الكرة في الملعب.. وأمام الكاميرا

ياسر ثابت

في رمضان عام 2017، تابع كثيرون في مصر المسلسل الإذاعي “كابتن فورشيحة”، الذي أنتجه راديو إينرجي وكتبه محمد صلاح العزب، وأخرجه تامر حسني، وقامت ببطولته زينة ومحمود الليثي وعائشة الكيلاني وشذى وهشام إسماعيل. “زينة” في المسلسل هي فتاة مصرية عاشقة لرياضة كرة القدم، تضطر للتنكر في ثياب الرجال حتى تستطيع ممارسة الكرة محليـًا ودوليـًا. وتواجه بطلة المسلسل، أو “الكابتن رضا فورشيحة” أحداثـًا كثيرة في قالب كوميدي. ولا أحد يدري ما هي العلاقة بين رياضة كرة القدم والكوميديا؛ إذ إن أي عمل درامي عربي عن كرة القدم لا بدَّ أن يكون كوميديـًا، كأنه ليس لائقـًا أو ممكنـًا أن يشاهد الناس أو يسمعوا شيئـًا يخص كرة القدم إلا وهم فقط يضحكون. إن معظم أعمالنا الدرامية الكروية كوميدية، كأن كرة القدم لا تحتمل ولا تقبل أي رؤية جادة ومختلفة، أو أنها لعبة كل حكاياتها وقضاياها مجرد نكات وضحكات ومشاهد ساخرة. 
صحيح أن أول فيلم سينمائي مصري وعربي يتعلق بكرة القدم، هو فيلم “الرياضي” الذي كتبه وأخرجه توجو مزراحي وقام ببطولته شالوم والسيد حودة وبهيجة المهدي وستلا دوزجللو عام ١٩٣٧، ويتحدث عن شاب يهودي مصري يحلم باللعب في الاتحاد السكندري. والفيلم المذكور وثيقة سينمائية تاريخية مهمة عن نادي الاتحاد ونجومه، وكيف كان شكل المقر القديم للنادي الكبير. تضمن الفيلم لقطات حقيقية لمباريات نادي الاتحاد في ذلك الوقت وبعض لقطات للنجوم الكبار وقتها في هذا النادي العريق.

 

 

إلا أن ذلك لا يعني أن تكون كل أعمالنا الدرامية الكروية كوميدية ضاحكة. وحتى عام 2017، لا تملك ذاكرة السينما العربية إلا ثلاثة أفلام كروية فقط ليست كوميدية، أولها فيلم “حديث المدينة” (إخراج إبراهيم عمارة، 1964) عن قصة حياة نجم الزمالك عصام بهيج، الذي ظهر بشخصيته الحقيقية كلاعب كرة يقع يتعرف على فتاة لعوب (شويكار)، حتى يتدهور مستواه الرياضي ما يؤثر على مستقبله، فيتعاون زملاؤه في الفريق وأصدقاؤه، حتى يترك الفتاة ويعود كما كان. الطريف في هذا العمل، هو ظهور عدد كبير من نجوم كرة الستينيات فيه، ومنهم لاعب الزمالك السابق علي محسن الذي تقاسم البطولة مع بهيج، وظهر هو الآخر بشخصيته الحقيقية، إضافة إلى ظهور الشيخ طه إسماعيل نجم النادي الأهلي، فيما ظهر المعلق الرياضي الأشهر في مصر محمد لطيف، وكلهم ظهروا أيضـًا بشخصياتهم الحقيقية.
ثاني الأفلام الكروية الجادة هو فيلم “الحرّيف” للمخرج محمد خان وبطولة عادل إمام، وفيه قدّم عادل إمام دور لاعب كرة قدم “حواري”، بحرفيّة عالية، وبأداء عميق، زاخر، لا تمسّه السطحيّة ولا تُجاوِره!

أما الفيلم الثالث فهو «العالمي» (إخراج أحمد مدحت، 2009) الذي كتب قصته ياسين كامل، وقام ببطولته يوسف الشريف، وأروى جودة، وصلاح عبد الله ودلال عبد العزيز، ومحمد لطفي.
 تدور أحداث «العالمي» حول لاعب كرة قدم يدعى مالك وشهرته «لوكا» يهوى لعب كرة القدم، لكنه يواجه اعتراضات من والده الذي يحاول إقناعه بالعمل معه في المطبعة التي يمتلكها، وبعد حدوث تغييرات كثيرة على حياة مالك يقرر احتراف كرة القدم وينتقل للعب في صفوف «النادي الأهلي» الذي يصبح بوابة دخوله لمنتخب مصر، والاحتراف الخارجي إلى نادي فالنسيا، لكن تنقلب الأمور رأسـًا على عقب بعد ذلك، حيث يحقق مالك، حلم جميع المصريين بالوصول إلى كأس العالم، كما يتناول الفيلم معاناة لاعبي كرة القدم، وكيف تتعامل الأسر الفقيرة مع أبنائهم الشغوفين بممارسة اللعبة.

