شادية .. عناوين البهجة

 
ياسر ثابت 
 
اعتزلت دلوعة السينما المصرية «شادية» عالم الفن، بعد أن قدمت 116 فيلمـًا سينمائيـًا، و10 مسلسلات، ومسرحية واحدة، وما لا يقلّ عن 15 أغنية “دويتو” اتسمت جميعها بالفرح والبهجة، كانت أشهرها مع العندليب عبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، ومنير مراد، وكمال حسني، ومحمود شكوكو وإسماعيل ياسين.
 
في 8 فبراير1931 وُلِدت فاطمة كمال الدين أحمد شاكر، التي عرفت فيما بعد باسمها الفني شادية، في الحلمية الجديدة بالقاهرة، لأم مصرية من أصل تركي. عرفناها مغنية تتميز بخفة الظل والرقة والنعومة، وممثلة تتقن أدوارها الفنية بدرجة جعلتها من أفضل المغنيات اللاتي دخلن عالم التمثيل في تاريخ الدراما المصرية، ووافتها المنية في 28 فبراير 2017 عن ستة وثمانين عاما. 
 
قال عنها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ: «إن شادية هي المفضلة لديّ غناءً وتمثيلًا من بين كل الفنانات».
هذا عن شادية المطربة، أما شادية الممثلة فقال عنها أديب مصر العالمي نجيب محفوظ «إن شادية ممثلة عالية القدرة وقد استطاعت أن تعطي سطوري في رواياتي لحمـًا ودمـًا وشكلًا مميزًا لا أجد ما يفوقه في نقل الصورة من البنيان الأدبي إلى الشكل السينمائي، وكانت «حميدة» في «زقاق المدق» صورة لتلك القدرة الفائقة التي لا أتصور غيرها قادرًا على الإتيان بها، وهي كذلك أيضـًا في غير أعمالي فقد رأيتها في بداياتها في دور الأم المطحونة المضحية في فيلم «المرأة المجهولة» وتصورت أن بمقدورها أن تحصل على جائزة «الأوسكار» العالمية في التمثيل لو تقدمت إليها».
 
غير أن ما يلفت الانتباه هو اهتمام شادية بالدويتو الغنائي، وهو عبارة عن حوار غنائي يتميز بالانسجام في الكلام والأداء واللحن والصوت. من هذه الأغاني تحفظ ذاكرة الفن دويتوهات “لو سلمتك قلبي” مع كمال حسني، “يا سلام على حبي وحبك” مع فريد الأطرش، “تعالى أقولك” و”حاجة غريبة” و”احنا كنا فين” و”لحن الوفاء” مع عبدالحليم حافظ، بالإضافة للدويتوهات التي جمعت بين شادية وشكوكو في أغنية “ربنا يبسطنا كمان وكمان” وبين شادية وإسماعيل ياسين في أغنية “الفراخ والجمبري” و”يا سم يا دم” و”أنت فاكراني”.
 
لحن الوفاء.. مع العندليب
إذا كانت رحلة شادية مع فن الدويتو رحلة خاصة، فإنها تصبح أكثر خصوصية وتميزًا مع عبدالحليم حافظ، الذي قدمت معه العام 1955 دويتو «لحن الوفاء»، فقد قدمت معه في الفيلم ذاته دويتو ثانيـًا هو «احتار خيالي» لحن حسين جنيد، ودويتو ثالثـًا هو «تعالى أقول لك» الذي كتبه فتحي قورة، الذي ألف لها عددًا كبيرًا من أغانيها الخفيفة، ولحنه منير مراد، الذي رافقها في مشوارها مع الأغنيات الخفيفة أيضـًا. وبذلك تكون شادية قدمت مع عبدالحليم في فيلم «لحن الوفاء»، الذي أخرجه إبراهيم عمارة، وحده ثلاثة دويتوهات من أبدع الدويتوهات التي عرفتها السينما والغناء في هذا اللون.
 
توالت الدويتوهات بين شادية وعبدالحليم حافظ الذي كان يُنظر إليه على أنه نجم الرومانسية الأول في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. كما قدما دويتو آخر في فيلم «دليلة»، بعنوان «احنا كنا فين». أما فيلم «معبودة الجماهير» الذي أنتجه عبدالحليم أيضـًا، وصور بالألوان كذلك، وكتب قصته الصحفي الكبير مصطفى أمين، ويقال إن قصة هذا الفيلم هي نفسها القصة الحقيقية لزواج أم كلثوم من الملحن محمود الشريف وكانا تزوجا سرًا العام 1946، وانفصلا تحت ضغوط شديدة من المحيطين بأم كلثوم. في هذا الفيلم قدمت شادية مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ دويتو «حاجة غريبة»، كلمات حسين السيد وألحان منير مراد.
 
