“العاصفة السوداء” أفضل فيلم بمهرجان دبي السينمائي؟!
د. أمــل الجمل
صحيح أن الفيلم الكردي “العاصفة السوداء” – the dark wind – والمنتج بأموال عراقية ألمانية قطرية ينطوي على تيمة ليست فقط مهمة ولكنها أيضاً خطيرة، وهي محاولة تجسيد العنف الذي يستخدمه التنظيم الإرهابي الأسود “داعش” – وهو اختصار لجُملة “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – ضد الشعب العراقي والسوري وعلى الأخص اختطاف الفتيات والنساء واغتصابهن، أو إعادة بيعهن لتكديس ثروة كبيرة من ورائهن، وصحيح أيضاً أن هذا الشريط الذي حصد جائزة أفضل فيلم بمهرجان دبي السينمائي الدولي الثالث عشر به الكثير من مناطق التميز فيما يتعلق بفضح الأثر النفسي المدمر على تلك الفتيات وعلى مستقبلهن وعلى حياة أسرهن إذ “اختطفوا رجالهم ودمروا بيوتهم، ولطخوا شرفهم، فهل هناك شيء أسوأ من ذلك” كما جاء على لسان أحد الشخصيات بالفيلم؟! والذي يضيف أيضاً بأن “تلك العاصفة السوداء التي ضربتهم لم تكن الأولى، فقد سبقتها 73 مذبحة آخرى”. كما يذكر صُناع الفيلم أن حوالي نصف مليون إيزيدية أصبحن لاجئات في الأجزاء الأمنية من جراء العار ومن عذاب الحياة في ظل تنظيم داعش في المنطقة الخاضعة للحكومة الكردية بالعراق، وأن بعضهن انتحرن أو حاولن الانتحار، والبعض الآخر حاولن الهروب الى أوروبا.

إنه عمل سينمائي به الكثير من مناطق التميز فيما يتعلق بفن الأداء خصوصا البطل الذي لعب دور الشاب البالغ من العمر 33 سنة ويُدعي ريكو في كثير من مشاهده التي يُجسد فيها دور الحبيب العاشق المخلص لحبيبته والمصاب بالفزع عليها والمنقب عنها طويلا مخاطراً بحياته التي لا تساوي شيئاً في غيابها، كذلك جاء أداء البطلة وإن ليس بنفس الدرجة – أساساً – بسبب ضعف السيناريو في بعض المناطق وعدم قدرته على وصف وكتابة مشاعر وخلق أجواء وصراعات نفسية تختبر قدرات الممثلة التي لعبت دور بيرو الحبيبة الإيزيدية البهية بجمالها الآخاذ والبالغة من العمر 23 عاماً. يُضاف إلى ما سبق جماليات مناطق التصوير والإضاءة والإكسسوار بلقطاتها التي منحتها صدقية عالية، سواء في البيوت أو الخيام أو المناطق الجبلية والصحراوية، أو في تلك المناطق التي تخص الجيش أو التنظيم نفسه، إضافة إلى غمس بعض اللقطات بنكهة سياسية تكشف وعي بعض الشخصيات بأن الأمريكان متواجدين بالعراق لأجل البترول وفقط، وأن “تلك الحدود بين العراق وسوريا هي محاولة لتمزيق الشعب لكن ورغم ذلك فالإنسان الكردي بالعراق لا يختلف عن الكردي في سوريا” على حد وصف السائق الذي أقل ريكو أثناء بحثه عن خطيبته.
عن الجائزة
رغم ما سبق ففي تقديري أن “العاصفة السوداء”، للمخرج والمؤلف والممثل الكردي المعروف حسين حسن، لم يكن الأفضل بين ثمانية عشر فيلما تنافست على المهر الذهبي الطويل – من بين إجمالي 156 فيلما من 55 دولة توزعت بين المهر “الإماراتي” و”الخليجي” و”العربي” – بمهرجان دبي السينمائي في دورته الثالثة عشر والممتدة من 7-14 ديسمبر الجاري، منها على سبيل المثال من مشاهداتي في ذلك القسم والتي كنت أرشحها لذات الجائزة؛ المصري “أخضر يابس”، والتونسي “نحبك هادي”، واللبناني السوري “ذاكرة باللون الخاكي” واللبناني “نار من نار”.