 

 

أما باقي أفلامنا ومسلسلاتنا الكروية فهي كلها كوميدية. هناك مثلًا فيلم «الزمهلوية» (إخراج أشرف فايق، 2008)، وتدور أحداثه حول عائلتين تقيمان بمنطقة واحدة، كل عائلة منهما متعصبة لفريق من الفرق الكبرى، الأولى للنادي الأهلي والثانية لنادي الزمالك، مما يخلق عداء مستحكمـًا بينهما. يلعب الشاب ابن العائلة الثانية لصالح الزمالك ويتولى الدفاع عن النادي، فيصطدم بابنة العائلة الأهلاوية، إلَّا أنهما يقعان في الحب فيحاول الشاب الزملكاوي التقرب من حبيبته رغم تعصبه، إلَّا أنه يُقابَل بالكراهية من عائلة حبيبته، ويشترك في اللعب في إحدى المباريات، ويحتدم الصراع، إلَّا أن الحب يتغلب على التعصب الكروي.
الفيلم يتناول قضية التعصب في الشارع الرياضي المصري بشكل ساخر، وهو قصة عصام حلمي، وبطولة عزت أبو عوف، وصلاح عبد الله، وأحمد عزمي، وبشرى، وانتصار، وهالة فاخر، وإنتاج يحيى شنب. شارك في الفيلم عددٌ من نجوم الأهلي والزمالك.
أما فيلم “غريب في بيتي” فإن قصته مأخوذة من فيلم “فتاة الوداع” الأميركي عام 1977، حول “شحاتة أبو كف”، الذي يهوى كرة القدم ويحترفها في نادي الزمالك وهو من سكان الصعيد ويأتي إلى القاهرة لأول مرة، ويواجه مشكلة الشقة التى يحلها النادي له باستئجار شقة مفروشة، ولكن صاحب الشقة يدبر عملية نصب مُحْكَمَة ببيع الشقة له ولسيدة أخرى في توقيت متزامن/ ويضطر الطرفان في النهاية للعيش في بيت واحد، وتتوالى الأحداث. الفيلم من إخراج سمير سيف، وتأليف وحيد حامد، وبطولة سعاد حسني ونور الشريف وحسن مصطفى ونبيلة السيد وهياتم ووحيد سيف وجورج سيدهم ومحمد لطيف وميمي الشربيني، وهو من إنتاج عام 1982.

 

 

أما فيلم «4-2-4» فهو من بطولة يونس شلبي وسمير غانم ووحيد سيف وأمين الهنيدي ولبلبة. وتم إنتاج الفيلم سنة 1981 من إخراج أحمد فؤاد. تدور الأحداث حول الشاب “منصور” (يونس شلبي)، الذي تخلى والده الذي يمتلك مصنعـًا وفريقـًا لكرة القدم، عن أمه وعنه، عندما كان طفلًا من أجل حُبِّ كرة القدم وتركه في القرية. قبل وفاته، يستأمن والد «منصور» ابنه على فريق كرة القدم الذي امتلكه ويترك مسؤولية رعايته له، لكن منصور لعدم خبرته في الرياضة، يأتي إلى المدينة ويبيع الفريق بثمن زهيد لسمسار كرة القدم، ليثير حالة غضب لدى مشجعيه على شكل مظاهرات عارمة. يضطر منصور إلى طلب العون من أحد المقربين له ويكوِّن فريقـًا من هواة الكرة من أهل الحي لينافس على الدوري المصري، من تلك اللحظة تبدأ مغامرات الفريق الجديد ومشكلاته.

 

 