 
فريد.. الحُبّ الذي كان!
 وفي الوقت نفسه الذي كانت شادية تقدم فيه الدويتوهات مع عبدالحليم حافظ التقت أيضـًا مع فريد الأطرش في دويتوهات عدة، ففي فيلم «ودعت حبك»، الذي عُرض في العام 1957 عقب العدوان الثلاثي على مصر، قدمت معه دويتو «احنا لها نفدي العروبة وأهلها»، كما قدمت في فيلم «أنت حبــيبي» دويتو خفـيف الظل يتناسب مع أحداث الفيلم الذي كان فيلمـًا كوميديـًا خفيفـًا وكان دويتو «يا سلام على حُبي وحُبك»، وأدت معه أيضـًا في هذا الفيلم مقاطع من أغنية «زينة».
للتعاون الفني مع فريد حكاية وراء الحكاية.
بعد انفصال شادية، عن زوجها الفنان عماد حمدي، بفترة ارتبطت بالفنان الراحل فريد الأطرش، عاطفيًا، وكان لهذا الحب مفارقات كبيرة حيث أنها لم تكن من هواة أغانيه ولا تفضلها، لكنها عندما اقتربت منه وجدت فيه صفات أخرى شجعتها للتقرب منه.
 
وتقول شادية عن علاقتها بــ«الأطرش»: تعرفت عليه للمرة الأولى عندما رشحني المخرج يوسف شاهين للمشاركة في فيلم “ودعت حبك”، وهنا اكتشفت إنسانـًا آخر غير الذي كنت أعرفه من بعيد، فهو إنسان طيب وحنون جدًا، وكريم إلى أبعد الحدود، قلبه أبيض كقلب طفل، كما اكتشفت أنه خفيف الظل على عكس ما كان يشاع عنه، ووجدته مثالًا للرجل الجنتلمان الذي يعامل المرأة باحترام ولا يبخل عليها بحنانه، وبدأ حب فريد الأطرش يملأ قلبي وحياتي بعد أيام وشهور البؤس والدموع التي أعقبت طلاقي من عماد حمدي».
 
غير أن حياة السهر والحفلات التي اعتاد عليها فريد لم تكن تستهوي شادية، لينتهي هذا الارتباط العاطفي لأن شادية كانت تحتاج إلى بيت هادئ ترجع إليه آخر النهار ولا تقدر على سهرات «الأطرش» اليومية. كانت شادية تعيش في شقة بنفس العمارة التي يسكن بها «الأطرش»، ما جعل الشائعات تقول إنهما عقدا القران وانتهزت شادية سفر «الأطرش» لتبيع الشقة وتسكن في مكان آخر محاولة بذلك إسدال الستار على قصة لم تكتمل.
وبعدها لم تتعاون شادية مع «الأطرش»، في أي عمل فني، لكن بعد سنوات من الجليد بينهما تدخل بعض الوسطاء لعودة العلاقات مرة ثانية، حيث تطوعت مصممة الأزياء ليلى محمد صديقة شادية بذلك وسألتها في مكالمة هاتفية قائلة: «إيه رأيك تغني مع فريد؟»، لترد عليها شادية قائلة: «ما أنا قلت رأيي قبل كده مفيش أي مانع، فريد صديق عزيز»، فقالت لها «ليلى» طب خدي كلميه، وأمسك «الأطرش» السماعة وذاب جليد السنين وتم التفاهم في دقائق معدودة، وسافرت شادية إلى لبنان وغنت وأبدعت من ألحان «الأطرش».
 
