عن عواصف الحب والموسيقى..

أسماء الغول

هناك أفلام لا يمكن أن تقرأ قصتها باقتضاب ضمن إعلانات الترويج على مواقع المُشَاهدة الإلكترونية، لأنك تكون قد ظلمتها كثيراً.

فيلم  The Dust Storm أحد هذه الأفلام، فقد تقرأ عبارة تصفه مثل “حبيبين يلتقيان بعد فراق سبعة أعوام.. فهل يعودان سوية؟”، وهي عبارة تهشم الفيلم على الرغم من أنه يتحدث بالفعل عن علاقة كانت بين اثنين في مقتبل العشرينات من العمر، لكنهما يفترقان، ومن ثم يلتقيان بعد سبعة أعوام صدفة بمدينة ناشفيل الأمريكية حيث يكون هو في اجتماع عمل، وهي في إجازة بصحبة خطيبها الذي تتشاجر معه.

إلا أن كليشيه الحب هذا ما هو إلا إطار لحكاية أخرى؛ حكاية مدينة ناشفيل وما تفعله بالغرباء، وحاضرها الذي يضج بموسيقى الشوارع الحية، وحياة الليل التي لا تفعل سوى إلهام المبدعين والعُشاق.

بطلا الفيلم

ثلاثة أيام تمر منذ أن يلتقي الحبيبان القديمان صدفة بجوار أحد العازفين، وهذه الأيام تمثل التكوين الزماني لقصتهما التي قد تنتبه فجأة أنها قصيرة الأمد، فالمُشاهد منساق مع امتداد الزمن في مَشاهد التصوير والأحداث التي تأخذك لتجارب الشخصيات وذكرياتها المترامية في السرد والتي سرعان ما تنعكس في زمن المُشاهد، ليعيش معها الأزمات والخيبات التي تركها كل واحد للآخر.

لكن ليس بعد .. الفيلم ليس كله هنا.. إنه حكاية الموسيقى في ناشفيل؛ توثيق لحالة العازفين والعازفات عند كل محطة، وفي كل حديقة عامة، مقدماً مختلف أنواع الموسيقى كخلفيات للعاشقين، بيد أن التمعن يجعلك تدرك أنهما الخلفية لهذا التاريخ الموسيقي لناشفيل، في مقاطع مقصودة وطويلة تشتم منها رائحة السينما التوثيقية للمدينة وموسيقاها ” موسيقى الهونكي تونك، وموسيقى البوب، وأيضاً موسيقى ناشفيل وهي تجمع بين النوعين السابقين، وأخيراً موسيقى الروك آند رول”.

 ليس بالموسيقى فقط يحنّ البطلان إلى الماضي بل عبر المشروبات الكحولية، فهما يجلسان في كل مشرب وبار؛ ليبدآ يومهما بالشرب ثم يصلانه باليوم الآخر بالشرب أيضاً، ليس لأنهما ضائعان أو سكيرّان، فالفيلم لا يرتاح إلى هذا النمط من الشخصيات التي تعالج حزنها بالمشروب، بل لأنهما يجربان المدينة وحالاتها كما موسيقاها تماماً.. راغبين بأن يستسلما للبوح واكتشاف: أين بالضبط ضاع الحب وضاعت الذات؟!.

مشهد من الفيلم

الفيلم الذي أنتج عام 2015 تلقائي ما عدا مشاهده الأولى، ولا يبدو أن أحدا يكترث ليكون محبوكاً، ومع ذلك الريتم والكاميرا والشخصيات، جميعها تسير وفق رؤية فريدة أتقنها المخرجان:

 Anthony Baldino, Ryan Lacen ليكسرا بجدارة نمط الأفلام الرومانسية التي تقدمها هوليوود، والتي تحقق أرباحا بمئات ملايين الدولارات عبر تقديم قصص معلبة مع أبطال مثاليين، وغالبا تصنف بـ “الكوميدي الرومانسي”، فهذه الـ 96 دقيقة من الفيلم تعلن استقلاليتها في كل ثانية عن جوقة شركات الإنتاج الكبيرة.

وهذه الاستقلالية لا تتحقق على المستوى الفني، فمن الصعب وصف الفيلم بالارتجالي، إلا أن روح الدوغما تسود بشكل كبير ثلاثة أرباع الفيلم، وليست المَشاهد الأولى التي جاءت ركيكة مقارنة بروح الفيلم الذي فيه كثير من عنوانه “غبار العاصفة”؛ فكل منهما يحاول أن يرى في هذا الغبش الذي يصنعه غبار عاصفة الحب والغضب كي يقشع ذنوبه ورغباته، وما يريده من الآخر، لكن أيضا الأهم ماذا يريد من نفسه، فالشاب بيرنان ويؤدي دوره الممثل الأيرلندي  HYPERLINK “https://en.wikipedia.org/wiki/Colin_O%27Donoghue” o “Colin O’Donoghue” Colin O’Donoghue تخلى عن الغناء منذ زمن طويل، ونورا وتؤدي دورها الممثلة الكندية Kristen Gutoskie تخلت أيضاً عن عزف البيانو حين أخذتهما الحياة إلى مآلات عادية أخرى.

 إلا أن فوضى ناشفيل الجميلة المُلهمة تبدلهما، فيعود هو لمرة أو مرتين إلى كتابة الأغاني خلال لقائهما القصير!، كما تعزف هي من أجله أغنية وحيدة اختصرت موهبتها بصوت فريد يترك أثره مباشرة على المتلقي الذي قد يسأل نفسه هو الآخر؛ عما تخلى عنه أثناء سير الحياة؟!.. ليس فقط في الحب بل في ذاته أيضاً.. شيئاً ما قد يكون سقط منه سهواً أو عمداً..

ملصق الفيلم

إنه فيلم يفلسف الحب دون حوارات الفلسفة بل عبر الصورة ومشهدية نعي الذات والآخر، فالحب مستمر مهما غاب الطرفان أو غيّبتهما الحياة، وباقٍ بينهما.. فليس اللقاء الهدف…. إنه بالضبط مثل غبار العاصفة موجود هناك دائماً، لكنك لن تراه إلا إذا صفع وجهك.

كما يرجح الفيلم كفة تحرر الذات تجاه خياراتها الإبداعية التي غالباً ما تكون غير آمنة وفيها كثير من المغامرة مقابل الوظيفة والأدوار التقليدية، فيترك بيرنان عمله، ويتمسك بالموسيقى ويقرر البقاء بهذه المدينة الحيوية، كما يتمسك بحبيبته نورا لكنها تكون وصلت إلى أقصى حد النضج، فتتعامل مع الحب دون نتيجته طالما أن السعادة تخلقها اللحظة والموسيقى..

 

 


إعلان