التفوق أو الإعدام
مروة صبري
نعم المرضعة وبئس الفاطمة، هذا هو المثل المناسب لفيلم The Thinning من إخراج مايكل ج. غالاغر الذي اشترك في كتابة السيناريو والحوار مع ستيف جرين، وفي إنتاجه مع جانا وينترنتز ومايكل وورمزار. الفيلم كان فيه فرصة للإبهار لولا نهايته، لذا فهو من الأفلام التي يصعب نقدها دون حرق المشهد الأخير على من لم يشاهدها وذلك لخيبة الأمل الشديدة في النهايّة التي جعلت العديد يتجهون إلى الإنترنت ليشرحها لهم النقاد.
فن الإعلان
المشاهد لإعلانات الفيلم يتوقع فيلمًا خارقًا للعادة، أبطالًا سيغيّرو مجرى التاريخ ثمّ نهاية تجمع الحبكة الأساسيّة والحبكات المساندة وتغزلهم ببراعة لنرى ما يشبع التوقعات. جمع الإعلان لقطات مثيرة تجعلنا نقول إن كان هذا هو الإعلان فما بالنا بالعمل الكامل؟ ذكاء الإعلان بدا في اختيار أفضل ما في الفيلم لتشويق المشاهد ووددنا لو استمر التشويق إلى آخر الفيلم.
الأحداث
تدور أحداث الفيلم في مستقبل بائس ممزوج بالخيال العلميّ، فمع تزايد عدد السكان وقلة الموارد المتاحة، قررت الأمم المتحدة أن تخّفض كل دولة عدد سكانها بمعدل 5% سنويًّا. بعض الدول قررت التخلص من كبار السن، بعضها حدّد المواليد بطفل واحد للأسرة، أمّا في الولايات المتحدة فالبقاء للأذكى. فلكيّ تعود أمريكا عظيمة مرة أخرى صار إجبارًا على كل الطلاب في جميع المراحل أن يأخذوا اختبار قدرات على حاسوب كف، من يفشل في الامتحان يعدم. لا يسمح بالحياة إلا لمن يحصل على A أو B. أمّا من يقل عن ذلك يستغنى عنه. بطلة الفيلم لينا مايكلز (Peyton List) طالبة متفوقة في السنة قبل الأخيرة في المرحلة الثانويّة، تعطي دروسًا لغيرها ليمروا في هذا الامتحان، وهيّ أيضًا تبيع سرًا عدسات لاصقة تري الحل الصحيح للمسائل الحسابيّة. خلال هذه الأحداث نعرف أنّ لينا هي الأخت الكبرى لأخت لا تتعدى الست سنوات ولأخ دون سن المدرسة، والدها لا نعلم عنه شيئًا وأمها مريضة لا يرجى شفاؤها وهي تبييع العدسات لتغطي مصاريف العلاج. أمّا البطل بليك ريدينج (Logan Paul) فهوّ ابن حاكم ولاية تكساس، دين ريدينج (ماثيو جليف) والذي يهاجم من ينعت هذا النظام بالبربريّة ويصفهم بالطفيليات التي ينبغي تطهير المجتمع منها، ويتعجب دين في خطابه الذي أعلن فيه ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة من المهاجمين فيقول: “هل هي بربريّة أن نقود في الإبتكار؟ هل هي بربريّة أن نكون الدولة الأولى في السكان الأكثر إطّلاعًا الأعلى تعليمًا ضمن 196 دولة؟ هل هي بربريّة أن نكون الأفضل؟” وبالتالي الحاضرين صفقوا وصاحوا موافقة على قتل أطفال من الصف الأول الابتدائي وحتى الثانوية العامة، في مشهد يذكرنا بالمصفقين حول العالم. هرب بليك ليلة اختبار القدرات ليلتقي فتاة لا تعجب والده فما كان من رجال الوالد إلا اتباعه وإعادته إلى البيت ليخبره والده أنّ هذه الفتاة تعطله وأنّ في ليلة اختبار مصيري لا يوجد وقت للمرح.
