقرب للجميع.


إعلان