 
موعد مع فاتن حمامة 
حكت شادية عن واحد من أجمل المواقف في حياتها مع فاتن حمامة، وقالت: «كنا أثناء تصوير فيلم “موعد مع الحياة” عام 1953 وبصعوبة بالغة حاول مخرج الفيلم أن يقنع فاتن بالغناء وكان ذلك من لزوم الدور.
وأضافت «شادية»: «وفي أحد مشاهد الفيلم أزف خبر نجاحي أنا وفاتن إلى والدنا الذي أدى دوره الفنان العظيم حسين رياض، رأى المخرج أن يزف الخبر بطريقة غنائية مرحة سعيدة من خلالي، ثم عاد وفكر في اشتراك فاتن في الغناء ميى وبعد محاولات عديدة لإقناع فاتن بدأ الملحن منير مراد تلحين الأغنية، وما أن انتهى من التلحين حتى عادت فاتن تتخوف مرة أخرى من خوض تجربة الغناء لأول مرة».
تابعت «شادية»: «هنا أحسست بتخوف فاتن من الغناء فقمت بحفظ (الدويتو) كاملًا من منير مراد، ثم بدأت أغني الأغنية عدة مرات أمام فاتن حتى استطعت بطريقة غير مباشرة أن أجعلها تحفظ اللحن، وتردده معي بتلقائية وبدون خوف في فترات الراحة من التصوير».
واستكملت: «وعندما بدأ منير معي جلسات محاولة تحفيظ اللحن لفاتن فوجئ في أول جلسة بأنها تحفظ اللحن كاملا عن ظهر قلب، وبمجرد دخولنا الأستوديو غنت فاتن معي، وكان (دويتو) (ألوه..ألوه..إحنا هنا….ونجحنا أهوه في المدرسة) من أنجح أغاني الأفلام».
 
الدلوعة ومنير مراد 
بعد أن بدأ الملحن والممثل منير مراد في العمل بالسينما واجهته صعوبة في الدخول للعمل بالتمثيل، فقرر التخلي عن هذه الفكرة وبدأ يتجه إلى التلحين مستخدمـًا موسيقى الجاز التي كانت رائجة وقتها في الغرب والولايات المتحدة خاصة، لكن واجهته صعوبات أخرى في الترويج لها وإقناع المنتجين بها لأنهم وجدوها خارجة عن مألوف الموسيقى الشرقية التي اعتادوا عليها إلى أن وجد من يتقبل هذه الفكرة، وهي شادية التي استقبلت بترحاب لحنه، وخرجـا سويـًا بأغنية «واحد .. اتنين».
حين أُذيعت تلك الأغنية نالت إعجابـًا واسعـًا، وفتحت الطريق أمام منير مراد وشادية ليتربعا فيما بعد على قمة التلحين والغناء، وعملا سويـًا في بطولة الفيلم السينمائي «أنا وحبيبي» عام 1953، واستمرت تجربتهما معـًا، فبلغ عدد الأغاني التي لحنها مراد لشادية 70 أغنية و«دويتو».
 
 
مع غريم العندليب
أدت شادية دويتوهات مع كل المطربين البارزين، ففي بداية العام 1957 ظهر المطرب كمال حسني، الذي أحدث ضجة وقتها، وقيل إنه سيزيح عبدالحليم حافظ من مكانه ومكانته التي حققها في ذلك الوقت، ويجلس بدلًا منه على قمة الغناء الجديد.
ولأن شادية كانت تتميز برقة المشاعر، وبروح إيجابية في التعامل مع الفنانين الجدد، وتعمل على مساعدتهم، فقد وافقت على طلب منتج فيلم «ربيع الحب» أن تظهر في الفيلم لمساندة المطرب كمال حسني، كما سبق وساندت عبدالحليم حافظ في بداياته، ولم تخيب شادية رجاء المنتج، ووافقت، ونجح الفيلم وغنت مع كمال حسني دويتو «لو سلمتك قلبي واديتك مفتاحه».
 
كما غنت شادية مع المطرب الراحل محمد الكحلاوي دويتو «جواب يا جميل» في فيلم اسمه «الصبر طيب» العام 1952، ومن الطريف أن شادية صاحبة الصوت الرقيق شاركت المطرب عزيز عثمان الذي كان يعتبره النقاد والوسط الفني أسوأ صوت، دويتو في فيلم «ساعة لقلبك» العام 1952، لكن عزيز عثمان كان خفيف الظل ويجيد الأداء ما جعله محبوبـًا ومقبولًا لدى الجمهور، كما غنت أيضـًا في دويتو مع المطرب جلال حرب. وفي فيلم “نص ساعة جواز” غنت شادية مع سمير صبري أغنية “سكر حلوة الدنيا سكر” من ألحان بليغ حمدي.

إعلان