يوم الاختبار
المشهد مكثّف، الأهالي يوّدعون أبناءهم لا يضمنون رؤيتهم مرة أخرى، نجد الطالب القلق والذي حاول الغش بـتمرير جهاز أو “برشام” تحت الجلد وتم كشفه ومطاردته وضربه بوحشيّة، المدرسة كأنّها معسكر للتعذيب في ذلك اليوم يحكمها حراس يرتدون أقنعة سوداء ويحملون عصيان في مشهد يشبه ما شاهدته بعض الجامعات العربيّة أيام ثورات الربيع العربي لكن وجوده في الواقع يزيد من رهبته، المدرسة قبيل الامتحان تقع تحت حظر شامل تغلق فيه بوابات وأسوار حديديّة لا يمكن اختراقها. نرى معلمة تقرأ القواعد للطلاب ولا تملك دموعها، ونرى معلمًا يستفيد من النظام بخسته الأخلاقيّة فالبنت التي تبيع نفسها له تضمن النجاح. لا ندري كمشاهدين كيف تضمنه والاختبار يأتي من لجنة عليا لكن يمكننا التخمين بنهاية الفيلم. المعلمة تعرف حجم فساد هذا الأستاذ لكنّها لا تنطق.
ما إن ينتهي الاختبار حتى تصدر النتائج ولا يتم الإفراج عن الطلاب حتى يساق من رسب منهم إلى حجرة التنفيذ. في كل هذه الأحداث التي تكاد تنسينا سمعة أمريكا اليوم من دساتير لاحترام الحق في الحياة وحقوق الإنسان وتجريم قتل الأطفال، نجد شيئًا واحدًا يذكرنا بالحاضر وهو كيلان وودز (Calum Worthy) زميل لينا المقرب وابن أحد المسئولين بالمدرسة الذي يسرب أي مقاطع فيها مخالفات للإعلام كيّ يكشف ما يحدث في الداخل، هو أيضًا يخترق حساب والده للحصول على معلومات تفيده ولمتابعة كاميرات المراقبة. استطاع كيلان ترسيخ علاقة ثقة مع أحد مذيعات الأخبار التي ساعدت في تقدم الحبكة الدراميّة فيما بعد. كل الطلاب الذين حكم عليهم بالإعدام لا نعرفهم ولم يرج للمشاهد أن يتعاطف معهم إلا صديقة بليك ابن المحافظ، حين تم أخذها اتصل بليك بوالده وترجاه أن ينقذها، رفض الأب وقال له لا أحد فوق القانون. حاول أن يهربها بنفسه بالاعتداء على الحراس لكن بقيّة الطلاب وقفوا في طريقها حتى لحق بها الحراس لكن من شدة الأمن في المكان لم تكن لتهرب على أيّ حال.
ينقلنا الفيلم إلى العام التالي، إلى يوم الاختبار النهائي للبطلة والبطل الذي إن مرا به أمنا على نفسيهما مدى الحياة، لكن هذه المرة قرر بليك أن يعلم والده درسًا في أغلى الناس لديه، فقام بتسجيل فيديو وإلقاء الظرف في صندوق البريد. حصل رجال والده عليه فورًا فعلم منه الأب أن ابنه ينتوي الرسوب عمدًا وقال :” إن أراد أبي أن يقف إلى جانب نظام فليعلم أنّه يقف إلى جانب نظام سيقتل ابنه.”
مرّ الاختبار كالعادة لكن هذه المرة رسبت لينا ونجح بليك. وهذا لأنّ الحاكم اتصل برئيس الحرس الذي هو أيضًا مسئول عن الاختبار وعن الإعدام وطلب منه أن يحوّل الناجحين من أعلى الدرجات إلى أقلها، فلينا الحاصلة على 98% رسبت ونجح بليك الذي حصل على 15%. ذهبت المعلمة كيندرا بيرتش (ستيسي داش) لتطلب المراجعة إذ أنّ لينا أفضل طالبة لديها لكنّ الرد جاء فورًا أنّه لا يوجد خطأ فسربت لها المعلمة مفتاحها الإليكتروني لعلها تتمكن من الهرب. أدرك بليك أنّ هناك خطأ ما، فتسلل وفصل الكهرباء عن المبنى موقفًا تنفيذ الإعدام وتمكنت لينا من الهرب وسط الهرج، وصلت إلى الدرجات وعلمت الحقيقة وعلمت أنّ صديقة بليك من العام السابق نجحت ورغم ذلك أعدمت فسربت المعلومات لكيلان الذي أوصلها للإعلام قتحول الموقف ضد دين ريدينج الذي صرح أمام الإعلام أنّ لينا فشلت في الاختبار وقامت بالاعتداء على الحراس وقتلت منهم إثنان ولذا فهو غير مسموح للطلاب بالمغادرة حتى يتم القبض عليها.