يُظهر الفيلم حُبَّ الشعب المصري الزائد لكرة القدم، ويرصد جشع اللاعبين بعد النجومية وهدايا المشجعين المبالغ فيها، ويقارن أيضـًا بين حياة الريف وحياة المدينة، باستعراض حياة “حسنية”، زوجة منصور، التي تقوم بدورها الممثلة لبلبة.
أما فيلم “رجل فقد عقله” فهو من بطولة فريد شوقي وعادل إمام وسهير رمزي وكريمة مختار، وقصة وسيناريو وحوار علي الزرقاني وإخراج محمد عبد العزيز، وتدور أحداث الفيلم حول شخصية “أحمد”، أحد رجال الأعمال الكبار وله علاقات نسائية كثيرة ويبرر لأولاده السبب في هذه العلاقات النسائية بأن زوجته “فهيمة” (كريمة مختار) لم تعد صغيرة وتهمل نفسها ولا تحاول أن تتزين له وتهتم بمنزلها أكثر من اللازم.  
يتعرف الأب أحمد (فريد شوقي) على الراقصة “سوزي” (سهير رمزي) فيغدق عليها من أمواله ويعدها بالزواج فيعلم ابنه “زكي” (عادل إمام) وهو لاعب كرة مشهور باسم “زيكو” بالأمر، فيضحي بنفسه ويتزوجها حرصـًا على استقرار المنزل ويتخلى عن خطيبته “كاميليا” وعندما تكتشف “سوزي” خطة “زكي” وزواجه منها حتى يُبعد الأب “أحمد” عن طريقها، تحاول حبسه في منزلها حتى لا يشارك في المباريات، وتتوالى الأحداث في إطار كوميدي.
في “سيد العاطفي” من إنتاج عام 2005، بطولة تامر حسني وعبلة كامل، نتابع حكاية “أم سيد”، المرأة البسيطة التي تعمل سائقة تاكسي وسيارة نصف نقل لتواجه أعباء الحياة وفي الوقت نفسه تعشق النادي الأهلي بجنون وترعى ابنها “سيد” (تامر حسني) الذي يواجه عدة مشكلات في الجامعة ومع شقيق والده المتوفى وتحاول أم سيد وأصدقاؤها رفع الظلم الواقع على الابن في إطار كوميدي غنائي.
في “أونكل زيزو حبيبي”، تدور أحداث الفيلم حول شخصية “زيزو” (محمد صبحي) الذي يعاي هزال جسده وضعف صحته بشكلٍ يثير سخرية جميع من حوله، ويرغب “زيزو” في أن يصبح بطلًا رياضيـًا ليكون مصدر فخر لابن شقيقته سمير الذي يتخذ منه مثلًا أعلى.

 

 

يصاب سمير بصدمة نفسية شديدة عندما يشاهد خاله وهو يتلقى “علقة” ساخنة، مما يفقده القدرة على الكلام والحركة بعد أن فقد الثقة في خاله، يحاول زيزو جاهدًا أن يصبح بطلًا قويـًا ليساعد سمير على الشفاء، وفي هذه الأثناء تحدث لزيزو مفارقات كثيرة في جوٍ من الكوميديا. الفيلم من إخراج نيازي مصطفى ومن تأليف يسري الإبياري، وسيناريو عبدالحي أديب، وهو من إنتاج عام 1977.
وتدور أحداث فيلم “كابتن مصر” حول لاعب كرة قدم مكافح يحقق ما كان يطمح له منذ زمن بأن يكون واحدًا من أبرز لاعبي كرة القدم في مصر، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث يقوم بدهس رجل بالخطأ أثناء قيادته السيارة مما ينتج عنه وفاته، ليُحكَم على اللاعب بالسجن لمدة 3 سنوات بتهمة القتل الخطأ. إلا أن اليأس لا يعرف له طريقـًا، فيقرر أن يشكل داخل السجن فريقـًا محترفـًا لكرة القدم من زملائه المساجين.
“كابتن مصر” هو فيلم كوميدي عُرِض عام 2015، من إخراج معتز التوني، وتأليف عمر طاهر، وبطولة محمد إمام، وحسن حسني، وإدوارد، وبيومي فؤاد، وأحمد فتحي، ومحمد سلام، وعلي ربيع.
وهناك فيلم “بوشكاش”، من إنتاج عام 2008، وبطولة محمد سعد وزينة، وتدور أحداثه حول “بوشكاش محفوظ” (محمد سعد)، وهو سمسار لاعبين يقرر خوض هذه المهنة بعد فشله كحارس مرمى في أندية كثيرة. يؤمن “بوشكاش” بأن سر حظه الجميل هي سلسلة تؤهله للنجاح في حياته، حتى يفقد هذه السلسلة بالصدفة.
يعمل لصالح “رشدي طلال” (عزت أبو عوف) رجل الأعمال الفاسد ومساعده ومدير أعماله (أحمد راتب)، وتتوالى الأحداث حتى يتعرف على المذيعة المشهورة “هانيا” (زينة) حيث يبحثان سويـًا عن حقيقة هذا الرجل الفاسد.