من المفترض أن جائزة أفضل فيلم تُمنح للشريط السينمائي الذي تتكامل جميع عناصره الفنية جراء تميزه الواضح في السيناريو والإخراج والتصوير والأداء التمثيلي والموسيقى والمونتاج والمكساج، وإذا كان فيلم “العاصفة السوداء” قد تميز في أغلب هذه العناصر، لكن في تقديري تشوبه عيوب خطيرة أفقدته كثير من قيمته وتتمثل تلك العيوب أساسا في السيناريو وفي بعض مناطق الأداء، فكاتبا السيناريو – ميهمت أكتاس وحسين حسن – لم يتمكنا من سبر أغوار تلك المأساة الخاصة بالفتيات وأسرهن، ولم ينجحا في استغلال شخصيات الأهل – ونخص منها شخصيات الأم والأب والأخويين الذكور وكذلك شخصية بيرو – أو تطويرها وهو ما يُفسر وجود عدد من المشاهد واللقطات التي يمكن وصف الزمن فيها بأنه “زمن ميت” على المستوى النفسي والدرامي، وكان من الضروري محاولة معالجته بغرس تفاصيل قادرة على خلق المشاعر الإنسانية والحالة النفسية للبطلة وذويها مثلما ينطبق الأمر بشكل مضاعف مع شخصيات والدي حبيبها.
ميتافور
تعبير “العاصفة السوداء” الذي قرر صُناع الفيلم أن يكون عنواناً لعملهم هو ميتافور يُقصد به تنظيم داعش عندما هجموا كالفيضان الأسود الذي يختلع الأخضر واليابس وينشرون الخراب أينما حلّو، خصوصا بعد أن بدأ الفيلم بنهاية سعيدة إذ كان ريكو وبيرو وسط أسرهما يحتفلان بإعلان خطبتهما، ويستعدان للزفاف بعد شهرين، لكن بعد قليل من بدء الأحداث يتم اختطف بيرو وغيرها من الفتيات على أيدي رجال تنظيم داعش، ويتم بيعهن كسبايا، والمفاجأة التي يفجرها الفيلم لمشاهديه أن اختطاف الفتيات لا يقتصر على الاغتصاب ولكنه تحول إلى تجارة مربحة شارك فيها رجال عراقيون من خارج داعش، حيث لا يقتصر الأمر على بيع الفتيات للأمراء بذلك التنظيم الإرهابي الأسود، ولكن أيضاً بعض التجار يقومون بشراء الفتيات وإعادة بيعهن بأثمان باهظة لذويهم.
بعد انقضاض تلك الريح السوداء على أهالي كردستان العراق وهروبهم من بيوتهم الآمنة، ولجؤهم إلى المخيمات في الصحراء يبدأ ريكو رحلة البحث عن حبيبته بيرو، ورغم إدراكه من حالتها النفسية المزرية وأنها تعرضت للاغتصاب والاعتداء الوحشي والتعذيب لكنه يُصر على الوقوف إلى جانبها وعلى مواصلة الحياة معها والتعجيل بالزفاف رغم غضب والده منه الذي أخذ يعنفه ويتمنى له الموت، لكن الصراع يأخذ شكلاً آخر عندما يُكتشف أن الفتاة حامل. هنا تحاول الأم إنقاذ حياة ابنتها بمساعدة “الداية” في مشهد غير متقن ولم تُكتب تفاصيله بشكل يُضفي عليه مصداقية، وذلك رغم جاء أداء الأخ تلقائي بعيونه المعبرة عن صدمته وخوفه على أخته واختلاج مشاعره وتناقضها بين الإحساس بالخزي وبين قرار داخلي صامت بالتواطؤ مع الأم لإنقاذ حياة الأخت واخفاء الأمر عن الأب، يُضاف إليها تلك المشاهد التي تكشف قسوة الناس ونظرتهم التقليدية التي تكشف كيف يُنَّصبون من أنفسهم حكاما على الضحايا من دون أن يصبوا جام غضبهم على الغاصب المعتدي.
ورغم أن مناطق الصراع النفسي القوي بعد ذلك تتجسد في موقف ريكو وفي قرار وسلوك والدة بيرو، وإن كان الفيلم ينتهي نهاية مٌريحة للمشاهد وتبدو مرضيه ولكن تلك النهاية أخذت من قوة تلك المأساة. كذلك ينطبق الأمر على الفيلم منذ بدايته وحتى الدقيقة الأربعين تقريبا إذ بعدها يبدأ الإيقاع في الترهل خصوصاً مع الصمت الطويل والتكرار وعدم القدرة على التعبير لغياب مشاعر حقيقة مكتوبة تعبر عن أعماق بيرو ومأزقها، مثلما تأخر كثيرا تجسيد مشاهد الخوف الهستيري الذي أصاب البطلة وأصبح أحد ملامحه الأكل في الحمام والفزع عند سماع الآذان الذي أصبح يرتبط بالتنظيم الإرهابي.

غضب كردي
المثير للدهشة أنه عقب العرض الأول للفيلم في مهرجان داهوك بالعراق ثارت نوبة من الغضب هناك بلغت حد مطالبة الكثيرين بوقف عرض الفيلم ومنعه من العرض داخل وخارج العراق، وحرمانه من المشاركة بأي مهرجانات دولية، لأنه في نظرهم واعتقادهم يُسيء للمجتمع الكردي والفتيات الإيزيديات وإلى أُسرهن، والحقيقة أنه بعد مشاهدتي للفيلم ورغم بعض الهنات التي أصابته فقد رأيت أنه نجح – حتى ولو بشكل ميلودرامي – في تجسيد هذه المأساة وبعض من مخلفات هذا الوباء الذي يُطلق عليه اسم “داعش”، ولم أجد بالفيلم أي إساءة، لذلك سألت أحد الأصدقاء من مثقفي العراق؛ هل يوجد أي شيء بالملابس يحمل دلالة ما تُسيء لبعض شرائح المجتمع العراقي فكان رده بأن أحد الشخصيات – أثناء مشهد بيع الفتيات – كان يرتدي غطاء للرأس أحمر وهو زي يرتديه الشيعة أما رجال تنظيم داعش ومعاونيهم فيرتدون الغطاء الأسود للرأس.