هاري بوتر وبيضة الذهب

مروة صبري

قصص النجاح لا تتكرر بحذافيرها. الأعمال الناجحة كثيرة ولا تحصى لكن لكل منها قصة مختلفة، حتى لو حاولت تكرار تفاصيلها، تأتي النتائج مغايرة وهذا هو الدرس المستفاد من قصة وأفلام هاري بوتر التي من شدة نجاحها صارت مؤلفتها ج.ك. رولينج أول كاتبة تتحول إلى مليارديرة عن طريق الكتابة. لكن من العدل أن نقول أنّ رولينج تمتلك خيالًا رائعًا في الفانتازيا، أمّا في القصص الواقعيّة التي تنتهج قوانين عالمنا فلم تنجح بل لم تتميّز، فقد كتبت من هذا النوع كتابها Occasional Vacancies لكنّه لم يجذبني لشرائه بعد قراءة بعض الصفحات منه ولم يصل إلى قائمة الأكثر مبيعًا حتى مرور شهور عدة من صدوره.

ج.ك. رولينج مؤلفة سلسلة روايات "هاري بوتر"

 وفي محاولة لاستعادة النجاح وبإيحاء من شركة وورنر براذرز، منتجة أفلام هاري بوتر، عادت المؤلفة إلى الوراء، إلى ما قبل زمن هاري بوتر وكتبت كتابًا صغيرًا على لسان باحث في علم الحيوانات السحريّة -فرع افتراضيّ من علوم السحر- و يسمّى الباحث نيوت سكامندر، قام بدوره الممثل البريطاني إيدي ريدماين، فكان فيلم Fantastic Beasts and Where to Find Them الذي تحكي لنا فيه رولينج عن رحلة مؤلف الكتاب الافتراضي في البحث عن الوحوش السحريّة التي تعتبرها حكومة السحرة حيوانات خطرة لابد من التخلص منها حتى لا يتعرض عالمهم للكشف فتشعل بسببهم حربًا بين البشر والسحرة. اسم الكتاب وذِكر ألبس دامبلدور الساحر الشهير ناظر مدرسة هوجوورتس لتعلم فنون السحر هو الرابط الواضح بين هذا الفيلم وهاري بوتر، فيما عدا ذلك لا علاقة بينهما للمشاهد العادي، اكتشاف المزيد من الروابط يحتاج لبحث في التفاصيل البسيطة في الكتب. 

��إن كان متوقعا من صنّاع الفيلم تركيز دعايته على نجاح هاري بوتر إلا أنّه أضر بالفيلم، فالجمهور المستهدف للعملين مختلف. فجمهور هاري بوتر يتضمن النشء وقد وجد لذة في شخصيات الأبطال الصغار وعمليّة النموّ في شخصيتهم وبخاصة هاري نفسه الذي ينضج في آخر كل فيلم عن أوله ومن سنة إلى سنة، أمّا في Fantastic Beasts، فالبطل عالم وساحر متمكن من أدواته ويعرف ما يريد، ولم نر تطورًا في مهاراته إلا فيما يتعلق بالصداقة التي بدأت بينه وبين رجل ممن لا ينتمون للسحرة الذين يسمون بالـ muggle في بريطانيا وبالـ No Maj. اختصارًا لـ . (No Magical) فشخصية نيوت انطوائية واستيعابه للوحوش السحريّة أكبر من الذين ينتمون لجنسه ولكنّ كوّن صداقة برجل آخر كما بدت لديه بعض المشاعر تجاه بطلة الفيلم ولكنّه كان متحفظًا كما يتوقع من شخص مثله.

نسخة من كتابة "الوحوش المذهلة وأين تجدها" لمؤلفته ج.ك. رولينج

 Katherine Waterson التي جسدت شخصيّة Porpentina Goldestein، والتي ينادونها تينا للتخفيف، كانت تعمل بوزارة السحر ومهمتها تتطلب احتواء كل ما يفضح عالم السحرة أمام عالم غير السحرة. تينا شخصيّة جادة ومجتهدة وقليلة الكلام لذا لا تّقدر في عملها فيهضم حقها ويساء فهممها، وقد قالت الممثلة في مؤتمر عن الفيلم أنّها كذلك في الحياة، لا تمتلك موهبة تسويق مهاراتها.

حقائق عن الفيلم

الفيلم حصل في التقييم على PG 13 أيّ أنّ إشراف الأهل مطلوب لأقل من سن الثالثة عشر حيث يحتوي على بعض العنف نتيجة للصراع بين الوحوش السحريّة التي يجمعها نيوت من ناحية، وقوى الغموض Obscures والبشر من ناحية أخرى، الفيلم من إخراج ديفيد ييتس، وقد عرض الفيلم بدور السينما لأول مرة في الثامن عشر من نوفمبر الماضي. تكلف إنتاجه مائة وثمانين مليون دولار، وحقق أكثر من مائتين وسبعة ملايين دولار ومدته مائة واثنتان وثلاثون دقيقة أيّ حوالي ساعتين وربع الساعة.

ملصق الفيلم

مقارنة عاطفيّة بين الوحوش وبوتر

في سلسلة هاري بوتر، أعجبني الكتاب والفيلم الأول أكثر مما تلاهما. بمجرد الانتهاء من المشاهدة شعرت بالانبهار من كم الخيال والتأثيرات الضوئية والصوتيّة والخدع السينمائيّة، وتركني الفيلم بمشاعر طيبة عن أبطاله، أمّا في فيلم وحوش مدهشة وكيف تجدهم فقد غاب ذاك الجانب العاطفي مع طفل يتيم مقهور وعطش لإثبات وجوده وصار بطل الفيلم مؤلفا باحثا يؤمن أنّ تلك الوحوش يجب الحفاظ عليها لا التخلص منها، فكان يطاردها ويحبسها في حقيبته السحريّة حتى يطلقها في مكان بعيد عن البشر وعن السحرة على السواء. 