 

 

وفي عام 2015، عرض فيلم “عيال حريفة” في موسم عيد الأضحى المبارك، وحقق نجاحـًا كبيرًا وإيرادات تجاوزت 10 ملايين جنيه مصري. يعالج الفيلم كرة القدم من زاوية جديدة، حيث يتناول قصة عن كرة القدم النسائية.
تدور الأحداث حول “سباعي مكرونة”، الذي يعمل مدربـًا لكرة القدم في نادي الدقي الرياضي، لكنه لا يفلح في صنع أي إنجازات تُذكر في مسيرته، وهو ما يجعل “حبشي” يرفض زواجه من ابنته “أوشا”، ولكن تتبقى له فرصة أخيرة لإثبات ذاته، وهو أن يتولى مسؤولية تدريب فريق كرة القدم النسائية، وفي سياق الأحداث يكتشف الكثير من التلاعب والفساد من قبل أحد المسؤولين في اتحاد كرة القدم.
الفيلم من إخراج محمود سليم، وتأليف سيد السبكي، وبطولة محمد لطفي، ومحمود الليثي، وبوسي، وصافيناز، وسعد الصغير، وبدرية طلبة.
في فيلم “يا رب ولد”، نتابع حكاية تاجر الأخشاب “محمد الأسيوطي، الذي يعيش مع زوجته كريمة وبناته الثلاث، صفاء ومديحة وهدى، تتزوج صفاء من سمير ومديحة من الفنان الفاشل عيسوي، وتخطب هدى من إكرامي، يعيش الجميع عالة على الأب محمد الأسيوطي في المنزل نفسه، ويتنافس كل عروسين في استهلاك كل مقدرات المنزل، بينما لا يميلان إلى العمل، أحدهما فنان تشكيلي والثاني عاطل.
تشعر كريمة بأعراض الحمل فيشعر الأب بالسعادة ويتمنى أن يرزق بولد ليرث أعماله، ويسبب هذا الحمل الكثير من المتاعب للعرائس، ثم يتضح أن الحمل كاذب. وتثبت الابنتان قدرتهما على إدارة أعمال والدهما بعد سفر أختيهما مع زوجيهما للإقامة في إحدى المدن الجديدة.
 

 

 

وقد نجد كرة القدم قصة جانبية تدور في خلفية أحداث الفيلم، كما نجد في فيلم “واحد صفر”، الذي تدور قصته حول نساء يبحثن عن حياتهن الضائعة. لا يتحدث الفيلم عن كرة القدم، لكنه وبذكاء فني، وعمق اجتماعي، يتخذ ليلة المباراة النهائية لمصر والكاميرون في البطولة الإفريقية، زمنـًا لأحداثه.
الفيلم من إخراج كاملة أبو ذكري وتأليف وسيناريو وحوار مريم نعوم، وبطولة إلهام شاهين، ونيللي كريم، وزينة، وخالد أبو النجا، وأحمد الفيشاوي، تم عرض الفيلم في مارس 2009.
 

 

 

سبق للمخرج خيري بشارة أن فعل الشيء ذاته في “إشارة مرور”، الفوارق بين الفيلمين عديدة، أما المفارقة فقد كانت في أن خيري بشارة، حبَس الفيلم في شارع واحد، بينما أطلقت كاملة أبو ذكري فيلمها في كل الشوارع، كان فيلمـًا “شوارعيـًّا” جميلًا!
مشاهد من كرة القدم مرّت في أفلام عربية كثيرة، مثل: “إسماعيليّة رايح جاي”، و”صايع بحر”، و”أبو علي”، و”أنا مش معاهم”، و”الحرب العالميّة الثالثة”!
وفي أكثر من فيلم يظهر عادل إمام، في ملاعب كرة القدم، يلاحق المجرمين في “حنفي الأبّهة” ويسجّل بينما هو فاقد البصر في “أمير الظلام”، وفي “مرجان أحمد مرجان” يدفع رشوة لجميع من في الملعب باستثناء العارضة، ويُهدي كأس البطولة للسيد الرئيس!، وفي توليفة يمكن ربطها بشجرة فيلم “أبي فوق الشجرة”، يُرجع بمساعدة “إكرامي”، أباه إلى عقله في فيلم “رجل فقد عقله”!
ومن مشاهد السينما البارعة، المشهد الأخير من فيلم “طيور الظلام”، لحظة يتسابق عادل إمام، ورياض الخولي، على رمي الكُرة لتكسر كل شيء في البلد!
في الأفلام الجادة يبرز فيلم “الحرّيف” وفي الأفلام الكوميدية برز فيلما “غريب في بيتي” و”4-2-4″، لسمير غانم ويونس شلبي، كان كل شيء يقول إننا أمام فيلم مقاولات هابط، لكنه فاجأ الجميع، ربما حتى العاملين به وعليه، كوميديا راقية، رقيقة، وعمل محبوك على بساطته، أو ربما بسببها، وفيه لنجاح الموجي جملة لا تُنسى، حين كان يفاوض الإدارة على عقده كلاعب، أراد كل لاعب سيّارة، ونجاح الموجي حدد مواصفاتها: “المهم في الأخير تنفع تاكسي”!

 

 

 


إعلان