إحساسي حتى هذه النقطة
شعرت أنّنا بصدد ثورة تفضح هذا الحاكم الفاسد ورجاله وتنهي مستقبله السياسي. كان في مخيلتي أنّ هناك تناسقًا بين شاب قويّ تجرع من الظلم فزلزل عالمه المرفه الهش، وبين فتاة ذكيّة من العوام تسعى لإطعام طفلين ورعايتهما بمفردها مع الحفاظ على مستواها الدراسيّ، وبين شاب لا يقوى على المواجهة لكنّه يحسن توصيل صوت المظلوم، رأيت فيهم رمز ثالوث ثورة متكاملة، ما على الآباء المكلومين والقلقين إلا الإنضمام إليهم، ولابد وأن يكون هناك معارضة تنتظر الفرصة للتصعيد وتحقيق مطالب عادلة للجميع. لكن ذلك لم يحدث، بمجرد معرفة الإعلام للدرجات الحقيقيّة وللتلاعب الذي حصل لصالح بليك ابن حاكم الولاية وتحت الضغوط وللحفاظ على مستقبله السياسي، تراجع دين وطلب من ميسون إصلاح الدرجات ثمّ قدّمه ككبش فداء. فهوّ يحب ابنه ولكن ليس أكثر من مستقبله السياسيّ ثمّ أنّه أدرك أنّ إعدام ابنه مدرك الآن لكن إن قرره هو على الأقل سيحافظ على فرصه في الرئاسة.
التمثيل والإخراج
التمثيل في مجمله جيّد، يمكن تحسين أداء لينا لكن في المجمل معقول، لكن تمثيل ماثيو جليف الذي قام بدور دين ريدينج هو أفضلهم على الإطلاق. الرجل مقنع كسياسي منافق وفاسد في ثوب عفّة وشرف. أتقن جليف تعبيرات وجهه وطبقات صوته مع لغة جسد مناسبة. الإخراج أيضًا كان جيّدًا عمد فيه غالاغر إلى سرعة الإيقاع بمتابعة مشهدين أو ثلاث يقعون في آن واحد مع دقات صاخبة مثيرة حتى سكن كل شيء في المشهد النهائي.
عيوب الفيلم
كيف يسمح لمن لا يرجى شفاؤهم مثل والدة البطلة بالحياة بينما يقتل الأطفال؟ هل من المعقول أن يصل عدد طلاب المدارس إلى أكثر من 5% من الشعب بحيث قتل راسبيهم يتوافق مع النسبة المطلوبة؟ من سيعمل بالمهن البسيطة إن صار الشعب كله من الجهابذة؟ ماذا عن العباقرة في غير التعليم أو في فرع دون الآخر؟ لو مات من كل مئة ألف 5% سنويًّا سيقتل ربع السكان خلال خمس سنوات؟ كيف اقتنع الشعب وممثليه بهذا النظام الذي يقتل أولادهم؟ وحين تم تعديل النتائج، أعدم أولاد مسئولين في الدولة. أبناء العوام في أيّ نظام قمعيّ يساقون إلى الفداء بطرق عديدة منها على سبيل المثال الجيوش، أمّا في هذا الفيلم، فالمدرس يملك وعد طالبة بالنجاح ولا يملك مسئول ذلك؟ حاكم تكساس حين أراد قلب موازين النجاح والرسوب لصالح ابنه فعلها لكن حين انكشف أمره وبضغط قليل، أمر بإنهاء حياة ابنه؟ هل وافقت الأمم المتحدة على مثل هذا القتل غير المبرر لأطفال سلميين؟ كيف لدولة قمعيّة همجيّة تسمح بحريّة الرأيّ؟ مثل هذه الأنظمة أول ما تقضي عليه هو حريّة الإعلام لكننا نجد المذيعين لا يترددون أو يراجعون. أين الالتزام بقوانين الفساد؟
شرح النهاية
من الممكن أن ننظر إلى النهاية بشكل أعمق وهو أنّ شركة كمبيوتر كبرى تضخمت وتوغلت حتى صارت متحكمة في مصير أكبر الدول، وبدلًا من دفع الضرائب وتوفير تأمينات اجتماعيّة للعمال ودفع مرتباتهم، قدمت نظامًا لاستعباد قطاع منهم يعملون بالسخرة ولا يسأل عن أمنهم. المحزن هو أنّ ذلك يحدث بالفعل، فبعض الشركات الأمريكيّة تستخدم عمّالًا من الأطفال في دول أخرى يعيشون على الفتات ويعاملون معاملة العبيد بلا حقوق. هل هذا ما أراد صنّاع الفيلم التنويه إليه؟ إن كان ذلك فقد أساءوا تقديمه حيث لم أجد خلال بحثي أيّ ناقد توصل لهذه الخلاصة. القصة في مجملها جيّدة لكن كان من الممكن أن تتحوّل من الجودة إلى الإدهاش لو وجد لها خاتمة بمستوى المقدمة.