الكوميديا

هذا الفيلم يحتوي على كوميديا متوازنة ومحترمة، لا مبالغة ولا يعتريها الإسفاف، تظهر في علامات وجه بطل الفيلم الذي يتقن التحكم في قسمات وجهه فيعطي الإيحاء بالبله أو عدم الاكتراث في وقت الكوارث. هذا الهدوء والتظاهر بأنّ كل شيء على ما يرام مكنّه من احتواء المشاكل وحسن التعامل معها لكنّه أيضًا خلق مفارقات طريفة. أفضل شخصية كوميديّة على الإطلاق في هذا الفيلم هي شخصية لإحدى الوحوش الصغيرة المغرمة بكل ما يلمع، فبالتالي وجدت في البنك غايتها من حيث العملات والمجوهرات التي تخزنها في جيب في بطنها أشبه بذلك الذي عند الكانغارو، وكان الوحش الصغير يحاول بدهاء ساذج الهروب أو التخفي من سكامندر، وكان من الطبيعي أثناء مطاردته أن يقع البطل في مواقع ارتكاب السرقات هو وصديقه البشريّ ولكن ما أيسر السحر في الأفلام، هربوا به عند كل مأزق.

مشهد من الفيلم

هدم متكرر

من مواضع الضعف في الفيلم المبالغة في مشاهد هدم المباني والشوارع التي تركتني شاكة في أنّ بعض لقطاتها تم إعادة تدويره. الوحوش الهائجة في شوارع مدينة نيويورك التي تعبث تحت الأرض وفوقها بالإضافة إلى قوة خفيّة شريرة مدمّرة كان كفيلًا بالإثارة لكنّ التكرار وسرعة إصلاح ما هدم بالسحر وبسرعة مذهلة لم يقنعني بخطورة الموقف أو بدنو لحظة فارقة.

السيناريو والحوار

لأول مرة تكتب ج. ك. رولينج سيناريو وحوار قصة لها بنفسها، وعلى الرغم من أنّ الكثير من حوارات أفلامها مأخوذة من كتبها إلا أنّني من المؤمنين بالتخصص. فقد نجحت في بعض الأحيان وخاصة في شخصية بطل القصة المقل في الكلام وصديقه غير الساحر الذي أدى تبادل حقيبتيهما إلى صداقة مرحة وخطرة ومثيرة أضافت نكهة طيبة إلى الفيلم، إلا أنّ السيناريو والحوار فن أكبر من مجرد تأليف الكلام، فهو يحتاج إلى نظرة بعيدة ومستقلة إلى الكتاب وقد يقرر إعادة ترتيب الأحداث إن أعطى قصة أكثر صلابة. وبالتالي يتأنى في النظر إلى كل مشهد وإلى كل شخصية ولا يبقي إلا ما يصلح خلال المساحة الوقتيّة للفيلم ليوازن بين الجودة والتكاليف الماديّة، وهذا أمر دقيق لا يمتلك بموهبة الكتابة وحدها. ما قامت به رولينج جيّد لكن أفلام هاري بوتر كانت أنجح من حيث السيناريو والحوار أيَضًا لكنّه علامة على ازدياد ثقة الكاتبة بقدراتها واستعدادها على خوض مخاطرات ومن أدلة هذا التطور هو أنّها إحدى منتجي الفيلم.

مشهد من الفيلم

الإخراج

الفيلم من إخراج ديفيد ييتس الذي قام بإخراج هذا الفيلم بعد نجاحه في إخراج آخر ثلاثة أفلام في سلسلة هاري بوتر، والمتوقع أن يخرج الفيلم القادم في الوحوش المدهشة.

صدقة جارية؟

كتبت رولينج كتابًا وزع كصدقة وفي هذا الكتاب قدمت شخصية نيوت سكامندر وتكونت لديها فكرة عن شخصيته وعن الأحداث التي مر بها، ولمعرفتها بأنّ شركة وورنر براذرز للإنتاج السينمائي تريد أن تصنع فيلمًا آخر مرتبطًا بهاري بوتر، فقد تولدت لدى رولينج الفكرة وكان الاتفاق على هذا الفيلم الذي كان أول خمسة أفلام مستوحاة من الكتيب الصغير، وستجري أحداث كل واحد منهم في مدينة مختلفة. أحداث الفيلم كما قلت تحدث في عام 1926 -العام الذي ولد فيه فولدمورت- قبل عالم التسعينيات الذي نشأ فيه بوتر وتجري أحداث الأفلام الخمسة خلال تسعة عشر عامًا أي في عام 1945، ذلك هو العام الذي تخرج فيه فولدمورت من هوجوورتس ذلك الساحر الشرير الذي حاول قتل هاري بوتر وهو رضيع. سنرى في الأفلام القادمة ألبيس دامبلدور كشاب صغير وسيظهر نقاط ضعفه وهواياته، فلن تقدم رولينج شخصيته مثاليّة كما عودتنا. 

ما زالت قدرة ج. ك. رولينج على استخدام ثغرات في حكايتها الأصليّة لتخليق حكايات أخرى تبهرني، ولا أحد يجادل في قدرتها على الخيال لكنّ هذا الخيال يتوقف عند عالم هاري بوتر، وما أن خرجت خارجه حتى اختلفت معادلة النجاح معها، فإن كان هناك عنوان شامل يلخص قصص هاري بوتر مع رولينج فسيكون، برأيي، هاري بوتر وبيضة الذهب!.

 

 


إعلان